القناة
كان للتقرير الذى صدر عن مجلس الشيوخ الأميركى والذى يتهم المملكة العربية السعودية بمساعدة منفذى اعتداءات 11 سبتمبر وقع الصدمة ليس على المملكة السعودية فقط بل على العالم أجمع وأصاب العديدين بالانزعاج والدهشة. ويقع التقرير فى 900 صفحة، 28 منها تتحدث عن هذا الاتهام ولم يسمح البيت الأبيض بنشر تفاصيل الاتهام الذى لا يقل غموضًا عن أحداث 11 سبتمبر نفسها ربما لعدم تدعيمه بالأدلة وفرضه على العالم بطريقة استفزازية حيث إن الولايات المتحدة لا تسمح بمجرد التشكيك فى مصداقية ادعاءاتها وكأن ما تراه هو بالضرورة مسلمات غير مسموح بالاعتراض عليها أو أنه قدر لا يمكن الإفلات منه.
والواقع يوحى بغير ذلك تمامًا. فالمملكة العربية السعودية لا يمكن أن تساند الإرهاب والإرهابيين بأية حال. ولم تقاوم دولة الإرهاب والإرهابيين مثلما فعلت السعودية. وقد عانت السعودية من تداعيات الإرهاب وفقدت الكثير من أبنائها فى سبيل القضاء عليه. كما أنها ليست مسؤولة عن انتشاره بهذه الصورة الوبائية بل إن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية كاملة بفضل المعايير المزدوجة والتصرفات غير المسؤولة تجاه العالم واستخدام القوة الغاشمة مع من يختلف معها.
وذلك لأن الدوائر المتصهينة في الولايات المتحدة ترى العالم من منظور إسرائيلى خالص وبعين صهيونية بحتة ولا تسمع إلا لما تقوله إسرائيل ولا تنصت إلا عندما تتحدث ولا ترى إلا ما تراه . ومن يتعامل مع العالم بمنظور إسرائيلى لابد أن يختلف مع العالم ولابد أن يخسر الجميع ويفقد الأصدقاء. ان الولايات المتحدة تواصل ارتكاب الأخطاء وسوء تقدير المواقف ، مثلما جانبها الصواب فى توجهها نحو العراق عندما اصرت على خوض حرب غريبة وعبثية لم يقتنع أحد بمبرراتها ولم تعطى الولايات المتحدة لنفسها الفرصة لتسمع ما يقوله الأخرون بل تبنت رؤية لجنة الخطط الخاصة التى أنشأها المحافظون فى الإدارة والتى دفعت نحو الحرب مع العراق والتقرير الحالى الخاص بالسعودية يثبت أن هذه اللجنة ما زالت فاعلة وأنها تتبنى وجهة نظرالدوائر المتصهينة .
وربما هذا ما دعا الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة فى أميركا إلى وصف الجزء الخاص بالسعودية من التقرير بأنه مسح بالحبر الأسود مضيفا أن البعض يريد الإساءة إلى السعودية وللشعب السعودى ، والأمير بندر بحكم قربه من الأحداث يعرف تماما أن اللوبى الصهيونى يقف وراء التقرير مستغلا أحداث سبتمبر المؤسفة والتى أحدثت زلزالا ماديا ونفسيا فى نفوس الأميركيين لبذر بذور الشك والريبة فى النفوس ضد المسلمين عامة والعرب خاصة . وقد وقع الاختيار على السعودية لما لها من ثقل فى العالمين العربى والإسلامى حيث الأماكن المقدسة ولأنها خطت خطوات واسعة فى سبيل التقدم الحضارى والتكنولوجى لما تتمتع به من ثروات طائلة واستقرار سياسى واجتماعى بفضل مسؤوليها الذين يقيمون علاقات طيبة مع دول العالم ومنهم أميركا نفسها ولمواقفها المشرفة والعادلة من القضية الفلسطينية .
وقد ساهم الموقف السعودي الرافض للحرب الاميركية علي العراق في اثارة حفيظة الاميركيين بدرجة كبيرة . ذلك ان الاراضي السعودية تتمتع بموقع غاية في الاهمية بالنسبة لمسرح الاحداث وقد رفضت المملكة استخدام اراضيها في شن الحرب علي العراق كما انها تحفظت علي شرعية هذه الحرب من الاساس . والواقع يشير إلى حدوث شرخ نافذ فى العلاقة بين الولايات المتحدة ومعظم دول العالم حتى مع حلفائها التقليديين فى أوروبا .
وهذا ما حذر منه اللورد روبرتسون السكرتير العام لحلف الناتو فى 11/5/2003 من أن استمرار العداء للولايات المتحدة يهدد بخلق حالة من الانفصال بينها وبين بقية العالم . وجاء هذا التصريح تعليقا على الخلاف المتنامى بين أوروبا واميركا وهذا ما أكده أيضا وزير الخارجية جاك سترو خلال حديثه مع البى بى سى فى نفس التاريخ السابق ، حيث أبدى مخاوفه من تصاعد العداء للولايات المتحدة حتى داخل بريطانيا نفسها . ولم يذكر روبرتسون وسترو أن الولايات المتحدة نفسها تتحمل المسؤولية عن تنامى هذا العداء بفضل إصرارها على كونية الثقافة الأميركية والرغبة فى فرضها على العالم بالجبروت والقوة . والتنوع الثقافى والحضارى سمة من سمات شعوب العالم قبل قيام الولايات المتحدة بآلاف السنين . ولا يمكن اعتبار الثقافة الأميركية نموذجا ونمطا يمكن تعميمه على شعوب العالم ، ذلك أن الثقافة الأميركية لا تخلو من العيوب والثغرات التى قدمت لنا التلميذ الذى يحمل السلاح ويقتل زملاءه وأساتذته فى ظاهرة تصيب الجميع بالدهشة والحيرة وتستعصى على التفسير. ولسنا في حاجة هنا الي التذكير بحوادث العنف البشعة التي عصفت بالمدارس الاميركية مؤخرا والتي لم يجد الاميركيون انفسهم تفسيرا لها ، ولا مجال للمقارنة هنا بين المجتمع الاميركي والمجتمع السعودي الذي لم يشهد ابدا تلك الحوادث من قريب اوبعيد ، حيث انه مجتمع يؤمن بالسلام وتحكمه الشريعة الاسلامية الغراء وهي شريعة السلام والعدل ويتمتع في ظلها بالاستقرار وليس فى حاجة إلى نظام تعليمى أميركى يضع الغريزة فى مقدمة الفضائل ويزكى الفردية والأنانية .
لماذا لا تترك الولايات المتحدة لكل دول اختيار نظمها التعليمية التى تناسب مع قيمها وحضارتها وثقافتها ؟ ولماذا تلفق الاتهامات والتقارير التى لا تستند إلى شىء يعتد به ؟ إن الولايات المتحدة تمر بمرحلة عصيبة وغريبة تتميز بفقد الاتزان وعدم وضوح الرؤية وإذا استمرت على هذا النهج لن تجد لها صديقا يتعاطف ويتعاون معها وستخسر الكثير وسيفقد الاقتصاد الأميركى قوته وبريقه . الجميع يأمل ان تفيق الولايات المتحدة قبل فوات الأوان والا يفاجأ العالم بمزيدا من التقارير الخبيثة في ظل سيطرة زمرة الشياطين على الادارة الاميركية