بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
دوام الطاعة في اعتدالها
الاعتدال والوسطية صفتان دعا إليهما الاسلام في جميع الامور المباحة وفي التعامل مع الناس وكذلك في المستحبات من العبادات التي تقربنا إلى الله تعالى، فمن بدأ وأراد الاستمرار فيه وضع امام عينيه قاعدة: (قليل دائم خير من كثير منقطع) فما دام واستمر وان كان قليلا خير مما زاد وانقطع، فالانسان يشبع حاجاته دون افراط او تفريط، فلا يقسو على نفسه ويحرم عليها الطيبات فيقع في الافراط، وبالمقابل لا ينساق وراء شهوات نفسه ويعتبر الحياة الدنيا هي الغاية، فيقع في التفريط، بل يعدل في طريقه دون كبت وافراط، ودون اسراف وتفريط، كما في قوله تعالى في سورة الاعراف /31: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين). فقد نهت شريعتنا عن الاسراف في المباحاث كالأكل والشرب والانفاق بسائر انواعه كاللباس والزينة.
ويستحب الاعتدال في التعامل مع الناس فلا تجعل طيبتك تفوق الحد فتفقد هيبتك ولا تكن شديداً في تعاملك فتصل إلى الشدة المنفرة كالمعلم او المربي الذي يتساهل مع طلبته او اولاده فلا يجد احتراماً او يزيد في شدته ويكثر ويبالغ من عقوبته حتى يكرهه طلبته بل ويعتاد عليها الطالب والوالد فلا يبقى لها تأثير، ولا نسرف في المستحبات من الطاعة لان الاسراف والمبالغة سبب للملل وزوال الشعور بالمتعة اثناء ادائها، وخير شاهد على ذلك موقف عبدالله بن عمرو بن العاص مع رسولنا الكريم عندما قال له صلى الله عليه وسلم: (ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فان لجسدك عليك حقاً، وان لعينك عليك حقاً، وان لزوجتك عليك حقاً وان لزورك - ضيفك - عليك حقاً) متفق عليه.
ففي تواصل صلاة الليل من اوله وإلى اخره بلا نوم ولا راحة ضرر بالنفس وتفويت حقوق للجسد والاهل فمن سهر الليل كله فقد راحة الجسد، وصعب عليه اعطاء زوجه وولده حقهما وكذلك ضيفه، بخلاف من نظم وقته وقام بعض الليل لا كله وقسم ايامه، كمن صام من كل شهر ثلاثة ايام او من صام يوماً وافطر يوماً فانه بهذا الاعتدال يجد الراحة الجسدية والنفسية والقدرة على الاستمرار في العبادة مع الشعور بالمتعة لا ان يجبر نفسه بلا رغبة منها بالدوام على العبادة، ويكون قد ادى ما عليه من حقوق لجسده فيسهل عليه تقديم الحقوق للآخرين.
وكما ورد عن عبدالله بن عمرو انه قد شعر بالندم عندما شد على نفسه ولم يقبل الرخصة وتمنى لو انه قد قبلها، عندما قال له رسول الله صلى عليه وسلم: (وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشرة أمثالها، فإذن ذلك صيام الدهر كله، فشددت فشدد علي، قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، قال: فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: نصف دهر، فكان عبدالله يقول بعدما كبر: ياليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم) فعندما كبر في السن عجز عن المحافظة على ما ألزم به نفسه وشق عليه الاستمرار على ما اعتاد عليه من العبادة، فحزن على تركه لتلك الطاعات وتمنى لو انه قد اختار الاخف حتى يدوم عليه ولا يتركه، فالوسطية تجعل العمل خفيفاً على النفس فتطيقه وتحبه وتستمر في ادائه وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) متفق عليه، فأعمال الخير الدائمة التي لا تنقطع أحب الله تعالى من الكثيرة المؤقتة