حقيقة علمية يؤكدها الأطباء النفسيون والعصبيون فالأحلام صمامات الأمان للصحة النفسية والذهنية يفرغ عبرها العقل الباطن رغباتنا المكبوتة فلا نختنق بها.. وقد جذبت ظاهرة الأحلام اهتمام العلماء والمفسرين على حد سواء عبر عصور التاريخ، وعلى الرغم من تباين الآراء حول تفاسير هذه الظاهرة، إلا أنها ظلت ظاهرة معقدة على الفهم والتأويل، فلم يستطع العلم الحديث الوصول إلى جوهرها ولا الإجابة على الكثير فيما يتعلق بتكوين الأحلام ومعانيها.
فكانت بعض قبائل الإسكيمو تعتقد أن الروح تترك الجسم أثناء النوم وتعيش في عالم آخر خاص بها وأن إيقاظ الحالم من نومه يسبب خطراً كبيراً يهدد بضياع روحه وعدم قدرتها على العودة إلى جسده مرة أخرى، حتى وصل الأمر أن بعض القبائل الهندية القديمة التي لديها نفس الاعتقاد كانت تعاقب بشدة كل من يوقظ نائما.
وكان المصريون القدماء هم أول من أعتقد بأن الأحلام إيحاء مقدس وكانوا يسمونها الرسل الغامضة إلى النائم للإنذار بالعقاب أو المواساة والتعزية والتبصير، وقد وجدت بعض البرديات منها بردية شستر بيتي - نسبة إلى مكتشفها - من عهد الأسرة الثانية عشرة قبل الميلاد وبها تفسيرات للأحلام ومعناها، وتعد تلك أول محاولة من نوعها في التاريخ.
ويذكر هيرودوت أن اليونان وبلاد الإغريق كانت تحتوي في وقت من الأوقات على حوالي 600 معبد مخصص للأحلام وتلمس الشفاء عن طريقها. ثم انتقلت الأحلام من معابد الإغريق إلى اهتمام علماء النفس والأطباء والفلاسفة، مما أدى إلى ظهور وجهات نظر في تفسير الأحلام اختلفت باختلاف زاوية نظر كل فريق وطبيعة كل باحث.
كيف نحلم ؟
إذا أصبت بشلل النوم .. فلا تفزع
وقد تم إخضاع الأحلام إلى دراسات علمية ومعملية لكشف الغموض الذي يحيط بكيفية وأسباب حدوثها أثناء النوم، وفي بعض هذه التجارب تم متابعة أشخاص من المرضى والأصحاء أثناء النوم مع توصيل أقطاب ترصد نشاط العقل والجهاز العصبي خلال مراحل النوم المختلفة على مدى ليلة كاملة أو أكثر، وقد تبين أن الأحلام تحدث خلال مرحلة حركة العين السريعة Rapid eye movement ويميز هذه المرحلة زيادة ضربات القلب، وارتعاش الأصابع والأنامل وزيادة سرعة تنفس النائم ونشاط دماغه.وفي خلال هذه المرحلة تجول العين تحت الجفن وخلال هذه المرحلة يحدث ما يسمى ارتخاء العضلات.
وتشير عدة دراسات أجريت بجامعة شيكاغو إلى أن الأحلام تختلف في الطول وقد تبقى لمدة ساعة، بعكس الآراء القديمة لبعض علماء النفس التي كانت ترى أن الأحلام دائماً قصيرة، والأحلام تتأثر بالبيئة المحيطة وما نشاهده أثناء اليقظة. يقول إريك شيفيتزجبل أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا أن مسحاً أجرى في الخمسينيات، وهي العصر الذهبي لأفلام الأبيض والأسود أثبت أن غالبية الذين عاشوا في تلك الفترة كانوا يشاهدون أحلاما خالية من الألوان. غير أنه بعد تلك الفترة، وبظهور الأفلام الملونة قال آخرون في استطلاعات الرأي أنهم يشاهدون أحلاما ملونة.
وتختلف الأحلام باختلاف العمر والجنس وطبيعة الحياة التي يعيشها الإنسان. فعادة يحلم الطالب بتأخيره عن موعد الامتحان, أو أنه يجلس في قاعة الامتحان ولايجد قلما أو مكانا له. وقد يرى الفرد أحلاما لها علاقة بالمثيرات الخارجية كطرق الباب أو صوت جرس الهاتف أو بكاء طفل إلا أنه يراها بشكل محرف بعض الشيء، فعلى سبيل المثال رش الماء على وجه النائم يجعله يحلم بأنه واقف تحت خرطوم الماء أو تحت الشلال.
