والمحرمات هي حدود الله عز وجل {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } الطلاق/1 وقد هدد الله من يتعدى حدوده وينتهك حرماته فقال سبحانه: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} سورة النساء/14
واجتناب المحرمات واجب لقوله صلى الله عليه وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) [رواه مسلم: كتاب الفضائل حديث رقم 130 ط. عبد الباقي]
الشرك بالله
وهو أعظم المحرمات على الإطلاق لحديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثا) قالوا قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله.. متفق عليه البخاري / رقم 2511 ط. البغا) وكل ذنب يمكن أن يغفره الله إلا الشرك فلا بد له من توبة مخصوصة قال الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء/48
والشرك منه ما هو أكبر مخرج عن ملة الإسلام، صاحبه مخلد في النار إن مات على ذلك.
ومن مظاهر هذا الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين:
ـ عبادة القبور واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم والله سبحانه وتعالى يقول: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه...) سورة الإسراء/23، وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أو غيرهم للشفاعة أو للتخليص من الشدائد والله يقول: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.. أإله مع الله) النمل/62 وبعضهم يتخذ ذكر اسم الشيخ أو الولي عادته وديدنه إن قام وإن قعد وإن عثر وكلما وقع في ورطة أو مصيبة وكربة فهذا يقول يا محمد وهذا يقول يا علي وهذا يقول يا حسين وهذا يقول يا بدوي وهذا يقول يا جيلاني وهذا يقول يا شاذلي وهذا يقول يا رفاعي وهذا يدعو العيدروس وهذا يدعو السيدة زينب وذاك يدعو ابن علوان والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} سورة الأعراف/194 وبعض عباد القبور يطوفون بها ويستلمون أركانها ويتمسحون بها ويقبلون أعتابها ويعفرون وجوههم في تربتها ويسجدون لها إذا رأوها ويقفون أمامها خاشعين متذللين متضرعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم من شفاء مريض أو حصول ولد أو تيسير حاجة وربما نادى صاحب القبر يا سيدي جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني والله عز وجل يقول {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} سورة الأحقاف/5 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار) رواه البخاري الفتح 8/176، وبعضهم يحلقون رؤوسهم عند القبور، وعند بعضهم كتب بعناوين مثل: "مناسك حج المشاهد" ويقصدون بالمشاهد القبور وأضرحة الأولياء، وبعضهم يعتقد أن الأولياء يتصرفون في الكون وأنهم يضرون وينفعون والله عز وجل يقول: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } سورة يونس/107، وكذلك من الشرك النذر لغير الله كما يفعل الذين ينذرون الشموع والأنوار لأصحاب القبور.
ــ ومن مظاهر الشرك الأكبر الذبح لغير الله والله يقول: (فصل لربك وانحر) سورة الكوثر/2 أي انحر لله وعلى اسم الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله) رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 1978 ط. عبد الباقي، وقد يجتمع في الذبيحة محرمان وهما الذبح لغير الله والذبح على غير اسم الله وكلاهما مانع للأكل منها، ومن ذبائح الجاهلية - الشائعة في عصرنا - " ذبائح الجن " وهي أنهم كانوا إذا اشتروا دارا أو بنوها أو حفروا بئرا ذبحوا عندها أو على عتبتها ذبيحة خوفا من أذى الجن (انظر تيسير العزيز الحميد ط. الإفتاء ص: 158)
ــ ومن أمثلة الشرك الأكبر العظيمة الشائعة تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أو اعتقاد أن أحدا يملك الحق في ذلك غير الله عز وجل، أو التحاكم إلى المحاكم والقوانين الجاهلية عن رضا واختيار واعتقاد بجواز ذلك وقد ذكر الله عز وجل هذا الكفر الأكبر في قوله: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} التوبة/31 ولما سمع عدي بن حاتم نبي الله صلى الله عليه وسلم يتلوها قال: فقلت: إنهم لم يكونوا يعبدونهم قال: (أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم) رواه البيهقي السنن الكبرى 10/116 وهو عند الترمذي برقم 3095 وحسنه الألباني في غاية المرام ص:19، وقد وصف الله المشركين بأنهم {وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ } سورة التوبة/29، وقال الله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} سورة يونس/59
- ومن أنواع الشرك المنتشرة السحر والكهانة والعرافة:
أما السحر فإنه كفر ومن السبع الكبائر الموبقات وهو يضر ولا ينفع قال الله تعالى عن تعلمه (فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) البقرة/102، وقال (ولا يفلح الساحر حيث أتى) طه/69، والذي يتعاطى السحر كافر قال الله تعالى: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة/102
وحكم الساحر القتل وكسبه حرام خبيث، والجهال والظلمة وضعفاء الإيمان يذهبون إلى السحرة لعمل سحر يعتدون به على أشخاص أو ينتقمون منهم ومن الناس من يرتكب محرما بلجوئه إلى الساحر لفك السحر والواجب اللجوء إلى الله والاستشفاء بكلامه كالمعوذات وغيرها.
