حافز
«التعصب» إرهاب الملاعب!!
إبراهيم بكري
عشية الديربي الآسيوي بين الاتحاد والأهلي كان كل عشاق الرياضة في السعودية يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من أي أحداث بين جماهير الفريقين تشوه جمال هذا اللقاء التاريخي.
حتى جدة نفسها في تلك اللحظة كان استنفار المسؤولين فيها صوب ملعب الأمير عبدالله الفيصل ملموساً على مختلف الأصعدة, واللافت أن الاستنفار صوب الحدث الآسيوي سيطر على كامل المشهد هناك، بالرغم من تساقط الأمطار أثناء المباراة, وكأن هذه المرة لغة «كرة القدم» أكثر تأثيراً من «لغة السيول» التي تُفجع بها جدة مع سقوط كل قطرة مطر!!
هذا «الخوف والقلق» ولد طبيعياً في ظل تعاطي الكتاب والنقاد المحسوبين على الفريقين مع هذا الحدث الكروي بلغة «التعصب الرياضي»، التي كانت صريحة هذه المرة بكل تفاصيلها ما بين أعمدة الكتاب بالصحف وتغريداتهم في تويتر ومداخلاتهم في البرامج الرياضية!!
الوسط الرياضي المتابع لهذا المشهد عن قرب يسأل ويتساءل إلى متى هذا «التعصب الرياضي» ينخر في جسد رياضتنا السعودية حتى أصبحنا ونحن نتأمل «خرابيش» بعض الكتاب الرياضيين قبل « ديربي جدة « نشعر بأن الفريقين ليسا من «وطن واحد» بل إن الاتحاد من «كوكب المريخ» والأهلي من «كوكب الزهرة»!! صمت مواطن القرار والسلطة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو وزارة الثقافة والإعلام عن مثل هذه «الأقلام المتعصبة» يطرح استفهامات عديدة حول دور الرقابة وسلطتها في تصحيح مسار كل «كاتب» أو «ناقد» جعل من مهنته درباً يضلل من خلاله «عشاق ناديه»؛ ليقودهم صوب محطة «التعصب الرياضي»، وفي تلك «المحطة» ليس للعقل لغة، وليس للحكمة مكان, فهل ننتظر أن يسقط ضحايا في ملاعبنا حتى يتحرك صاحب القرار؟ فكرة الثلج كلما تدحرجت كبرت، ومع عامل الزمن «التعصب الرياضي» يقوى عظمه.. فهل من حراك يا صاحب القرار؟!! أشرقت حكمة وعقلانية الجماهير في ديربي جدة فلم يحدث ما كان الشارع الرياضي يخشاه، لكن هذا لا يعني أن جسد الرياضة السعودية تعافى من هذا المرض!!
ومما يجعل بوادر الأمل تحلق في سماء رياضتنا السعودية أنه ما زال في الوسط الرياضي «رجال حكمة» يتربعون على كرسي رئاسة الأندية ولنا في الأمير فهد بن خالد رئيس النادي الأهلي والمهندس محمد الفايز رئيس نادي الاتحاد خير شاهد من خلال مبادرة القناة السعودية الرياضية التي جمعت الرئيسين في أرض الملعب نفسها قبل انطلاقة المباراة بـ 24 ساعة، وكان حديثهما غنياً بالروح الرياضية وثقافة المسؤول الواعي لروح المنافسة الشريفة. مثل هذه اللقاءات تساهم - دون شك - في تخفيف الاحتقان ونبذ التعصب الرياضي بين جماهير الناديين.
