تفسير قول الله تعالى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124)قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا (125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (126) . سورة طه
1. تفسير القرطبي
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124)
{ ومن أعرض عن ذكري } أي ديني وتلاوة كتابي والعمل بما فيه وقيل : عما أنزلت من الدلائل ويحتمل أن يحمل الذكر على الرسول لأنه كان منه الذكر { فإن له معيشة ضنكا } أي عيشا ضيقا يقال : منزل ضنك وعيش ضنك يستوي فيه الواحد والاثنان والمذكر والمؤنث والجمع قال عنترة :
( إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا ... أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل )
وقال أيضا :
( إن المنية لو تمثل مثلت ... مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل )
وقرىء ضنكى على وزن فعلى : ومعنى ذلك أن الله عز وجل جعل مع الدين التسليم والقناعة والتوكل عليه وعلى قسمته فصاحبه ينفق مما رزقه الله - عز وجل - بسماح وسهولة ويعيش عيشا رافغا كما قال الله تعالى : { فلنحيينه حياة طيبة } [ النمل : 97 ] والمعرض عن الدين مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا مسلط عليه الشج الذي يقبض يده عن الإنفاق فعيشه ضنك وحاله مظلمة كما قال بعضهم : لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه وكان في عيشة ضنك وقال عكرمة : { ضنكا } كسبا حراما الحسن : طعام الضريع والزقوم وقول رابع وهو الصحيح
أنه عذاب القبر قاله أبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود ورواه أبو هريرة مرفوعا :
عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه في كتاب التذكرة قاله أبو هريرة : يضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه وهو المعيشة الضنك { ونحشره يوم القيامة أعمى } قيل : أعمى في حال وبصيرا في حال وقد تقدم في آخر ( سبحان ) وقيل : أعمى عن الحجة قاله مجاهد وقيل : أعمى عن جهات الخير لا يهتدي لشيء منها وقيل : عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه
قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا (125)
{ قال رب لم حشرتني أعمى } أي بأي ذنب عاقبتني بالعمى { وقد كنت بصيرا } أي في الدنيا وكأنه يظن أنه لا ذنب له وقال ابن عباس و مجاهد : أي { لم حشرتني أعمى } عن حجتي { وقد كنت بصيرا } أي عالما بحجتي القشيري : وهو بعيد إذ ما كان للكافر حجة في الدنيا . قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى
قال كذلك أتتك آياتنا } أي قال الله تعالى له : { كذلك أتتك آياتنا } أي دلالتنا على وحدانيتنا وقدرتنا { فنسيتها } أي تركتها ولم تنظر فيها وأعرضت عنها { وكذلك اليوم تنسى } أي تترك في العذاب يريد جهنم .
منقول بتصرف