على شارعين
الشيخ مسحور والفاسد معذور !
خلف الحربي
خاموش حركوش تزرع طماطم يطلع فتوش.. قاضي المدينة المنورة المتهم بقضايا فساد يقول إنه مسحور! ويؤكد أنه حول العقارات والأراضي والمخططات بأسماء أشخاص ينتمون إلى عصابة فائقة التنظيم لأنه كان تحت تأثير سحر أسود قام به وسيط هارب من العدالة للسيطرة عليه وتمرير المعاملات دون أن يشعر، وبحسب «عكاظ» فإن فضيلة القاضي اعترف في تحقيقات المباحث الإدارية بأنه يتلقى العلاج بالرقية الشرعية لإزالة تأثير هذا السحر الذي جعل منه وسيلة مرنة للاستحواذ على العديد من الأراضي المنهوبة ومصادرة حقوق الناس، ما شجع بعض المكاتب الهندسية في المدينة المنورة على المضي بعيدا في عمليات السلب والنهب لأنها تدرك أن الشيخ ــ بسم الله عليه ــــ مسحور!
لقد فكرت في الذهاب إلى المدينة المنورة للبحث عن المكان الذي دفن فيه هذا السحر كي أنبشه وأكتشف خصائصه فلا شك أنه عمل محكم وإلا لما استطاع أن ينفذ إلى عقل هذا القاضي الجليل الذي يحكم بشرع الله! ولكنني تراجعت عن هذه الفكرة لأنني تذكرت بيانا لمصدر مسؤول في مجلس القضاء الأعلى ينفي توجيه اتهامات لأي قاض في المدينة المنورة وهو بيان كان يلوم ضمنيا وسائل الإعلام ــ وتحديدا «عكاظ» ــ على افتعال هذه القضية التي ليس لها أساس من الصحة!، فبعد أن ثبت اتهام القاضي ومجموعة من الأطراف الأخرى بقضايا فساد يشيب لهولها الولدان بعكس ما جاء في بيان مجلس القضاء الأعلى وجدت أنني سوف أكون مضطرا لنبش كل الأعمال السحرية المدفونة طوال المسافة التي تفصل بين المدينة المنورة والرياض!
وبصراحة ليس ثمة شيء أصعب على النفس من الحديث عن وجود فساد في مؤسسة القضاء، لأن مثل هذا الحديث يسبب الاكتئاب المزمن لصاحبه قبل أن تنتقل العدوى إلى القراء، ولا شك أن القضاة في كل مكان في العالم هم بشر فيهم الصالح والطالح، ولا أظن أن اكتشاف قاض فاسد يعد مفاجأة مذهلة بقدر ما يعتبر خبرا مؤلما، ولكن المفاجأة المذهلة هو أن يصدر بيان من المجلس الأعلى للقضاء ينفي فيه حدوث هذا الأمر جملة وتفصيلا بدلا من أن يبادر المجلس لمحاكمة هذا القاضي الذي أساء لهذه المهنة السامية وألحق ضررا بالغا بسمعة القضاة، بل إن ضرره يمتد ليشوه صورة المجلس الأعلى للقضاء، فلماذا يحاول المجلس إخفاء قضيته عن العيون مثلما أخفى الساحر عمله السحري في جوف بئر أو وسط خرابة بعيدة عن العمران؟
فبخلاف قضايا نهب الأراضي والاستيلاء على بيوت الإسكان المخصصة لبعض المواطنين عبر بيعها بأسعار زهيدة وتحويل ملكيتها إلى أشخاص آخرين دون أن يعرف هؤلاء المواطنون المساكين شيئا عن المنازل التي خصصت لهم وتم بيعها تحت تأثير السحر الأسود، أكد المحامي سعود الحجيلي بأنه تقدم بدعوى قضائية نيابة عن 600 مواطن تعرضوا لأضرار صحية كبيرة بسبب مصنع في أحد الأحياء وطالب بتعويضات لهم ولكن القاضي (المسحور) رفض هذه الدعوى بسرعة البرق، وننصح المحامي المخلص بأن يأخذ موكيله إلى نفس الراقي الشرعي الذي يتعالج عنده فضيلة الشيخ فقد يكون ذلك سبيلا لشفائهم من الأمراض التي تسبب بها التلوث!
عموما بعد قرائتي لخبر الشيخ المسحور وعودتي لبيان مجلس القضاء الأعلى شعرت بصداع عنيف فوجدتني أردد البيت الشعبي القديم: (ياراس راسي ليت ماني بمسحور .. ليت العجايز ما عطني دواهن)!