انعكست الهدنة التي اعلنتها فصائل المقاومة الفلسطينية في التاسع والعشرين من شهر يونيو حزيران الماضي على الدولة العبرية بشكل كبير، حيث وضعتها في ازمة حقيقية بعد ان انكشفت العديد من الازمات والاشكاليات التي تعاني منها الدولة العبرية والتي كانت مختفية بفعل الحديث المتلاحق عن يوميات الانتفاضة الفلسطينية وحالة الخوف والرعب التي تعيشها دولة الكيان، خاصة الازمات الاجتماعية الناتجة عن ازمات اقتصادية خطيرة.
فعلى العكس مما توقعه الكيان من أن تؤدي الهدنة إلى انتعاش اقتصاده بعد حالة الجمود والانكماش وشبه الانهيار التي يعيشها منذ بداية الانتفاضة فان جميع المعطيات الصهيونية تشير إلى استمرارها فالبطالة في ارتفاع مستمر والتباطؤ في الاستيراد والتصدير وانخفاض مستوى المعيشة متواصل حيث بلغ حجم العجز المالي في الحكومة الصهيونية لشهر حزيران الماضي حوالي " 6.25 مليار شيكل" ، ليبلغ العجز في ميزانية الحكومة في النصف الأول من السنة إلى ما يربو على" 14.26 مليار شيكل" بفعل المقاومة الفلسطينية , وقد بلغ العجز الذي تم تسجيله خلال النصف الأول من السنة أقل" بمليار شيكل" من العجز المقرر في الميزانية السنوية "15.2 مليار شيكل"، بما يعني أن العجز بهذه الوتيرة حتى نهاية العام سيقترب من 30 مليار شيكل وهذا يفرض تقليصا جديدا سيمس بشكل اكبر بالعديد من قطاعات المجتمع الصهيوني.
وزير المالية الأسبق "ابراهام شوحط" يؤكد "إن التصريحات المتفائلة التي أدلى بها وزير المالية لا تعكس الواقع الاقتصادي.. إن العجز الكبير في الميزانية والسوق الراكد والاستثمارات والمدخولات الآخذة بالتدهور تدل على أن الأزمة الاقتصادية في تفاقم مستمر".
وتعبيرا عن تلك الحالة شهدت الأيام الأخيرة تصعيدا في حركة الاحتجاج ضد التقليصات التي تمس بمخصصات الطبقات المتوسطة والضعيفة في المجتمع الصهيوني وكان أبرزها احتجاج الأمهات أحادية الوالد ضد هذه التقليصات واتساعها إلى حالة ضمت المئات من الأمهات المحتجات أمام مكتب شارون ، فيما جاء تحويل 180 مليون شيكلا مخرجا مؤقتا لانهيار الجهاز الصحي الذي نفذ لديه الدواء فيما أوقف العديد من العمليات الجراحية.
وقالت يديعوت 9/7/2003 إن 20 % من الصهاينة باتوا لا يملكون المال لمراجعة الطبيب ،واستمرت نسب البطالة في الارتفاع لينضم خلال الشهر الماضي 8 آلاف صهيوني إلى دائرة العاطلين عن العمل وينتظر آلاف آخرون الانضمام لهذه الدائرة مع إغلاق العديد من المصانع والشركات الصغيرة والمتوسطة ،ومع تواصل التقليصات وازدياد نسبة البطالة فان نسبة الفقر ارتفعت بنسبة 25% لينضم 300 ألف صهيوني إلى مليون و600 ألف فقير آخر وفق إحصائية نهاية العام الماضي.
هذا ويمر فرع البناء الصهيوني في أزمة خطيرة، وقد توجه وفق يديعوت 19/6/2003 سبعون مقاولا مؤخرا لصندوق مساعدات خاص أقامه اتحاد المقاولين الصهيوني ،وقال مدير عام اتحاد المقاولين، "يهودا سيغف" أن فرع البناء تقلص في العامين الأخيرين بمعدل 10% في ظل الهبوط في بدايات البناء من 30 ألف وحدة سكن في العام 2002 إلى نحو 25 ألف هذا العام.
يقول من جهته يقارن البروفيسور" آريه ارنون"، رئيس الدائرة الاقتصادية في جامعة "بن غوريون" وفق يديعوت 5/6/2003 "في العامين ونصف العام الأخير سجل "مواطنو إسرائيل" انخفاضا بمعدل 12 % في مستوى معيشتهم. والسبب في ذلك هو الانتفاضة وآثارها. والصلة السلبية الوثيقة بين الانتفاضة وبين الاقتصاد متفق عليها اليوم بين الجميع، بمن فيهم رئيس الوزراء شارون. وإذا ما استمرت المواجهة مع جيراننا بموجات تعلو وتنخفض ، فإننا محكومون بمواصلة الهبوط في مستوى المعيشة وفي الإنتاج المحلي. والاموال الخاصة اليهودية و"الاسرائيلية"، لن تستثمر هنا. أنظروا ماذا يحصل للاستثمارات الخاصة في فروع الاقتصاد "الاسرائيلي" في العامين الأخيرين. إنها تنخفض وتنخفض".
