للرحِيل حكاياته الخاصة
بعضها مكتظة ألماً وقهراً
وأخرى مورقة فرحاً وأملاً
يفرغ من زقـاق ليتلقفه آخـر
يمشي وعينـاه تلتهمان البيوت
يعانق بنظراته وعبراته المكان...
يـدور ويــدور ويغـادر ويعـود
ليجد نفسه في زقـاق
وكأن لا فضاء غير الزقاق
لا يدري كم مرً عليه من الوقت
فالشمس كادت أن تودع السماء
حين لامس سمعه
صوتاً:
جلجل....
لقب لم يسمعه منذ ..........
أتعرفت عليه العصابة!!!
التفت ناحية الصوت
ليجدها تطل عليه من شرفة أحد المنازل
ها..جلجل...هل أحضرت لي الحلوى
بالطبع يا فلـة
اصعد
ولكـن
اصعد...سوف اطلب منهم فتح الباب
جلس قربها وعيناه بنهم تستطلعان المكان
أين حلواي
ها هي وهل ظننت أنني سوف أنسى
بالطبع لن تنسى...
هل توقعت عودتي
في النهاية تعود الطيور لأعشاشها
خمسون سنة يا زاهرة
بل اثنان وخمسون يا عبد الجليل
أتدري ... لقد هاجرت بعدك بسنوات وأعادني الحنين
وجدت مرمر سبقتني ...
كيف هي؟؟ ..لقد انقطعت عني أخبارها منذ زمن
توفيت منذ أيام رحمها الله
أخبرتني أن فرفور سوف يأتي
فاروق... ياااااااااااااه
أعدت لي سنوات صباي يا فلة...ألقاب لم أسمعها من....
لقد رحلت باكرا يا جلجل وتبعك أفراد عصابتنا ..
ابتسم عبد الجليل مسترجعاً أيام مضت
كان في الثانية عشر من عمره حين حصل الخلاف مع زوجته أبيه
فترك لها الجمل بما حمل
ورحل
آآآآآآآآآه سامحها الله....
تنهيدة حارقة خرجت من فؤاد مكلوم .
استأذن عبد الجليل في الذهاب فودعته زاهرة قائـلة :
أخشى ألا أكون هنا حين تعود بقية الطيور
حان دورك كي تنتظر....
في عصر يوم حـار وقبل أن تفارق الشمس كبد السماء
وبينما هو جالس على شرفة المنزل
إذ به يلمح رجـلا يتأمل بيوت الزقاق
التفت الرجل ناحية صوت ناداه..
فرفور.... اصعد
وبينما فاروق في طريقه للصعود
ابتسم عبد الجليل قائلا:
صدقت يا فلـة
لا بد للطيور أن تعود لأعشاشها.....
انتابتها دهشة قوية حين فتحت الباب فوجدته أمامها
متسائلاًَ:
لِمَ لمْ أجدك بانتظاري
ترحل بإرادتك
وتعود برغبتك
وتتوقع مني أن أفرش الورد في دروبك
مذهولاً عاد أدراجه وسؤال يسابق سؤال
ولا إجابة تلوح في البال...
بهدوء أغلقت البـاب
وكأن رؤياه لا تعني شيئا لها
لحظات جمعت بينهمـا
أعادت لهمـا كل ما كان
مهما اقتـربا لا يلتقيـان
ومهما ابتعـدا لا يفترقـان
وكأنهما تعاهـدا
أن تبقـى شعـرة معاوية بينهما
حـاجز أمـان