الأصل في الرياضة أنها تهذيب للنفس البشرية، وليس قيادتها إلى مواطن المعاناة, فكم كانت رياضتنا «أرضاً جاذبة» للكثيرين للعمل فيها، لكن نراها اليوم «أرضاً طاردة» وغير مغرية للتناغم معها, وما يؤكد ذلك هو الدكتور حافظ المدلج رئيس لجنة التسويق في الاتحاد الآسيوي الوجه المشرق في رياضتنا السعودية فكراً وعطاءً، وهو يؤكد في كثير من تصريحاته الإعلامية أن «الكثير من الكوادر الوطنية المؤهلة ترفض العمل في المجال الرياضي بسبب اللغة الإعلامية السائدة في هذا المجال!!».
«هو حالة تطرف في الآراء لصالح نادٍ رياضي أو أندية ضد ناد آخر من الدولة أو المنطقة نفسها, وعادة ما يكون ذلك مصحوباً بالإساءة والاستهزاء والسخرية والاتهامات والتجريح غير المبرر, وبشكل يقضي على جمالية اللعبة الرياضية والتنافس الشريف».. هذا هو التعريف العلمي لمصطلح التعصب الرياضي.
بكل تأكيد أن «إرهاب الملاعب» التعصب الرياضي مشكلة أزلية في تاريخ الرياضة، ومنها الأحداث المؤسفة التي حدثت في عام 1964م في التصفيات المؤهلة لأولمبياد طوكيو بقارة أمريكا الجنوبية؛ فبسبب هذا التعصب الرياضي قتل 300 مشجع في مباراة منتخبي الأرجنتين والبيرو. وأبعد من ذلك لك أن تتخيل ما حدث في تصفيات كأس العالم عام 1970م بسبب مباراة كرة قدم بين منتخبَيْ السلفادور والهندوراس، قتل 3000 شخص في حرب اندلعت بين الدولتين، استمرت لمدة أربعة أيام، كان «التعصب الرياضي» هو رأس الفتنة والشرارة الأولى التي أشعلت فتيل الحرب، والتي تسمى «حرب كرة القدم». ولن تكفي هذه المساحة من السطور لسرد كل الأحداث المؤسفة التي شوهت جمالية كرة القدم، ولعل آخر هذه الحوادث ما حصل مؤخراً في استاد بورسعيد بجمهورية مصر (74 قتيلاً و248 مصاباً)!! والمؤلم عندما تتأمل ملاعبنا اليوم وتشاهد عدداً من الجماهير يتساقطون مغشياً عليهم, بحالات إغماء, وارتفاع لضغط الدم وانخفاضه, ونوبات قلبية, وجلطات دماغية, ووفيات, ومرض السكر, وحالة قلق وتوتر.. كل هذا من أجل «كرة» تُركل «بالأرجل» جعلنا حياتنا الغالية رهينة لها!!
وإنه لمن الظلم أن أجعل مسؤولية ملف «التعصب الرياضي» على وسائل الإعلام فقط, بل هناك جهات أخرى لها الأثر والتأثير بطريقة مباشرة وغير مباشرة كرؤساء الأندية وأعضاء الشرف والإداريين من خلال تصريحاتهم التي تنقصها المسؤولية والحكمة، إلى جانب ذلك الأخطاء التحكيمية والمنتديات الرياضية التابعة للأندية، التي لا تخضع للرقابة، ويكتب فيها كل ألوان التعصب الرياضي, حتى الجمهور نفسه شريك في هذا الملف من خلال روابط المشجعين التي تصدر صيحات ضد فريق ما أو لاعب منافس بلغة غير مقبولة.
وختاماً، الدكتور حمدي صبح أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر يقول: إن التعصب الكروي يُعتبر نوعاً من الغلو في تشجيع نادٍ أو فريقٍ, وهو غير جائز شرعاً؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس منا من دعا إلى عصبية».
خارج النص
وسط كل هذه الملايين من أيدي حجاج بيت الله التي تعانق السماء طلباً للعفو والمغفرة أرى يدها «أمي» تناجي ربها بصفاء نفسها وروحها الطيبة. اللهم تقبل حجها، واغفر لها.
دعواتكم.. وكل عام وأنتم بخير.