الحجامة الرطبة [ المبزغة أو الدامية ]
وهي الحجامة التي يسبقها شرط للجلد وهي التي تشير إليها الأحاديث النبوية الداعية للحجامة والتي يؤكدها قول النبي r " وشرطة محجم ".
ولإجراء الحجامة الرطبة، ننظف الجلد المراد حجامته، وتعقم أدوات الحجامة من كؤوس ومشارط، ويستحسن استخدام مشرط جديد معقم لكل مريض. ثم يعقم الموضع المراد بالمطهرات اللازمة وربما نحتاج وضع قليل من الزيت أو الفازلين على حافة الكأس حتى يحكم التصاقه بالجلد .
يفرغ الكأس من الهواء بحرق قطعة من القطن داخله إذا كان من النوع التقليدي ثم يوضع على الجلد، أما إن كان من النوع الحديث الذي يستعمل المكبس، فيوضع الكأس أولاً على الجلد ثم يخلى من الهواء بسحب المدك .
بعد خمس دقائق بنزع الكأس بالضغط برفق على الجلد عند حافة الكأس ثم يجرى شرط أو تشطيب موضع الحجامة بالمشرط تشريطاً سطحياً خفيفاً، بحيث يتوجب كون التشريط على امتداد العروق أي طولياً من ناحية الرأس إلى القدم وليس عرضياً يتقاطع مع العروق .
توضع الكؤوس(المحاجم) مرة أخرى على المكان المشرط، وينسحب الجلد إلى داخل الكأس ويخرج الدم من خلال الجروح التي أحدثها المشرط . ينزع الكأس عند امتلائه بالدم ويفرغ، ويمكن أن تكرر العملية في نفس المكان حتى تخرج الكمية اللازمة من الدم .
ينظف الموضع عند الانتهاء بالمطهرات المعروفة ويغطى بلاصق طبي وتمسح جوانبه بمنشفة مبللة بماء دافئ .
ويرى الدكتور محمود النسيمي (1) استطبابات هامة للحجامة الرطبة منها :
1- الاحتقانات كاحتقانات الرئة والكبد ووذمة الرئة الحادة وهذه تتطلب السرعة لإسعاف المريض بالحجامة .
2-التهبات التامور والتهاب الكلية الحاد .
3-الآلام العصبية القطنية والوربية والألم الناخس. فالحجامة مسكنة للألم سواء منها الجافة أو الرطبة بحيث توضع المحاجم عند الإصابة بالآلام العصبية القطنية جانبي العمود الفقري وليس على العجز أما في الآلام الوربية فتوضع على الظهر .
4-لأخذ الدم من أجل إجراء الفحوص المخبرية حينما لا يتمكن المخبري من بزل الوريد لأخذ الدم خصوصاً عند الأطفال .
5-الحجامة يمكن أن تقوم مقام الفصد العام أيضاً عندما لا يتمكن الطبيب من بزل الوريد بإبرة غليظة. وقد يوصي الطبيب بالحجامة الدامية إذا ظهرت لدى المريض بعض الأعراض الخطرة من زلة وزرقة بسبب إصابة قلبية أو ارتفاع توتر شرياني شديد .
ويعترف الطب الغربي، وخصوصاً الفرنسي بفوائد الحجامة في الأمراض الجلدية وخاصة الذئبة السلية والذئبة الحمامية والأكالات الحادة والاكزيمة (1).
وفي مستشفى (1) Tianjin أجرىالبروفسورZang z دراسة على تأثير الحجامة المبزغة لمعالجة 45 مريضاً مصابين بالتهاب حاد في العصب مثلث التوائم مع مقارنتها بالطرق العلاجية المألوفة. لم يجد الباحث أي علاقة مميزة للحجامة في التأثيرات المسكنة المؤقتة عن العلاجات المعروفة، لكن وجد امتيازات واضحة في النتائج النهائية العلاجية للحجامة عن مجموعة الشاهد التي عولجت بالطرق الدوائية، وهذا يشير إلى أن الحجامة المبزغة طريقة علاجية فعالة للمصابين بهذه الآفة .
