فصل في الوقف التام
وهو الذي قد انفصل مما بعده لفظا ومعنى .
أتي جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل استزده، [ فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده ]، حتى بلغ سبعة أحرف، كل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب. وفي رواية أخرى ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب بمغفرة. فقال أبو عمرو: هذا تعليم الوقف التام من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، إذ ظاهر ذلك أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة أو الثواب، وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر العقاب، وكذلك ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار أو العقاب، وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر الجنة أو الثواب. واعلم أن هذا القسم من الوقف، وهو التام، لا يوجد إلا عند تمام القصص وانقضائهن، ويكثر أيضاً وجوده في الفواصل، كقوله: وأولئك هم المفلحون ، ثم الابتداء بقوله: إن الذين كفروا وأنهم إليه راجعون ثم الابتداء بقوله: يا بني إسرائيل . وقد يوجد التام قبل انقضاء الفاصلة [ كقوله: لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني هذا آخر قول الظالم، وتمام الفاصلة ] من قول الله تعالى: وكان الشيطان للإنسان خذولاً . وقد يوجد التام بعد انقضاء الفاصلة بكلمة، كقوله: لم نجعل لهم من دونها سترا * كذلك ، آخر الفاصلة (ستراً)، والتمام (كذلك). وقوله: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل آخر الآية (مصبحين)، والتمام (وبالليل)، لأنه عطف على المعنى، تقديره مصبحين ومليلين، ومثله قوله: وسررا عليها يتكئون * وزخرفا . وقد يوجد التام أيضاً في درجة الكافي من طريق المعنى لا من طريق اللفظ، كقوله: لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه الوقف هنا، ويبتدأ بقوله: وتسبحوه بكرة وأصيلا ، لأن الضمير في وتوقروه للنبي -صلى الله عليه وسلم- وفي وتسبحوه لله عز وجل، فحصل الفرق بالوقف. وكذا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً وقف تام، ثم يبتدأ ما لهم به من علم . وكذا القطع على ولا لآبائهم ويبتدأ كبرت كلمةً وما أشبه ذلك، مما يتم القطع عليه عند أهل وقد يكون الوقف تاماً على قراءة وحسناً على غيرها، نحو إلى صراط العزيز الحميد هذا تام على قراءة من رفع الجلالة بعده، وهو الله الذي ، وعلى النعت حسن. وكذا واتخذوا وكاف على القراءة الأخرى. وقد يوجد التام على تأويل، وغير تام تأويل آخر، كقوله: وما يعلم تأويله إلا الله وقف تام على أن ما بعده مستأنف، وإلى هذا الوقف ذهب نافع ، و الكسائي ، ويعقوب، و الفراء ، و الأخفش ، و أبو حاتم ، ابن كيسان ، و ابن اسحاق ، و الطبري ، و أحمد بن موسى اللؤلؤي ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وأبو عبيدة، و محمد بن عيسى الأصفهاني ، و ابن الانباري ، و أبو القاسم عباس بن الفضل . وهذا ظاهر ما يقتضيه تفسير مقاتل، وإلى معناه ذهب مالك بن أنس وغيره. ومعنى الراسخون في العلم يقولون آمنا به أي يسلمون ويصدقون به، في قول ابن عباس وعائشة وابن مسعود، وقال عروة بن الزبير: الراسخون في العلم لا يعلمون التأويل ولكن يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وعلى هذا أكثر المفسرين. وقال آخرون: لا يوقف على إلا الله لأن والراسخون في العلم معطوف عليه، وهذا القول اختاره الشيخ أبو عمرو بن الحاجب وغيره، وعلى قول هؤلاء المتشابه يحتمل التأويل، وذكر الشيخ عبد الله المرسي أن أقوال هذه الفرقة تزيد على الثلاثين.
وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم