الجاهلية الحديثة . . شارع الستين مثالا !!
لو استقليت سيارتك، وأخذت بك جولة في شوارع الخفجي الكئيبة، والتي عادة تكون المتنفس الخانق، وحينما تدور بك عجلات سيارتك وتتجه بك إلى شارع الستين، ستعود بك الذاكرة حتما إلى الوراء 170 عاما، حينما كانت تغير القبائل على بعضها، وحينما كان دم الإنسان أرخص من التراب، وأرخص من أي شيء كان، وحينما كان يعد أكثر شخص بطشا وقتلا في أفراد القبائل الأخرى بطلا وفارسا ورمزا!!
هذه المرة، سأكتب دون وضع الديباجات التي أعتدت عليها، لأن الوضع العام مقرف بإمتياز، ولأن شارع الستين أفرز فضلات التاريخ، ولأنه أيضا كشف عن نفاق الجغرافيا المؤلم.
كنت مستوعب إننا مجتمع رجعي، لكن لم أتخيل إطلاقا بإنه بهذه السوداوية.
يا إلهي وأنت جاهي !!
حقا مصدوم مما يدور هناك!!
لم أستوعب بعد ما يجري في هذا الشارع الذي تمنيت بأنه لم يعبد بعد، طالما بأنه سيكشف زيف السنين، إذ إن هذا الشارع جسد حقيقة واقعنا المر، الواقع القبلي المقيد بأغلال التاريخ، وإلا بماذا نختلف عن العصر الجاهلي المليئ بالأحقاد والعنصرية؟؟، حتما هو نفس الحال تماما الذي نعيشه الآن في الانتخابات البلدية، إذ إن رائحة القبلية تفوح في زوايا المحافظة، والأحقاد تملئ الوجوه المبتسمة، طالما إن الله كان بالسر عليما !!!
وحرب القبائل التي أسمع دقة طبولها بوضوح حاليا في الانتخابات البلدية لم تعد سرا على بعض، أو حتى مستتره مثل أحقاد المرشحين فيما بينهم، أو كما هي بعض ضمائر اللغة العربية، بل هي حرب علنية مكشوفة أعادت بنا إلى عصور طافحة بالحجارة.
أدرك تماما إن حروفي تملؤها الأحباط والخذلان والتعاسة، لكن هي على مستوى الصدمة، وعلى مستوى ما يجري في الاتجاه المعاكس، وعلى مستوى نحر التجربة الديمقراطية.
سأذكر لكم قصة حدثت قبل شهر من الآن، أي تقريبا في شهر رمضان الماضي، أوقفت وكالة ناسا الأمريكية مكوك الفضاء " إتلانتس" وأحالته إلى التقاعد، لأنه لا يمكن أن يوصل أبعد من القمر، وأمريكا تنوي الوصول إلى كوكب المريخ والحصول على الطاقة من هذا الكوكب !!
لكم أن تتخيلوا ذلك !!
هل ستلوموني على حجم الاحباط الكبير ؟؟
ماذا عساكم أن تقولون ؟؟
هل شعرتم بالحرج من واقعكم المخجل؟؟
ماذا يعني لي إن ظفر أحد أفراد القبيلة التي أنتسب إليها بمقعد رث في المجلس البلدي؟؟
حتما لا شيء سوى إرسال إشارات بأن أفراد القبيلة في الخفجي لا يحتضرون، بل هم أحياء في حواريها يرزقون.
كنت أتأمل بهذه التجربة الديمقراطية أن تنقلنا كشعوب خطوة واحدة إلى الأمام، وكنت أتطلع بأن تدفعنا نحو مستقبل واعد ومبهج، لكنها قفزت بنا إلى الوراء قفزات طويلة، قبل أن تتلوث بفعل القبليين المتشنجين، حتى كادت أن تقتلنا من الوريد إلى الوريد، حتى أصبحت مشوهه مثل المجلس الذي ولد من خارج الرحم !!
أقسم لكم بأني تعبت من كتابة هذا المقال لأن الاحباط بحجم الهياط الذي يشهده شارع الستين.
عذرا، لا اريد مواصلة الكتابة رغم إن لدي الكثير لم أكتبه.