[align=center] محبة كاذبة و دعوى مفضوحة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل :
( قد استقرت حكمته سبحانه أن السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسر المشقة والتعب ولا يدخل إليها إلا من باب المكاره والصبر وتحمل المشاق ولذلك حف الجنة بالمكاره والنار بالشهوات ولذلك أخرج صفيه آدم من الجنة وقد خلقها له واقتضت حكمته أن لا يدخلها دخول استقرار إلا بعد التعب والنصب فما أخرجه منها إلا ليدخله إليها أتم دخول فلله كم بين الدخول الأول والدخول الثاني من التفاوت وكم بين دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في جواد المطعم بن عدي ودخوله إليها يوم الفتح وكم بين راحة المؤمنين ولذتهم في الجنة بعد مقاساة ما قبلها وبين لذتهم لو خلقوا فيها وكم بين فرحة من عافاه بعد ابتلائه وأغناه بعد فقره وهداه بعد ضلاله وجمع قلبه بعد شتاته وفرحة من لم يذق تلك المرارات وقد سبقت الحكمة الإلهية أن المكاره أسباب اللذات والخيرات كما قال تعالى: {كتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .
وربما كان مكروه النفوس إلى ... محبوبها سببا ما مثله سبب ) اهـ
و قال رحمه الله في المدارج :
( فَإِنَّ بِقُوَّةِ الصَّبْرِ عَلَى الْمَكَارِهِ فِي مُرَادِ الْمَحْبُوبِ يُعْلَمُ صِحَّةُ مَحَبَّتِهِ.
وَمِنْ هَاهُنَا كَانَتْ مَحَبَّةُ أَكْثَرِ النَّاسِ كَاذِبَةً. لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمُ ادَّعَوْا مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى. فَحِينَ امْتَحَنَهُمْ بِالْمَكَارِهِ انْخَلَعُوا عَنْ حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ. وَلَمْ يَثْبُتْ مَعَهُ إِلَّا الصَّابِرُونَ. فَلَوْلَا تَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ، وَتَجَشُّمُ الْمَكَّارِهِ بِالصَّبْرِ لَمَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ مَحَبَّتِهِمْ. وَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ أَعْظَمَهُمْ مَحَبَّةً أَشَدُّهُمْ صَبْرًا.
وَلِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّبْرِ خَاصَّةَ أَوْلِيَائِهِ وَأَحْبَابِهِ. فَقَالَ عَنْ حَبِيبِهِ أَيُّوبَ {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44] . اهـ
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والأقدام قتال
لو تأملنا بعضا من الأعمال التي جاء بها الشرع و ماذا تغرس فينا نحن المسلمين فنجد
الجهاد شاق على النفوس و لكنه ذروة سنام الاسلام
الصيام أيضا و لكن أجره على الكريم و هو الذي يجزي به
اسباغ الوضوء في البرد أو الحر أيضا شاق في هذه المكاره و لكنه مما يمحو الله به الذنوب و يرفع به الدرجات
طلب العلم شاق على النفوس و لكن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم و يستغفر له من في السموات و الأرض حتى النملة في جحرها و الحوت في بحره
قيام الليل شاق على النفوس و لكنه فضله كبير
إخراج المال و التصدق به شاق على النفوس و لكن أجرها عظيم و كبير
فما نيل المطالب بالتمني ,, و لكن تؤخذ الدنيا غلاب
و ما استعصى على قوم منال ,, إذا الاقدام كان لهم ركاب
[/align]