وتفيد الحجامة (2) لمعالجة المصابين بالتهاب الكبد – ث[Hepatitis-c ] ويعلل الدكتور أحمد عبد السميع رئيس قسم الكبد بمستشفى هيئة مصر للطيران استجابة هؤلاء المرضى للعلاج بالحجامة بقوله :" إن الحديد يوجد في جسم الإنسان على هيئات مختلفة، منها تلك الجزئيات الحرة وهي التي تسبب أكسدة الخلايا فتقلل من مقاومتها للفيروس ومناعتها ضده، وإن المرضى الذين ترتفع نسبة الحديد لديهم تكون استجابتهم للعلاج أقل من غيرهم. وقد أثبتت الأبحاث السريرية أن تخليص الجسم على فترات من كمية من الدم تساعد في رفع نسبة الاستجابة للعلاج والإسراع في شفاء هؤلاء المرضى، وليست الحجامة إلا شكلاً من استخراج الدم للتخلص منه. وإني أطلب من الذين يهاجمون الحجامة عمل دراسة طبية منهجية ضمن المعايير العلمية السليمة لإثبات كفاءة العلاج من عدمها .
ومن فنلندا كتب كل من Vaskilampi T, Hanninen O. (1) معتبرين الحجامة الرطبة شكلاً من الطب التقليدي الفلندي حيث عولج 15 مريضاً بهذه الطريقة العلاجية، ويحدث هؤلاء المرضى أن الحجامة كانت نافعة جداً من آلام الأسنان المستمرة والنوبية، ولعلاج آلام الرأس والرقبة والكتفين والظهر، كما أفادت في معالجة ارتفاع الضغط الدموي وعدد من الجلادات المزمنة، ويستحسن إجراؤها بعد مساج للمنطقة أو بعد حمام ساونا ساخن .
- ويقول د. أمير محمد صالح(2):" لقد درست الحجامة بعمق وعالجت بها عدداً كبيراً من الأمراض وكانت فائدتها ملحوظة عند المصابين بآفات في الكبد حيث تؤدي إلى تحسن وظائفه. كما حققت نتائج جيدة عند الأطفال المصابين بشلل نصفي، كما نجحت في علاج البدانة والأمراض المتعلقة بضعف المناعة في البدن وفي علاج حب الشباب المعقد /إهـ.
وينقل الدكتور أيمن الحسيني(1) عن عدد من الباحثين خلاصة دراستهم العميقة للارتكاسات الايجابية الجيدة التي تحصل نتيجة الحجامة. فقد قام فريق طبي بدراسة مخبرية لدم الحجامة، ومن الطريف أن أغلب الكريات الحمراء هرمة وشاذة [الشكل8] وكانت نسبة الكريات البيض محدودة نسبياً، وكأن الحجامة تحفظ بذلك خلايا الدم السويّة بينما تخلص البدن من الخلايا الشاذّة. وينقل عن الطبيب الفرنسي كانتيل توصله لحقيقة مفادها أن الأشخاص الذين أجريت لهم الحجامة تزيد عندهم قدرة الكريات البيض على إنتاج الإنترفون بمعدل عشرة أضعاف قدرتها بعد عمل الحجامة مقارنة لها بقدرتها على إنتاجه عند الأشخاص غير المحجومين. ومادة الأنترفيون هذه هي مادة بروتينة تصنعها الكريات البيض، لها مفعول قوي ضد الفيروسات التي يمكن أن تغزو الجسم، وبالتالي فإن زيادة الأنترفيرون تعني زيادة مناعة الجسم ضد العدوى والمرض .
كما يؤكد الدكتور كانتيل أن عدد الكريات البيض في الدم ترتفع بعد الحجامة ويفسر ذلك بحدوث تنشيط لنخاع العظم المنتج للكريات البيض بعد الحجامة وكأنه قد أفاق وتخلص من تعبه بعد تخليص الدم من الشوائب والأخلاط الغريبة.