شلل النوم.. تجربة مرعبة
وكما ذكرنا سابقا فإن مرحلة الأحلام أو كما يسمونها مرحلة حركة العين السريعة يحدث خلالها ارتخاء للعضلات، لهذا يجدر الإشارة إلى ظاهرة قد يكون مر بها الكثيرون وهي شلل النوم، ومن حدثت له يعرف بالتأكيد أنها تجربة مرعبة. حيث يفيق البعض ليشعر باقتراب الموت وخروج روحه من جسده، والبعض الآخر يعتقد أن جنّياً يضغط على صدره. ويفسر الأطباء ذلك بأن آلية ارتخاء العضلات تضمن لك بقاءك في سريرك أثناء مرحلة الحلم وتنتهي هذه الآلية بمجرد انتقالك إلى مرحلة أخرى من مراحل النوم وفي بعض الأحيان يستيقظ الإنسان خلال مرحلة حركة العين السريعة، في حين أن هذه الآلية (ارتخاء العضلات) لم تكن قد توقفت بعد؛ وينتج عن ذلك أن يكون الإنسان في كامل وعيه ويعي ما حوله، ولكنه لا يستطيع الحركة بتاتاً. وبما أن الدماغ كان في طور الحلم فإن ذلك قد يؤدي إلى هلوسات مرعبة وشعور المريض باقتراب الموت أو ما شابه ذلك.
الأحلام.. أنواع
ويمكن تصنيف الأحلام إلي ثلاثة أنواع: منها ما يتعلق بالجسد ومنها ما له علاقة بالنفس ومنها ما يتصل بالروح. فما يراه الإنسان في منامه لاضطراب في جسده من عسر هضم أو ارتفاع بالحرارة هو ما سماه القرآن أضغاث أحلام، ومثلها ليس له أي مدلول ويصعب تفسيره.
أما الأحلام النفسية فهي ما اهتم به علماء النفس مثل فرويد وأمثاله وهي انعكاسات أماني الشخص ومخاوفه في العقل الباطن، حيث تكون مستقرة ما دام متيقظا وعقله الواعي يراقبها فإذا نام وغفل العقل الواعي تنبه العقل الباطن فعبر عن هذه الرغبات وهذه المخاوف بطريقته إما صراحة أو عن طريق الرمز والإشارة.
وعن النوع الثالث وهو المتصل بالروح أو ما نطلق عليه الرؤيا فتأتي الإنسان من خارج نفسه، وقد تكون صحيحة وتعبر تعبيرا يدل على ما قد يحدث مستقبلا، ولم يجد العلماء تفسيراً لحدوث الرؤيا إنما اعتبروها فطرة أو هبة لبعض الأشخاص.
الحلم ملهم العلماء
لم تقتصر وظيفة الأحلام على إخـبار أو تحذير الحالم أو عتابه أو غير ذلك من الرسائل ولكنها نبهت العلماء إلى أفكار عديدة ساعدت في اكتشافات أو أوحت باختراعات. فمثلاً إلياس هاو مخترع ماكينة الخياطة في القرن الثامن عشر، يقول: انه حلم ذات ليلة بأشخاص يرمون رماحا ولكل رمح فتحة في أعـلاه على هيئة شكل العين.. وقد أوحى له ذلك بالمكان المناسب لوجود الفتحة في إبرة الخياطة أثناء تصميمه لماكينة الخياطة.. أما جيمس وات مكتشف ما يسمى (محمل الكريات) وهو إطار يستخدم في الميكانيكا يحمل داخله كريات من الرصاص. وقد جاءته فكرة هذا الاكتشاف بعد أن رأى في المنام أنه يسير تحت أمطار ثقيلة من كريات الرصاص، فعندما بحث هذا الأمر بالتجربة وجد أن الرصاص المنصهر إذا سقط من ارتفاع كبير يمكن أن يتحول بالفعل إلى أجسام صلبة دائرية أو كرات صغيرة.
ويرى الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية المصرية للأطباء النفسانيين أن الأحلام تمحو أسباب التوتر التي عايشناها طوال اليوم وتقترح لنا حلولا بديلة لمشاكلنا وإحباطاتنا وأحيانا يبدو الحلم وكأنه مجرد تعويض عن إحباط معين مما يخلق نوعا من التوازن لدى الإنسان نفسيا وذهنيا. فهي ظاهرة صحية تفيد في الاحتفاظ بالتوازن العقلي والصحة النفسية، وعلينا ألا نجتهد في البحث عن تفسير لأحلامنا الغامضة المزعجة.. مع أطيب التمنيات بنوم هادئ وأحلام سعيدة.
منقوووول