--------------------------------------------------------------------------------
أحيت البوسنة والهرسك خلال شهر ديسمبر الماضي 2007م، ثماني مناسبات إسلامية، تمثّل منارات حضارية كبرى في تاريخ البلاد، هي على التوالي: 560 عامًا على بناء أول جامع في البوسنة أوساتي كولوني، و550 عامًا على بناء جامع عيسى بيكوفا، و530 عامًا على بناء دار العلم “إلياس بيكوفا” في سراييفو، و470 عامًا على بناء مدرسة الغازي خسرو بك الثانوية التي خرّجت أجيالاً من العلماء والمفكرين والسياسيين والشعراء والأدباء، وهي أول مدرسة ثانوية في أوروبا و450 عامًا على بناء مدرسة كارجوز بيكوفا في موستار ?(120كيلومترًا شرق البوسنة)، و120عامًا على بناء دار القضاء الشرعي (مكتب نواب) في سراييفو، و75 عامًا على إصدار مجلة “غلاسنيك” التابعة للمشيخة الإسلامية، و30 عامًا على تأسيس كلية الدراسات الإسلامية بسراييفو.
وتهدف المشيخة الإسلامية من خلال إحياء مجموعة من المحطات المهمة في تاريخ البلقان إلى التأكيد على “عراقة الإسلام في هذه الديار ، واحترام التقاليد والتراث الإسلامي الذي أثّر ولا يزال في المكونات الأساسية لثقافة المنطقة ونسيجها الثقافي والسياسي والاجتماعي والديموغرافي”.
كما تهدف من خلال المناشط التي تقوم بها إلى “توعية الأجيال الجديدة بالإضافات التي قدّمها المسلمون للحضارة الإنسانية، وهي إضافات جوهرية ساهمت بشكل فعّال عبر الأندلس في تغيير وجه أوروبا، وبناء العقلانية فيها”.. كما أشارت وثيقة أصدرتها المشيخة الإسلامية بهذه المناسبة إلى “الأبعاد الروحية والثقافية التي أسهمت في تكوين الهوية في أوروبا، وليس البلقان فحسب”.
إن مسلمي اليوم عمومًا، والعرب على وجه الخصوص، يلمون إلمامًا محدودًا بالتاريخ الإسلامي في الأندلس، حيث حكم الإسلام 8 قرون، لكنهم يلمون بشكل أقل بالتاريخ العثماني في أوروبا لأكثر من ستة قرون، خاصة في منطقة البلقان عمومًا، والبوسنة والهرسك بأغلبيتها الإسلامية على وجه الخصوص، وربما يعرفون الأقل عن المسلمين في جمهوريات القوقاز، والمسلمون في المنطقتين: البلقان والقوقاز من أصول محلية وليسوا مهاجرين، كما هي الحال في أوروبا الغربية.
يقول الدكتور مصطفى تسيريتش كبير علماء البوسنة: إن مهمة المسلمين الأولى في الغرب في (المحافظة على الهوية الإسلامية في أوروبا وحمايتها)، وذكّر تسيريتش بالحقيقة الغائبة أو المغيّبة في الغرب، وهي أن الإسلام، وبقية الديانات الإبراهيمية جاءت من الشرق على فترات متباينة، لذلك (لا يحق لأي كان الاستئثار بأحقية الانتماء الجغرافي)، وتطرق رئيس العلماء في البوسنة إلى تاريخ دخول الإسلام في أوروبا، حيث دخلها من جهتين، هما شبه جزيرة ايبيريا في القرن الثامن الميلادي، وشبه جزيرة البلقان في القرن الرابع عشر الميلادي، وقد عاش المسلمون 8 قرون في الأندلس، وأقاموا حضارة فريدة عُرفت بالتعايش والتسامح.
لقد أسست كل من إسبانيا وتركيا التحالف الدولي للحضارات، وحضر محفله التأسيسي الأول في مدريد رؤساء حكومات، ووزراء، ومؤسسات دولية، وشخصيات عالمية دينية، وسياسية، وإعلامية باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة التي عيّنت ولأول مرة مفوضًا ساميًّا لتحالف الحضارات، لإرساء قيم التسامح والتعددية، والعيش المشترك بين الديانات والثقافات، ومواجهة موجات الكراهية والعصبية والتطرّف، خاصة بالنسبة لحركات العداء للإسلام ، وجعل كل ذلك جزءاً لا يتجزأ من السياسات الحكومية لكل دول العالم، والأمل كبير أن تتغلب قوى الخير، وتفتح للإنسانية آفاقًا أرحب من العيش المشترك في مقبل الأيام.