بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن قراءة القرآن إما أن تكون في صلاة أو خارجها ولا شك أن هناك فرقا بين الحالين ، وتفاوتا في الفضل بينهما إجمالا .
وقد دلت بعض النصوص على فضل قراءة القرآن في صلاة وهو ما يسمى بـ : القيام بالقرآن أو التهجد به ، ومن ذلك قول الله تعالى : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء] ، وقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً } [1-7 سورة المزمل] وقول الله تعالى : { ليسوا سواءا من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون }
وسئل النبي صلى الله عليه وسم عن أفضل الصلاة فقال : طول القيام ، أو القنوت وهذا في بعض ألفاظ الحديث،وقال : "لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ، عن أبي هريرة _ قال : قال رسول الله ‘: أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلاث خلفات عظام سمان ؟؟ قلنا : نعم . قال : فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاة خير له من ثلاث خلفات عظام سمان "
ودلت نصوص على أن العبد إذا دخل في الصلاة فإنه يزداد قربا من الله تعالى وأنه سبحانه يقبل عليه بوجهه من ذلك :
عن أنس _ أن النبي ‘ : قال : أيها الناس إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنه مناج ربه ، وربه فيما بينه وبين القبلة
فيؤخذ مما سبق ذكره من النصوص تفضيل قراءة القرآن في الصلاة على قراءته خارجها وأنه أعظم أجرا وأعظم أثرا .
ولو لم يكن في القراءة داخل الصلاة إلا الانقطاع عن الشواغل والملهيات لكفى ، فإن المصلي إذا دخل في الصلاة حرم عليه الكلام والالتفات والحركة من غير حاجة ، فهذا أعون على التدبر والتفكر وأجمع للقلب ، وأيضا فإن من حوله لا يقاطعه ولا يشغله ما دام في صلاته .
إما بالنسبة إلى أفضل أوقات للتذكر فأنه وقت السحر ؛ فالذاكرة تكون في أعلى مستوى بسبب الهدوء والصفاء وبسبب بركة الوقت حيث النزول الإلهي وفتح أبواب السماء .
فأي أمر تريد تثبيته في الذاكرة بحيث تتذكره خلال النهار فقم بمراجعته في هذا الوقت .
وقد استفاد من هذا أهل الدنيا من أهل السياسة والاقتصاد وخاصة الغرب حيث ذكر عدد منهم أنه يقوم بمراجعة لوائحه أو حساباته أو معاملاته وأوراقه في مثل هذا الوقت وأنه يوفق للصواب في قراراته . فأهل القرآن أهل الآخرة أولى باغتنام هذه الفرصة لتثبيت إيمانهم وعلمهم .
ومما يدل على كون القراءة في ليل أحد مفاتح التدبر قول الله عز وجل : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء]، وقول الله عز وجل :{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [(6) سورة المزمل] ويقول ابن حجر – عن مدارسة جبريل لرسول الله ‘في كل ليلة من رمضان : " المقصود من التلاوة الحضور والفهم ، لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية " ، قال النووي : " ينبغي للمرء أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في الليل أكثر وفي صلاة الليل أكثر والأحاديث والآثار في هذا كثيرة وإنما رجحت صلاة اليل وقراءته لكونها أجمع للقلب وأبعد عن الشاغلات والملهيات والتصرف في الحاجات وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات مع ماجاء به الشرع من إيجاد الخيرات في الليل فإن الإسراء بالرسول كان ليلا " ، عن عمر بن الخطاب _ قال : قال رسول الله ‘من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل ." وفي هذا دلالة واضحة على أن الأصل في القيام بالحزب من القرآن هو الليل وفي حالة العذر فإنه يعطى الثواب نفسه إذا قضاه في النهار .، قال أبو داود الجفري : دخلت على كرز بن وبرة الحارثي الكوفي في بيته فإذا هو يبكي فقلت : ما يبكيك ؟ قال : إن بابي مغلق وإن ستري لمسبل ومنعت حزبي أن أقرأه البارحة ، وما هو إلا ذنب أحدثته " فهذا يدل على أن لقراءته في الليل مزية مهمة وفضل عظيم يتحسر عليه من يعرف قيمته، إن القراءة للقلب مثل السقي للنبات ، فالسقي لا يكون في حر الشمس فإن هذا يضعف أثره خاصة مع قلة الماء فإنه يتبخر ، وكذلك قراءة القرآن إذا كانت قليلة وكانت في النهار وقت الضجيج والمشغلات فإن ما يرد على القلب من المعاني يتبخر ولا يؤثر فيه وهذا يجيب على تساؤل البعض إذ يقول إني أكثر قراءة القرآن لكن لا أتأثر به فلما سألته متى تقرأ القرآن ؟ تبين أن كل قراءته في النهار وفي وقت الضجيج و بشيء من المكابدة لحصول التركيز فكيف سيتأثر ؟