يقارن دكتور ميشيل ستربتسنكي، نائب مدير قسم البحث في بنك "إسرائيل" مستقبل الاقتصاد الصهيوني مع التسوية السياسية بمستقبله بدون التسوية ،حيث تبدو الفروق عميقة فمعدل النمو ابتداء من العام 2004 وحتى العام 2010 بدون تسوية سياسية يمكنه أن يكون في أقصى الأحوال نحو 3 في المائة، نحو نصف في المائة للفرد الواحد. وعمليا، جمود، أما مع "أفق سياسي"، فالاقتصاد قادر على النمو بنحو 5 في المائة في العام، نحو 2.5 في المائة للفرد الواحد. ازدهار.
ويقول " ستربتسنكي " منذ تشرين الأول 2000 وحتى تشرين الأول 2003 ستصل الخسارة المتراكمة للمداخيل الوطنية "لاسرائيل" جراء الانتفاضة إلى" 100 مليار شيكل". ينبغي العودة مرة أخرى إلى هذا المبلغ. لولا الانتفاضة، لكنا ننتج في هذه السنوات الثلاث نحو 1.500 مليار شيكل. أما عمليا، فقد أنتجنا " 1.400 مليار شيكل".
والفارق: مائة مليار شيكل. وبالدولارات، كلفتنا الانتفاضة خسارة وفقدان 23 مليار دولار. مبلغ هائل يفوق بكثير المساعدة الأمريكية، والتقليصات في الميزانية وشد الحزام. عائلة «إسرائيلية» متوسطة خسرت، بسبب الانتفاضة، على مدى ثلاث سنوات، نحو 14.500 دولار".
ويعتبر كل ذلك لا شيء مقابل الثمن المستقبلي إذا ما استمرت الانتفاضة، فان خسارة المداخيل الوطنية المتراكمة للكيان الصهيوني حتى نهاية العقد ستكون 65 مليار دولار أخرى.
هذا ويحذر أرباب الصناعة الصهيونية من أن تغلق أبوابها أكثر من 60 ألف مصلحة تجارية صغيرة ومتوسطة في العام 2003 مقابل 54 ألف في العام الماضي ، في وقت يبدو أن الركود الاقتصادي يتواصل بقوة وفق ما قالته مأمورة ضريبة الدخل، "تالي يارون" - الدار لمعاريف - 3/6/2003 فقد " انخفضت مداخيل قسم ضريبة الدخل بالأرقام الحقيقية بمعدل 12 في المائة في أيار وبمعدل 13 في المائة في كانون الثاني - أيار. فالركود والتقليص في النشاط التجاري زادا بمعدل26 ".
من الواضح أن الانتفاضة الفلسطينية أكدت أن لها ثمنا باهظا في حياة الصهاينة على جميع الصعد ولا يمكن لمعادلة الأمن التي يحاول الكيان الصهيوني تسويقها تجاه حكومة أبو مازن أن تنجح في إعادة الاستقرار والأمن والنمو لأمنهم واقتصادهم دون إنهاء الاحتلال.
*********
تعليق
هل كان يجب ايقاف الانتفاضة حتى تظهر هذه الازمات في عمق الكيان الصهيوني؟
اعتقد ان الجميع كان يعرف اثر الانتفاضة على الاقتصاد و الهجرة و الهجرة المعاكسة و الحالة المعنوية في الكيان الصهيوني, و لكن دائما يتم اكتشاف ذلك متأخرا!
و كنت قد تساءلت سابقا لمصلحة من التدخل الامريكي و العربي و للاسف الفلسطيني من اجل ايقاف الانتفاضة؟؟
و استطيع ان اجزم الان انه كان من اجل منح الفرصة للعصابة الصهيونية كي ترمم امكانياتها و تعيد تنظيم الصفوف من اجل المعركة الجديدة, و لكن بعض العرب, و للاسف الشديد, لا يقرأون التاريخ.
فقد تم اعلان هدنة سابقا في عام 1948 وبتدخل اجنبي و تم استغلالها صهيونيا من اجل تلقي السلاح من الاجنبي الذي فرض الهدنة و اعادة رص الصفوف و ارتكاب المجازر في دير ياسين و الطنطورة و غيرها من المدن و القرى الفلسطينية . و كان نتيجة هذه الهدنة النكبة الفلسطينية, هذا الجرح الدامي في التاريخ و الحاضر العربي.
السؤال :-- هو ما هي النتيجة التي ستؤول اليها الهدنة الجديدة؟؟
اما آن الاوان للعرب ان يتعلموا من التاريخ؟؟؟