"كرة القدم عند بعض الناس، وما أدراك ما كرة القدم؟ إنها الهوَس المتسلط على عقول الأجيال في العصر الحديث. من أجلها تقام المعارك، وتنشب الحروب، وتموت الضحايا. ولجلالها تُطلَّق الزوجات، وتُقطع أواصر القرابات، ويطعن الأخ بالسكين أخاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويوم أن تقام مباراة بين فريقين لامعين، فكأن الحرب الضروس قد أُعلنت، ورفعت لها الرايات، وانبرت لها الإذاعات، وهُيّئت لها الشاشات، وأعدّ المشجعون لها الأحجار والسكاكين، والطبول والمزامير، والأناشيد الجماعية والهتافات القويّة.
وما أن تنجلي المعركة الحامية عن هزيمة أحد الفريقين حتى ينتقل ميدان المعركة من ساحة الملعب، ليكون ميدانها في البيوت والمدارس، والدواوين ومكاتب الموظفين والمقاهي، وفي المجتمع الصغير والمجتمع الكبير، وتسفر المعركة أخيراً عن سقوط ضحايا من الجانبين. وما أن تهدأ حِدَّتها وتنجلي غمرتها حتى تبدأ معركة أخرى؛ مباراة ثانية. وهلمّ جرّا.
وإذا رفعتَ صوت المنطق لتناقش أحدَ هؤلاء المصابين بالهوس الكروي، قال لك بملء شدقيه: "إنني رياضي"!!.
هذه قصتنا مع كرة القدم، وهذا وجه اللعبة المزيَّف كما يراه شبابنا.
وأما الوجه الحقيقي لهذه اللعبة، فإننا إذا فهمنا مقاصد الإسلام ومنهجه في بناء المجتمعات نجد كرة القدم من الألعاب التي يزكيها الإسلام وتزكيها تعاليمه، فهي مدرسة تعلّم دروساً في التجميع لا في التشتيت، وفي الوحدة لا في التفرّق، وفي الودِّ لا في التباغض والعداوة. اللعبة التي تؤكِّد أن الأهداف لا يمكن أن تحقق إلا بالروح الجماعية، وأن الفرد بنفسه كثيرٌ بإخوانه.
وإني أسأل هذا الذي يرفعُ راية التعصب الأعمى، ولا يفهم من الرياضة إلا اسمها، أسأله هذا السؤال: هل يستطيع اللاعب الأناني أن يحقق هدفاً وحده مهما كانت كفاءته؟ كلا؛ لأن الكرة ستتعثر على قدمه، وسيستولي عليها الفريق الآخر. والفريق الذي يحقق الأهداف النظيفة هو الفريق الذي يلتزم بروح الجماعة. هل وعينا الدرس من مدرسة الكرة التي نتعصب لها؟! هل يعلم الحكام والمشجِّعون المسلمون أن روح التفرقة والأثرة والاستبداد بالرأي تقود في النهاية إلى الهزيمة المنكرة على مسرح البطولة في كل الميادين؟!
للأسف، نحنُ لم نع الدرس، قلبنا الغاية إلى وسيلة، والوسيلة إلى غايةٍ، وآمنا بالشكل وكفرنا بالمضمون، واعتنينا بالمظهر وألقينا الجوهر وراء ظهورنا.
ما معنى أن أعبد نادياً وأتعصب له؟ معنى ذلك أنني ضحل التفكير، ضيق الأفق، أناني الطبع، مستبدٌّ برأيي، لا أفهم شيئاً عن الروح الرياضية، ولا أجد من أنواع الرياضة إلا التصفيق الأرعن والهتاف المحموم.
إننا لا نحجر عليك في أن تشجع الرياضة، ولكن هناك فرقٌ كبيرٌ بين التشجيع والتعصب، ولغة الحجارة والطوب ولغة الروح الرياضية التي تعلِّمنا أن نبتسم عند الهزيمة، ونتواضع عند النصر، وتعلمنا أن الأيام دولٌ.
فيومٌ علينا ويوم لنا ويوم نُساء ويوم نُسرّ
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لنا المثل الأعلى في الروح الرياضية، فليتنا نعي الدروس والعبر.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت العضباء ناقةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم لا تُسبقُ، فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها، وكأن ذلك شقَّ على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المربي العظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهزُ الفرصة ليعلمهم الروح الرياضية، ويعطيهم درساً في أن الجلوس على القمة في الدنيا لا يدوم لأحد، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن حقاً على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه))(. هل عقلتم يا رياضيون؟
أسأل الله لي وللمتعصبين العفو والعافية والشفاء من كل داء".
... مقالة اعجبتني فحبيت انقلها لكم وخاصة في هذه الايام الحافلة بذلك ....