وأقصد فيها ...
سهرة مع الدجاج ..!!
عند ما كنت أسكن في جنوب جدة وبالتحديد في الإسكان الجنوبي …
وفي أحد بيوته المحمية … كنت أعيش وأسرتي حياة جميلة هانئة .. إلا من الوحدة التي فرضها البعد عن الناس في تلك الشقق ..
وخصوصاً أن عملي قريب جداً مني (لا يحتاج سيارة ) … فقد يمر الأسبوع والسيارة قابعة في المواقف …
ولا أحب الخروج كثيراً … من المنزل ..
وكنت أحب إشغال نفسي ... بفك وربط الأجهزة الأكترونية ..
وكنت أبحث عن الفائدة .. في كل شيء ..
وحتى ابنتي الوحيدة في ذلك الوقت ( لينة ) *يحفظها الله .. هي الدنيا وما فيها … وكنت لا أبخل عليها بالفائدة بين الحين والآخر .. فنعلمها ... أنا ووالدتها الحنونة احترام الناس و حب الطيور والحيوانات الأليفة .. والأسماك .. والورود والأشجار وقد بلغت لينة تقريباً الثالثة ..من العمر ..
****
وفي عصر أحد الأيام ذهبت لأشتري بعض حاجيات المنزل .. من سوق تجاري خارج المجموعة .. وصادف أن هناك فكرة تخامرني .. دائماً ولم تحن الفرصة المناسبة لتحقيقها ..
والذي يجبرني على تحقيقها .. الفراغ الذي كنت أجده في تلك العمائر النائية تقريباً عن المدينة .. إضافة إلى أنني قد وفرت لابنتي .. الحيوانات والطيور الأليفة .. التي استطعت توفيرها .. وتناسب الشقة التي نقطنها .. والباقيات مؤجلات !!
فدخلت محل دجاج ..
وكان فيه بعض الزبائن الذين ينتقون الدجاج الجيد ..
فخضت المعركة معهم كالعادة وانتقيت أجمل أربع دجاجات وسلمتها ( الجويزر ) المختص ..
وبعد فترة انتظار بسيطة (حسب الدور ).. حسمت فيها الموقف الذي يراودني ..
فإذا بي أطلب منه أن يتوقف … وأن يضع الدجاجات …في كرتون … وهن في كامل صحتهن وعافيتهن .. وحملتها ووضعتها في المقعد الخلفي .. وإلى المنزل .. وإلى المفاجأة الغريبة لزوجتي وابنتي والتي كنت متحمساً لها .. وخصوصاً أننا بحاجة إلى الدجاج ... فقد كان في أول القائمة التي كتبَتْها زوجتي الصبورة ..
والشيء الآخر .. كنت أود من ابنتي أن تتعرف على الدجاج على الطبيعة .. وتعبث معها ..
****
فحملت صندوقي وبه تلك الدجاجات ..
ودخلت بها المنزل وسط دهشة ابنتي وامرأتي ...
وبعد الانتهاء من مراسم الترحيب والفرجة ... أوصيت زوجتي أن تجهز الماء الحار .. وعدة الذبح والسلخ .. وبعد أن صرّفنا الطفلة طبعاً .. حملنا الدجاج إلى المطبخ ... وسط اعتراضات زوجتي .. ولكن في النهاية تجد نفسها قد تعودت على مغامراتي .. الحولية ..
وكم كان المطبخ مرتباً ونظيفاً .. ولكني كنت واثقاً من نفسي ومن نظافة شغلي .. ومن توفر العدة .. وأكياس الزبالة اللازمة .. والكرتون الذي تتوفر به الضحايا الأربع بجواري .. على الطاولة ..
وكنت قد لبست الملابس اللازمة لتلك المعركة ..
وما أن تناولت أول دجاجة .. حتى بدا ذلك المطبخ في الحركة والعواصف .. والأصوات .. والحشرجة ... والاستغاثات .. من الدجاجات الأخريات ..
فتحول ذلك المطبخ بقدرة قادر .. إلى كومة ريش ودم ولخبطة .. وفي دقائق .. وإذا بزوجتي تفتح الباب لتنقذ الدجاجتين الأخيرتين من بين يدي ..
وكان ذلك كله بين المغرب والعشاء ..
وبعد صلاة العشاء بدأت في التفكير عن حل لتلك المشكلة .. القابعة في الكرتون ..
وبعد أن ساد الهدوء في المجموعة التي نسكنها .. استعداداً لعادة الأيام المدرسية ..
