يمر بنا هبوب الذكريـــــات بأنواعه بين حين وآخر
وما يحمله بين طياته من إيقاع
سواء بيننا جميعاً من جهة أو بيننا وبين أنفسنا من جهة آخرى
هبوب ذكرى تراودنــــي من زمن
وفي كل مرة أصرفها عن وجهي بوضع تحويلة لها إلى عالم النسيان
تبتعد قليلاً عني ثم تبحث لها عن ( فوق تحت ) وفي أقرب فرصة
لذا قررت هذه المرة أن أكتب عنها
يومـ مـا ومن سنين مضت كنت وكيلاً لمدرسة متوسطة في أحد المدن العسكرية
ومع بداية سنة دراسية جديدة
ولي أمر طالب يقرع الباب ويستأذن بالدخول
يقترب مني بوجه بشوش وابتسامة عريضة لا تملك أمامها
إلا أن تحكم عليه ً بأريحية حياتية
أصافحه وأطالبه بالجلـــوس
راض أنا بقدرنا ولكن مساعدتك يا أستاذ هي المطلب
اهتز من رأسي إلى أخمص قدمي ، أتمالك نفسي ، وأظهر الشجاعة لأريحه
أنا لـي ولد بسجله عندكم في المدرسة
وابني يعاني من اعتلال في القلب
ومماته قريب حسب ما ذكر لي الاطباء
إلا لضيق حيلتي أمام إلحاحه وعجزي عن كفكفة دموعه لحظات منعه
وهو يحتاج بين فينة وآخرى لــ أوكسجيــن
مشاعري تتلخبط هذه اللحظات، ارتباك يداهمني استجمع قواي وأقول له : أبشر
يستأذن قائلاً : بجيب الولد
أقول له : بلغ المدير قبل إحضاره ، يقول بلغته وهو من أرسلني إليك ، والولد معي
جالس على الكراسي الخارجية
تقع نظراتــــي عليــــه .. طفل وسيمـ ابيض ذو شعر أسود
أتسمر أمامه بتأثر ربما قرأ علاماته علي
يحاول الوقوف أمامي بــ تباطؤ
يأتي صوت والده من خلفي : لا يقبل المساعدة يا أستاذ
جسم نحيـــل أمامي كأن صاحبه ابن خامسة لم يجد ما يأكله
ذو ابتسامة كأن صاحبها لا يعرف من الدنيا إلا السعد
تركت له فرصة الكــــلام ، فوجدت فيه من العقل والأدب والشجاعة
ما بلسمـ جرح قد وغره قبل دقائق
ودعته ، منتظراً قدومه يوم غدٍ
تعميم عاجل لجميع المعلمين لمراعاة حالته
حضور مبكر له في اليوم التالي
فصل دراسي كامل تخلله بعض الغيــــــاب
تميز علمـي وخلقي يحصد عليه جائزتين ثمينتين
حالته الصحية سيئة جداً ، والده يحضره إلي بدموع يحاول إخفاءها
يجهد من يرقبه ... فكيف بأضلعه ؟!
أنا ما بي أنجح بس ... أنا أبي أتعلم وانجح
فديتك إبراهيم اسمعني واعتبره طلب
لـ ازدياد تعبــــه وحاجته الدائمة للكمام الأوكسجيني
إبراهيم محملني أمانة السلام عليك أستاذ نهار
أغلقت الهاتف بعد أن عزيته
أدمى القلب مماته قبل أن يدمع العين
وقد كان والده ممن يؤمنون بالقدر خيره وشره