لقد وضع الشارع الشريعة في الأصل على مقتضى قدرة الإنسان ووسعه، وجعل للمشقات العارضة رخصًا تخففها رحمة بعباده وتيسيرًا عليهم ، كما نهى أن يغلو الإنسان فيشدد على نفسه فقال النبي ـ ص ـ : (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم ، فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها ، ما كتبناها عليهم ).
والتشديد على النفس هو كل عمل أدى إلى مشقة وعنت بالإنسان " والتشديد تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب ولا مستحب بمنزلة الواجب أو المستحب في العبادات، وتارة باتخاذ ما ليس بحرام ولا مكروه بمنزلة المحرم المكروه في الطيبات " . ولما كان للأمر علاقة قوية بالمشقة ، فليعلم أن المشقة نوعان هما:
1 - المشقة المعتادة :
وهذه لا يخلو منها عمل ديني ولا دنيوي، والمطلوبات الشرعية كلها فيها كلفة، وهذا النوع من المشقة ليس مانعًا من التكليف ؛لأن أحوال الإنسان كلها كلفة في هذه الدار.
2 - المشقة غير المعتادة :
وهذه المشقة لو أردنا ضبطها في ضوء النصوص الشرعية ، ننظر إلى العمل وما يؤدي إليه ؛ فإن أدى الاستمرار عليه إلى انقطاع عنه أو عن بعضه أو أدى إلى وقوع خلل في صاحبه، فهو مشقة غير معتادة ، وهذا تفصيل لهذين القسمين: الأول: الانقطاع عن العمل: ويتحقق الانقطاع عن العمل بأحد أمرين:
أ- السآمة والملل ثم العجز:
وقد عبرت عنه النصوص أحيانًا بتبغيض العبادة أو الملل أو العجز ونحو ذلك
ب- الانقطاع بسبب تزاحم الحقوق.
الثاني: وقوع الخلل:
فالعمل متى ما كان مؤديًا إلى خلل في العامل ـ نفسي أو بدني ـ بأن يعذب الإنسان نفسه أو يمنعها عن لوازم الحياة تدينًا وتعبدًا فإنه من المشقة على النفس.