بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ. وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ
شُهُودٌ. وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}
تبدأ الإشارة إلى الحادث بإعلان النقمة على أصحاب الأخدود : ( قتل أصحاب الأخدود ) ..
وهي كلمة تدل على الغضب .. كما تدل على شناعة الذنب الذي يثير غضب الحليم ،
ونقمته ، ووعيده بالقتل لفاعليه ثم يجيء تفسير الأخدود : ( النار ذات الوقود ) والأخدود :
الشق في الأرض . وكان أصحابه قد شقوه وأوقدوا فيه النار حتى ملأوه نارا.
( إذ هم عليها قعود . وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) .. وهو تعبير يصور موقفهم
ومشهدهم ، وهم يوقدون النار ، ويلقون بالمؤمنين والمؤمنات فيها وهم قعود على النار ،
قريبون من عملية التعذيب البشعة ، يشاهدون التعذيب وفعل النار في الأجسام في لذة وسعار .
وما كان للمؤمنين من ذنب عندهم ولا ثأر : ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد .
الذي له ملك السماوات والأرض . والله على كل شيء شهيد ) .. فهذه جريمتهم أنهم آمنوا بالله ،
العزيز : القادر على ما يريد ، الحميد : المستحق للحمد في كل حال .. وهو وحده الذي له ملك
السماوات والأرض وهو يشهد كل شيء .. ثم هو الشهيد على ما كان من أمر المؤمنين
وأصحاب الأخدود .. وهذه لمسة تطمئن قلوب المؤمنين ، وتهدد العتاة المتجبرين . فالله كان
شهيدا . وكفى بالله شهيدا . وتنتهي رواية الحادث في هذه الآيات القصار ، التي تملأ القلب
بشحنة من الكراهية لبشاعة الفعلة وفاعليها .. كذلك تنتهي رواية الحادث وقد ملأت القلب
بالروعة . روعة الإيمان المستعلي على الفتنة ، والعقيدة المنتصرة على الحياة .. فقد كان في
مكنة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم . ولكن كم كانوا يخسرون هم
أنفسهم في الدنيا قبل الآخرة ؟ وكم كانت البشرية كلها تخسر ؟ كم كانوا يخسرون وهم
يقتلون هذا المعنى الكبير : معنى زهادة الحياة بلا عقيدة ، وبشاعتها بلا حرية ، وانحطاطها
حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد ! إنه معنى كريم جدا ومعنى
كبير جدا هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض . ربحوه وهم يجدون مس النار فتحترق
أجسادهم ، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار ؟ وبعد ذلك لهم عند ربهم حساب ،
الطاغين حساب.