وعن خلاصة لدراسة أمريكية يكتب د. الحسيني: أن التهاب الكبد الفيروسي في حالاته الشديدة يزيد من القابلية للإصابة بسرطان الكبد، وتضيف الدراسة أن حدوث هذا السرطان عند الرجال حوالي 74% بينما تنخفض عند النساء إلى حوالي 6%، واعتبرت الدراسة أن أهم أسباب هذا الفارق الكبير في نسبة الإصابة بسرطان الكبد بين الجنسين تميز النساء بالمحيض، معتبرين أن خروج دم الحيض ينقي الجسم ويريح الأعضاء وكأنه حجامة طبيعية ربانية!...
وأثبتت العديد من الدراسات أن مختلف أعضاء البدن تتمتع بحالة من الانتعاش والكفاءة العالية بعد عمل الحجامة، فالكبد تصبح أكثر قدرة على تمثيل الكولسترول والدهون الثلاثية وتخزين السكر الزائد في الدم، كما تتحسن وظيفته في إبطال عمل السموم Detoxification، كما ترتفع كفاءته على تجديد أنسجته الذاتية، ويصبح أكثر قدرة على مقاومة العدوى الفيروسية .أما العيون، فإن آفاتها الناتجة عن نقص التروية تتحسن بشكل جيد بعد الحجامة كما تحسن الحجامة من وظائف الكلية وتقي صاحبها من الفشل الكلوي.
الاستطبابات الحديثة
للحجامة
كتب Subhuti Dharmanda مدير معهد الطب التقليدي (1) في بورتلاند عن آلية تأثير الحجامة يقول:
تعود الحجامة لممارسات صينية قديمة وهي طريقة علاجية لها صلة بتقنيات تدليكية خاصة مثل الوخز والقرص السريع.ومن تلك الممارسات التي يسمونها بالتونيا:
" الجلد الذي يقرص أو يوخز في نقاط معينة حتى يحمر". فالحجامة تطبق في مناطق تطابق نقاط الوخز بالابر,أو مناطق من الجسم متأثرة بالألم. و حيث أن الألم بالحقيقة أعمق من النسج التي يمكن أن تجس, فقوارير الحجامة حين تتحرك على مناطق من سطح الجلد , فالمعالجة تذكرنا حينئذ بالغواشا Guasha أو ما يسمى في الأدب الطبي Sand scraping و هي علاج شعبي في جنوب شرق آسيا يجرى بتشطيب الجلد بواسطة مسامير أو ما يشبهها , لكن حركة المحاجم ألطف و أسلم.
كما أن القوارير المستخدمة في الحجامة /بالنار/ لها شبه بالمعالجة بالكي, وإن الهواء الساخن داخل الكأس له تأثير حاث أو منبه جيد. و يعمل التشطيب (بتزيغ الجلد) قبل وضع المحاجم على تنشيط الدوران الدموي وإزالة الركود منه , فهو يزيل الاحتقان و الوذمات(التورم) ويسكن الألم .
ثم إن Subhuti يؤكد فوائد الحجامة في معالجة الأمراض التالية:
في أمراض الجهاز التنفسي تفيد في معالجة التهاب القصبات المزمن – الربو، التهاب القصبات الحاد والمزمن عند الأطفال.
وفي أمراض الجهاز الهضمي تفيد لمعالجة الزحار، الاسهال الصباحي المبكر
Early Morning Diarrhea والتهاب المعدة المزمن. وتقترح الحجامة حول السرة وفي أسفل البطن ومنطقة المعدة. كما يعالج بها الأطفال المصابون بعسرة الهضم.
وفي تناذر الألم تفيد في معالجة الصداع المزمن والشقيقة، وألم العصب مثلث التوائم، آلام الأسنان و أذيات النسج الرخوة.
وفي اضطرابات الجهاز التناسلي عند المرأة تفيد الحجامة في معالجة بعض حالات العقم واضطرابات الطمث والضائعات البيض وتجري تحت الفقرة القطنية الثالثة، كما تفيد في المعص الرحمي Uterine Cramps .
