غربة الروح ؟!
الغربــة .. كلمة طعمها مر ، مرارة العلقم أو أشدّ
هل معنى الغربة أن تترك بلدك وتستقر في بلد غيره ؟!
لا... ليس هذا هو المعنى الحقيقي
فالغربة ليست غربة الوطن فحسب ...
غربة الوطن من السهل جدا أن تعود منها
لكن غربة الروح كيف تعود منها ؟
غربت المشاعر كيف تتخطاها ؟
أحيانآ ينظرالشخص في المرآه فيحس أنه يرى صورتة لأول مرة .. يشاهد ملامح غريبه عليه قد ترك الزمان عليها علاماته المميزه..
و لسان حاله يقول .. كم تغير شكلي !! كأني لست أنا....!
وآه وألف آه من غربة الروح..
لماذا يغتالنا الشعور بالغربة ونحن بين أهلنا وأحبائنا ، على أرضنا وفي أوطاننا ؟
لماذا يجتاح ذلك التصحر الرهيب أعماقنا ويغتال أجمل ما في دواخلنا ؟ والقلق الصامت الذي يدفعنا للبحث عن شيء لا ندري ما هو؟
لماذا تهفو النفس الى شيء لا تجده ؟
ويرنو البصر نحو أفق لا نهاية له ؟
الغربة ، هي بعض ذلك أو كله وزيادة عليه، هي جزء من تكويننا الروحي والنفسي ، تقطن في دواخلنا، تغيب وتظهر ، وتنمو وتضمر بقدر وعينا وحجم إدراكنا ، ومدى قدرتنا على التلائم مع الواقع حولنا ، أو انفصالنا عنه .
في نفس كل منا لها معناها الخاص , وفق وعيه ، إدراكه ومصداقيته مع نفسه ومع من حوله ، فكل منا يحمل بذور غربته في داخله ويعيشها بأسلوبه
الغربة ، أن نتحدث بلغة لا يفهمها أحب الخلق لنا ، ونتكلم بصوت لا يسمعه أقرب الناس منا .
الغربة ، أن نعيش يومنا دون حلم ننتظره ، أو أمل نترقبه ، بعدما تبخرت أحلامنا تحت وطأة الواقع كقطرات ندى لامستها أشعة شمس الصباح ، وتلاشت آمالنا كسراب لملمته شمس المغيب ورحل معها .
أن نبحث عن جرعة محبة صادقة لم يكدر صفوها مطامع مادية ، أو مصالح شخصية فلا نجد سوى الجفاف وقحط المشاعر فنطوي على الظمأ.
الغربة ، أن نبحث عن حضن دافئ يضمنا بحنان ونشعر عنده بالأمان في لحظات ضعفنا وانكسارنا فلا نلقى إلا لسعة الصقيع ، جمود القسوة .
فما أقسى أن تشعر أن روحك غريبة تائهة لا تجد لها مكان تستقر فيه..أتعبتها الأيام وأنهكتها السنون فليس لها عنوان تعرف به..
وليس لها مكان تطمئن اليه وتستقر فيه..
عائمة على الوجه أضعف موجة كفيلة بأن تحطمها وتقتل فيها الأحساس بالحياة ...
لكن ذلك كله يتلاشى حين تلامس جباهنا الأرض في لحظة سجود مخلصة لله رب العالمين .
ذلك كله يذوب مع كلمة ( يا رب ) تخرج صادقة من القلب تعانقها نظرات محلقة الى السماء .
فمع الله وحده نجد الأنس ونشعر بالأمن ونعيش الإطمئنان , لإننا نعثر على حقيقتنا المفتقدة .