حملت كرتوني فوق رأسي ونزلت به مسرعاً من المصعد .. وخرجت متظاهراً بأنه لا يوجد لدي أي مشكلة ..
فذهبت سريعاً إلى محل الدجاج القريب من العمارة .. ولكن سيعترضني شارع عام .. وفي حالتي تلك ينبغي التغاضي عن أي شيء وعن أي نظرات من الجيران أو من طلابي الذين أدرسهم في المدرسة المتوسطة التي في نفس المجموعة التي بها محل الدجاج ..
والمفاجأة السيئة التي لم أكن أتوقعها .. أن العامل في المحل المقصود ينظّف الأرضية بالماء باستخدام.. ..( المسّاحة ) ..
وبعد محاولات واستعطافات وإغراءات يرفض وبشدة ..
متعللاً أن الدجاج غير معروف مصدرة .. وأن ذلك ممنوع ..
فحملت كرتوني .. ولا أعلم أين أذهب به .. فوضعته في السيارة .. وركبت .. و بدأت في التفكير فيما يخلصني من تلك الدجاجات وبأيسر السبل .. لا سيما وأن الإسكان ليس بالقريب من الخدمات العامة .. الرئيسية ..
فإذا بحارس العمارة الأفريقي الملتزم والخلوق .. يخرج من وكره .. ويحمل معه ما يسخِّن به عشاءه ..
فتوجهت إليه مرحباً ومحتفياً به ..
وبعد السؤال عنه وعن أحواله وأحوال العمارة .. أخبرته بالمشكلة التي لدي .. وتعللت بأشياء سريعة لا يجني منها فائدة .. إلا أن يحمل الكرتون وأوصيته أن يقوم باللازم .. بعد أن يفرغ من العشاء ..
وذهبت .. وتركته .. ولكنّي لم أكن واثقاً من جديته في إتمام العملية .. فعدت إليه .. وعرضت عليه .. أن يسلخ الدجاجتين ويأخذ واحدة كهدية .. متعللاً بأنه يستاهل .. وأن الدجاج متوفر لدينا في الثلاجة .. وذهبت إلى المنزل .. ولعبت مع لينة وقصصت على والدتها قصة الكرتون .. العجيب ..
وقبل النوم استعداداً للدوام .. قلت ياولد .. اذهب وانظر ماذا فعل الله بالدجاج .. خصوصاً أنه لم يطرق الباب لمناولتنا .. الدجاجة الموعودة ..
ونزلت إلى الجهة التي يقطن فيها الحارس من مخرج الطوارىء .. خلف العمارة .. وقبل أن أطرق الباب سمعت أصوات الدجاجتين .. يزعج المكان .. في الكرتون المفتوح .. للتهوية والمحكم الحصار .. فطرقت عليه الباب بعد أن فكرت في الهروب من المسؤلية .. ولكن ردّني شبح ذلك الكرتون الذي وهو يصلني عن طريق الحارس في الدور الرابع ..
فرد عليّ .. متأسفاً ومعتذراً بلغته الأفريقية ..
واستنتجت .. أنه غير مستعد نهائياً لتلك المهمة .. متعللاً بأن العادات والطقوس في بلده التي يسكنها القلة من المسلمين .. تحرّم ذلك ..
ولكن أين أذهب بتلك الدجاجتين .. ولم أجد حلاً .. ولن أتركها في قارعة الطريق .. وأنا الذي أعلم ابنتي الرفق بالحيوان ...
ولن أستطيع العودة بها إلى المنزل حفظاً لماء الوجه ..
ولم أجد .. إلا أن أدفع له خمسة ريالات .. متوسلاً إليه .. بأن يبحث عن حل .. ويريحني منها .. فأنا متنازل عنها .. وعدت .. هارباً ..قبل أن يرد عليّ ..
وفي الصباح .. لم أجد أثراً للكرتون .. مما أسعدني .. جداً .. ولكنني أخذت درساً لن أنساه ..
ولم أكن اعلم أن فكرة امتلاك أرض .. أو استراحة أضع فيها ما أريد من الدجاج والحمام والغنم ..
ستبقى معي .. سنين طويلة ..
ـــــــــــــــــــــــــــ
[glow=CC0033]أبو سلمان[/glow]
[move=down]*ولله الحمد .. أصبحت لينة الآن في الصف الثالث الإبتدائي ( تحفيظ القرآن الكريم ) [/move]