و تفيد الحجامة أيضاً لمعالجة المصابين بالأرق وفي شلل العصب الوجهي.أما في الأمراض الجلدية فقد ذكر Chen Decheng (1) فائدتها في معالجة العد الشائع كما
ذكر(2) Wang Huaiping فائدتها في معالجة الشرى المزمن حيث ذكرها مع وجوب التشطيب المسبق للجلد [ الحجامة المبزغة ] .
الإعجاز الطبي
في الوصفات النبوية للحجامة
لقد ثبتت في الأحاديث الصحيحة احتجام النبي r بعد اصابته بعدة أمراض، أو أن أمره بالحجامة ووصفه لها قد ثبتت لعدد من الحالات المرضية. وفي هذا الفصل سنعدد الاستطيايات النبوية للحجامة، ومن ثم نستعرض نتائج بحوث طبية علمية حول هذه الاستطبابات تثبت السبق النبوي في تعينها.
الحجامة من الشقيقة والصداع
عن سلمى خادم رسول الله r، قالت : " ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله وجعاً في رأسه إلا قال احتجم ولا وجعاً في رجليه إلا قال : اختضبهما ".أخرجه أبو داود وهو حديث حسن ( الأرناؤوط ).
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : " احتجم رسول الله r وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لحي جمل " رواه البخاري ومسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله r احتجم وهو محرم من شقيقة كانت به " رواه البخاري في صحيحه .
للصداع (1)أسباب كثيرة كظاهرة وحيدة وأكثرها حدوثاً الصداع المرافق لفرط التوتر الشرياني [ ارتفاع الضغط الدموي ] والصداع الوعائي المسبب للشقيقة . ولعل الحديث الأول التي روته سلمى – خادم رسول الله – يمكن أن يحمل على الشقيقة أو على أي صداع بسبب آخر .
فأما صداع فرط التوتر الشرياني فهو صداع غالباً ما يأتي في الصباح الباكر ويتوضع في مؤخرة الرأس ويتحسن عادة بمعالجة ارتفاع الضغط عند المريض .
والشقيقة (1)عبارة عن نوبات متكررة من الصداع الذي يكون وحيد الجانب في بدايته غالب الأمر، وقد تترافق بحس غثيان وقمه وأقياء، وتسبق بعض النوبات، أو ترافقها اضطرابات حسية حركية أو اضطرابات في المزاج وغالباً ما تكون مرضاً عائلياً . وأثبتت الدراسات الحديثة أن الشقيقة تحدث بنسبة أكبر عند مرضى فرط التوتر الشرياني وسبب ذلك مجهولاً .
وتدعى الشقيقة بالإنكليزية والفرنسية Migraine (2)وهو اسم مشتق من اليونانية لأنها تصيب بآلامها شق من شقي الرأس . وهذا التعبير اليوناني ينطبق على التعبير عندنا بالعربية لأن الشقيقة هي مؤنث شقيق والذي هو بدوره تصغير لشق كما تدعى أحياناً بالصداع النصفي ، وتصيب الشقيقة من 10-20% من البشر كما تصيب النساء منها ضعف الرجال . وقد صدر حول الشقيقة في الولايات المتحدة كتب متخصصة وأفردت لها المجلات صفحاتها ، كما أن البريطانيين ساهموا بالبحث والتأليف وإنشاء الجمعيات المهتمة بأخبارها ، ونظموا المؤتمرات العلمية الخاصة بمناقشة أعراض هذا المرض المزعج وتطوراته ومعالجته ، منها مؤتمراً حضره أكثر من 220 طبيباً من شتى أرجاء العالم(1) .
يقول د. ظافر العطار متابعاً : " كل هذا الاهتمام لم يؤد إلى علاجها جذرياً وإن كان تخفيف حدتها وارداً حسب رأى الجراح برنارد في كتابه " الهيمنة على الشقيقة "(2) فهو يمنع مرضاه من التدخين ويحرم عليهم الخمرة بمختلف أشكالها ويوصيهم بالابتعاد عن أكل الجبن. وأما الحل الجذري لعلاج الشقيقة فيذكره الإمام البخاري في كتاب الطب من صحيحه " احتجم رسول الله r من شقيقة أصابته".
