فصاحة المفردة

[سيرين بركات]

[align=center]

ظلل

[fot1]فصاحة المفردة[/fot1]


[align=right]نايف رشد[/align]

اختلف البلاغيون حول أثر الكلمة في بلاغة التعبير إلا أن نظرتهم على اختلاف توجهاتهم كانت مرتبطة بأصوات الالفاظ ومدلولات الكلمة والقيم الجمالية والتعبيرية في حالة الافراد او التركيب، فإن كانت غير متنافرة الاصوات امتعت الاسماع واعانت على تذوق المعنى بما تملك من قدرات تعبيرية ان كان جرسها يتفق مع ما توحي به من دلالة، وكانت أصواتها سهلة المخرج، سلسلة اللفظ، مطابقة لما تدل عليه.

واهتم ابن سنان الخفاجي بالأثر الصوتي والدلالي الذي تحدثه الكلمة، وأراد ان يحصر فصاحة اللفظة في تعريف واضح فأشار الى انه يمكن فهم ذلك على انه

(نعت للألفاظ اذا وجدت على عدة شروط ومتى تكاملت تلك الشروط فلا مزيد على فصاحة تلك الالفاظ وبحسب الموجود منها، تأخذ القسط من الوصف، وبوجود اضدادها تستحق الاطراح والذم، وتلك الشروط قسمان: فالأول منها يوجد في اللفظة الواحدة على انفرادها من غير ان ينضم اليها شيء من الالفاظ وتؤلف معه، والقسم الثاني يوجد في الالفاظ المنظومة بعضها مع بعض.

ويتجه عبدالقاهر الجرجاني الى المفهوم الثاني مع رفضه فكرة فصاحة اللفظة خارج السياق تلك التي نادى بها ابن سنان، لكن الجرجاني يرى ان مرد الفصاحة يرجع الى النظم او ما نسميه الاسلوب فالكلمة المفردة عنده من حيث هي لفظة لا وزن لها ولا قيمة في فصاحة او بيان او بلاغة.

ويحدد ابن سنان الخفاجي لجمال الكلمة شروطاً اذا تحققت حسنت اللفظة وحببت للنفس، وهي كما يأتي:

1- ان يكون تأليف تلك اللفظة من حروف متباعدة المخارج فالأصوات تجري من السمع مجرى الالوان من البصر ولا شك في ان الالوان المتباينة اذا جمعت كان المنظر احسن من الألوان المتقاربة.

2- ان تجد لتأليف اللفظة في السمع حسناً ومزية على غيرها وان تساويا في التأليف من الحروف المتباعدة كما انك تجد لبعض النغم والالوان حسناً يتصور في النفس ويدرك بالبصر من دون غيره مما هو من جنسه.

3- ان تكون الكلمة - كما قال الجاحظ غير متوعرة وحشية.

4- ان تكون الكلمة جارية على العرف العربي الصحيح غير شاذة.

5- الا تكون الكلمة قد عبر بها عن أمر آخر يكره ذكره فإذا أوردت وهي غير مقصودة بها ذلك المعنى قبحت، وان كملت فيها الصفات الموضحة.

6- ان تكون الكلمة معتدلة غير كثيرة الحروف: فإنها متى زادت على الأمثلة المعتادة المعروفة قبحت وخرجت عن وجوه الفصاحة.

7- ان تكون الكلمة غير ساقطة عامية مبتذلة.

8- ان تكون الكلمة مصغرة في موضع عبر بها فيه عن شيء لطيف أو خفي او قليل، او ما يجري مجرى ذلك. وقد عني البلاغيون العرب بقضية اللفظ والمعنى عناية واضحة حيث فتحوا باباً أسموه (ائتلاف اللفظ مع المعنى).

وحددوا فيه مقاييس الجمال ومعايير اللفظة المؤثرة واسباب قصورها وعيوبها وسوف ندرس فيما يلي دور اللفظة في مراثي أبي تمام من خلال السياق.

واذا كانت الآداب والفنون جميعاً تتجه الى احداث المتعة وتحقيق اللذة فإن القصيدة وحدها تتميز بأن "أداتها هي اللغة، وتختلف عن الاعمال الادبية الأخرى في ان اللذة التي تحققها تتأتى من الكل كما انها تتأتى من كل جزء".

ولقد أصاب الخطيب حين جعل الفصاحة في اول الحديث قبل البلاغة، وأخطأ السكاكي الذي ظن ان الفصاحة تأتي في مرتبة أخيرة من البلاغة فجعلها في آخر مباحث البلاغة.



[/align]