ويورد د. العطار حالة السيدة أ . م . في الـ 45 من عمرها ، مصابة بالشقيقة منذ 20عاماً وازدادت حدة المرض في السنين الأخيرة حتى أنها أخذت إلى المشفى مرة بحالة إسعاف ، احتجمت منذ 15 يوماً وشعرت بزوال الأعراض منذ إجراء الحجامة واستغنت عن كل المسكنات التي كانت تأخذها ، الجبن يسبب لها نوبة ولكنها لا تحب الجبن بشكل طبيعي ، الشوكولا والدخان لا يؤثران عليها . كمية الدم التي استخرجها الحجام تعادل كأس ماء من طرفي نقرتها بالقرب من كل أذن . جدُ المريض كان مصاباً بالشقيقة …. وقد أكدت المريضة أن الخمسة عشر يوماً التي قضتها بدون ألم بعد الحجامة تستحق أكثر من عملية الحجامة بكثير حتى ولو عادت رأساً الآن …
ويرى د. محمود النسيمي (1) أن فائدة الحجامة وسط الرأس ، أي بعيدة عن العروق الكبيرة ، في تسكين صداع الشقيقة يعلل بحدوث انعكاسات على الأوعية الدموية في الدماغ والتي يؤدي انقباضها في الأصل إلى حدوث ذلك الصداع .
وهكذا يتبدى لنا الإعجاز النبوي الطبي في وصفة النبيr في معالجة هذا المرض المحير والذي لم يجد له الأطباء العلاج الشافي حتى اليوم.
الحجامة لتبيغ الدم
وردت كلمة " تبيغ الدم " في أحاديث صحت عن النبي r منها ما ورد عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله r " إذا اشتد الحر فاستعينوا بالحجامة ، لا يتبيغ الدم بأحدكم فيقتله " رواه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله r : " نعم العبد الحجام، يذهب الدم ويخف الصلب ويجلو عن البصر " رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب .
ا لتبيغ في اللغة "الزيادة" من قولهم: بغى فلان على فلانة أي زاد عليه ، وقال أبو عبيد عن الكسائي:
التبيغ التهيج . وفي لسان العرب تبيغ به الدم : هاج به ، وذلك حينما تظهر حمرته في البدن، وقد استعمل القاموس الطبي الموحد كلمة التبيغ ترجمة عن كلمة Hyperemia.
وأكثر ما يحدث التبيغ(1) في ارتفاع الضغط الشرياني حيث يحدث ما يسمى بالتبيغ الأحمر ، أي المترافق باحتقان الوجه والملتحمة والشفة واليدين والقدمين ، كما يحدث التبيغ في فرط الكريات الحمر الحقيقي،الذي منه ما يكون أساسياً وهو نادر ، ومنه الثانوي الذي ينجم عن العلل القلبية الخلقية مع الزرقة ، وارتفاق التامور ، والتضيقات الرئوية التي تعيق التهوية وتصلب الشريان الرئوي ، والآفات الرئوية من منشأ إفرنجي ، وفرط الكريات الحمر في المرتفعات ، وفرط الكريات الحمر السمّي وسل الطحال وكيسته المائية ، وكلها أمراض لم تشخص قديماً ولم تفرق عن بعضها وإنما اكتفي بذكر العلامة المشتركة بينها وهي تبيغ الدم .
ومن الأعراض المشاهدة في فرط التوتر الشرياني وفي الأمراض التي يحدث فيها فرط كريات حمر حقيقي يذكر الصداع والدوار وسرعة الانفعال ، وقد تحدث اضطرابات بصرية . وتعتبر الحجامة المبزغة اليوم أوالفصادة دواءً ناجعاً لها .
وفي تعليقه على أحاديث الحجامة والتبيغ يقول الدكتور محمد علي البار(1) :
التبيغ هو غلبة الدم من الإنسان فإذا هاج الدم وارتفع الضغط فإنه قد يسبب انفجار أحد شرايين الدماغ فيقتل المصاب أو يصاب بالفالج [ الشلل النصفي ] كما أن ارتفاع الضغط الدموي قد يؤدي إلى هبوط القلب وحدوث ما يسمى بالجلطة [ احتشاء العضلة القلبية ] وإما إلى الفشل الكلوي وكلاهما قاتل لصاحبه .
فارتفاع ضغط الدم من الأمراض الشائعة التي قد تقتل صاحبها إذا أهمل علاجها . وارتفاع الضغط يسبب إصابة الكلى ثم فشلها وكلما أصيبت الكلى ارتفع الضغط فيدخل المريض في حلقة مفرغة ، كما أن ارتفاع الضغط يسبب تضخم العضلة القلبية ثم هبوطها وخاصة في الجانب الأيسر مؤدية إلى ضيق نفس شديد ( زلة تنفسية ) تزداد عند الاستلقاء أو النوم أو بعد الجهد ، وارتفاع الضغط يزيد في إصابة الشرايين بالتصلب وإذا أصيبت الشرايين القلبية بالتصلب يمكن أن تحدث الجلطة القلبية .
ويتابع د .البار قوله: ويعالج ضغط الدم بإقلال تناول الملح ، وإعطاء خافضات الضغط وقد كانت الحجامة أو الفصادة أحد أركان العلاج في هذه الأمراض ، والغريب حقاً أن الأبحاث الحديثة ذكرت لأدوية علاج الضغط أضراراً قد تفوق فوائدها ، وأوضحت هذه الدراسات أن الذين تلقوا علاجاً بمدرات البول لخفض الضغط المرتفع زادت حوادث جلطات القلب لديهم نسبة لأولئك الذين لم يتلقوا أي علاج . كما أن هناك أبحاثاً تتهم بعض العقاقير المضادة لارتفاع الضغط مثل حاصرات بيتا بتسبب زيادة الكولسترول الدموي، وبالتالي إيجاد عامل خطر جديد لإحداث جلطات القلب . وأن الفائدة المرجوة عن خفض ضغط الدم قد تقلل منه الأضرار الجانبية لهذه العقاقير.
ويقول د . محمد علي البار متابعاً : وما يمكن أن نستنتجه هو أن ضغط الدم المرتفع ارتفاعاً بسيطاً أو معتدلاً قد لا يستفيد المصاب به بمعالجته بالعقاقير المستخدمة وأن اللجوء إلى المعالجات البديلة البسيطة بخفض الملح في الطعام ، وتناول الثوم ، والحجامة تمثل وسيلة فعالة لمعالجة مثل هذه الحالات وتجنب أضرار العقاقير .
ويربط ابن سينا (1)بين تبيغ الدم والدورة القمرية فيقول :
" ويؤمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت ولا في آخره لأنها تكون قد نقصت ، بل في وسط الشهر حيث تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها لتزايد النور في جرم القمر ، وتزيد الدماء في الأقحاف ، والمياه في الأنهار ذوات المد والجزر " .
وهذا المعنى يتوافق مع ما رواه أنس رضي الله عن النبي r قوله : من أراد الحجامة فليتحر سبعة عشر أو تسعة عشر أو إحدى وعشرين ولا يتبيغ الدم بأحدكم فيقتله " رواه ابن ماجه بسند ضعيف لكن أبو داود رواه بسند حسن [ الأرناؤوط ] .
وهكذا نرى من الأبحاث التي ساقها الدكتور البار وغيرها أن الحجامة المبزغة تعتبر العلاج الأمثل لتبيغ الدم ومن ثم لمعالجة ارتفاع الضغط المسبب له، وهنا تتجلى المعجزة النبوية في هذه الوصفة الرائعة التي نطق بها من لا ينطق عن الهوى.
الحجامة في معالجة الوثي
الوثي هو التواء المفصل العنيف منذ تمطط الربط حتى انقطاعها .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما " أن رسول الله rاحتجم على وركه من وثء كان به " رواه أبو داود وهو حديث حسن(1) ( الأرناؤوط في جامع الأصول ) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه " أن النبي r احتجم وهو محرم من وجع كان به" رواه أبو داود وفي رواية النسائي " من وثء كان به " الحديث إسناده صحيح
( الأرناؤوط ) .
ولقد ذكر ابن سينا في قانونه استعمال الحجامة بلا شرط على الورك لعرق النسا وخوف الخلع .
وتؤكد المصادر الطبية الحديثة صدق دعوة النبيr للاستشفاء بالحجامة عقب الإصابة بالرض أو الوثي نتيجة حادث ما. فالدكتورة هيلينا عبد الله(2) ترى تحسناً سريعاً للآلام ونقص للوذمة عند معالجة المصابين بالرضوض والوثي وغيرها بالحجامة . وكذلك أكدت أبحاث Subhuti (1) فائدة الحجامة المبزغة في شفاء تناذر الألم وخاصة في أذيات النسيج الرخوة الناجمة عن الرضوض .
معالجة الخراج بالحجامة
يقول د.النسيمي : وذلك بشرط الخراج أي شقه ليخرج منه الصديد ثم وضع المحجم لمص كافة محتوياته .
عن عاصم بن عمر بن قتادة رحمه الله قال : جاءنا جابر بن عبد الله في أهلنا ورجل يشتكي خراجا به – أو جراحاً – فقال : ما تشتكي ؟ قال خراج بي قد شق علي . فقال يا غلام ائتني بحجام فقال له : ما تصنع بالحجام يا أبا عبد الله ؟ قال أريد أن أعلق فيه محجماً . فقال والله إن الذباب ليصيبني أو يصيب الثوب فيؤذيني ويشق علي فلما رأى تبرمه من ذلك قال : إني سمعت رسول الله r يقول : إن كان في شيء من أدويتكم من خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار وما أحب أن اكتوي . قال : فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد " رواه مسلم .
يقول البروفسور(1) Sir Nik Omar من كولومبو :" استخدم الصينيون الحجامة بقرون الحيوانات منذ العصور الغابرة وأول ما طبقت الحجامة لاستخراج الصديد من مكامنه في الآفات الجلدية الالتهابية..."
الحجامة بعد التسمم
يقر الطب الحديث بفائدة الفصادة في معالجة بعض التسممات وقد يوصي بإجراء نقل الدم بعدها ومن البدهي أنه عندما لا يتمكن الطبيب من بزل الوريد بإبرة غليظة فإن الحجامة، التي تعتبر شكلاً من الفصادة الموضعية هي ملجؤه الوحيد./النسيمي/(2)
عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما " أن النبي r احتجم بعدما سُمَ ".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات ولم يرد نص صحيح في تعيين الموضع المختار للحجامة من تبيغ الدم أو الصداع أو السم ولعله في الأخدعين والكاهل وهما المكانان المعتبران لمعظم استطبابات الحجامة وخاصة الكاهل حيث احتجم رسول الله r .
عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن النبي (ص) احتجم تحت كتفه الأيسر من الشاة التي أكل يوم خبير "(1).
ذكرعبد الرزاق في مصنفه (2) عن عبد الرحمن بن كعب أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي r شاة مصلية بخبير فقال ما هذا ؟ قالت هدية . فأكل منها النبي r وأكل الصحابة ، ثم قال r : أمسكوا ، ثم قال للمرأة : هل سممت هذه الشاة ؟ قالت من أخبرك بهذا ؟ قال هذا العظم – لساقها وهو في يده – قالت نعم ، قال : لم ؟ قالت : أردت إن كنت كاذباًَ أن يستريح منك الناس وإن كنت نبياً لم يضرك ، قال : فاحتجم النبي r ثلاثة على الكاهل وأمر الصحابة أن يحتجموا ، فمات بعضهم ".
قال ابن القيم : معالجة السم تكون بالاستفراغات وبالأدوية التي تعارض فعل السم وتبطله ، إما بكيفياتها وإما بخواصها ، فمن عدم الدواء فليبادر إلى الاستفراغ الكلي وأنفعه الحجامة . فإن القوة السمية تسري إلى الدم فتنبعث في العروق حتى تصل إلى القلب فيكون الهلاك . فالدم هو المنفذ الموصل السم إلى الأعضاء فإذا بادر المسموم وأخرج الدم خرجت معه تلك الكيفية السمية التي خالطته ...
=========
يتبع