أما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم لادعائهما معرفة الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله وكثير من هؤلاء يستغفل السذج لأخذ أموالهم ويستعملون وسائل كثيرة من التخطيط في الرمل أو ضرب الودع أو قراءة الكف والفنجان أو كرة الكريستال والمرايا وغير ذلك وإذا صدقوا مرة كذبوا تسعا وتسعين مرة ولكن المغفلين لا يتذكرون إلا المرة التي صدق فيها هؤلاء الأفاكون فيذهبون إليهم لمعرفة المستقبل والسعادة والشقاوة في زواج أو تجارة والبحث عن المفقودات ونحو ذلك وحكم الذي يذهب إليهم إن كان مصدقا بما يقولون فهو كافر خارج عن الملة والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه الإمام أحمد 2/429 وهو في صحيح الجامع 5939 أما إن كان الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب ولكنه يذهب للتجربة ونحوها فإنه لا يكفر ولكن لا تقبل له صلاة أربعين يوما والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " صحيح مسلم 4/1751، هذا مع وجوب الصلاة والتوبة عليه.
- الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس:
عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية ـ على أثر سماء كانت من الليلة ـ فلما انصرف أقبل على الناس فقال: " هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب. وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب " رواه البخاري أنظر فتح الباري 2/333. ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات فإن اعتقد ما فيها من أثر النجوم والأفلاك فهو مشرك وإن قرأها للتسلية فهو عاص آثم لأنه لا يجوز التسلي بقراءة الشرك بالإضافة لما قد يلقي الشيطان في نفسه من الاعتقاد بها فتكون وسيلة للشرك.
- ومن الشرك اعتقاد النفع في أشياء لم يجعلها الخالق عز وجل كذلك كما يعتقد بعضهم في التمائم والعزائم الشركية وأنواع من الخرز أو الودع أو الحلق المعدنية وغيرها بناء على إشارة الكاهن أو الساحر أو اعتقاد متوارث فيعلقونها في رقابهم أو على أولادهم لدفع العين بزعمهم أو يربطونها على أجسادهم أو يعلقونها في سياراتهم وبيوتهم أو يلبسون خواتم بأنواع من الفصوص يعتقدون فيها أمورا معينة من رفع البلاء أو دفعه وهذا لاشك ينافي التوكل على الله ولا يزيد الإنسان إلا وهنا وهو من التداوي بالحرام وهذه التمائم التي تعلق في كثير منها شرك جلي واستغاثة ببعض الجن والشياطين أو رسوم غامضة أو كتابات غير مفهومة وبعض المشعوذين يكتبون آيات من القرآن ويخلطونها بغيرها من الشرك وبعضهم يكتب آيات القرآن بالنجاسات أو بدم الحيض وتعليق كل ما تقدم أو ربطه حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: (من علق تميمة فقد أشرك) رواه أحمد 4/156 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 492.
وفاعل ذلك إن اعتقد أن هذه الأشياء تنفع أو تضر من دون الله فهو مشرك شركا أكبر، وإن اعتقد أنها سبب للنفع أو الضرر، والله لم يجعلها سببا، فهو مشرك شركا أصغر وهذا يدخل في شرك الأسباب
- الرياء بالعبادات:
من شروط العمل الصالح أن يكون خالصا من الرياء مقيدا بالسنة والذي يقوم بعبادة ليراه الناس فهو مشرك وعمله حابط كمن صلى ليراه الناس، قال الله تعالى: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) النساء/ 142، وكذلك إذا عمل العمل لينتقل خبره ويتسامع به الناس فقد وقع في الشرك وقد ورد الوعيد لمن يفعل ذلك كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: " من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به " رواه مسلم 4/2289. ومن عمل عبادة قصد بها الله والناس فعمله حابط كما جاء في الحديث القدسي: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " رواه مسلم رقم 2985
ومن ابتدأ العمل لله ثم طرأ عليه الرياء فإن كرهه وجاهده ودافعه صح عمله وإن استروح إليه وسكنت إليه نفسه فقد نص أكثر أهل العلم على بطلانه.
- الطيرة:
وهي التشاؤم قال تعالى: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) الأعراف/131.
وكانت العرب إذا أراد أحدهم أمرا كسفر وغيره أمسك بطائر ثم أرسله فإن ذهب يمينا تفاءل ومضى في أمره وإن ذهب شمالا تشاءم ورجع عما أراد وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم هذا العمل بقوله: " الطيرة شرك " رواه الإمام أحمد 1/389 وهو في صحيح الجامع 3955.
ومما يدخل في هذا الاعتقاد المحرم المنافي للتوحيد: التشاؤم بالشهور كترك النكاح في شهر صفر، وبالأيام كاعتقاد أن آخر أربعاء من كل شهر يوم نحس مستمر أو الأرقام كالرقم 13 أو الأسماء أو أصحاب العاهات كما إذا ذهب ليفتح دكانه فرأى أعور في الطريق فتشاءم ورجع ونحو ذلك فهذا كله حرام ومن الشرك وقد برئ النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء فعن عمران بن حصين مرفوعا: " ليس منا من تطير ولا تطير له ولا تكهن ولا تكهن له ( وأظنه قال ) أو سحر أو سحر له " رواه الطبراني في الكبير 18/162 انظر صحيح الجامع 5435. ومن وقع في شئ من ذلك فكفارته ما جاء في حديث عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك قال أن يقول أحدهم: " اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك " رواه الإمام أحمد 2/220 السلسلة الصحيحة 1065.
والتشاؤم من طبائع النفوس يقل ويكثر وأهم علاج له التوكل على الله عز وجل كما في قول ابن مسعود: " وما منا إلا (أي: إلا ويقع في نفسه شئ من ذلك) ولكن الله يذهبه بالتوكل " رواه أبو داود رقم 3910 وهو في السلسلة الصحيحة 430.
- الحلف بغير الله تعالى:
الله سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته وأما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله ومما يجري على ألسنة كثير من الناس الحلف بغير الله والحلف نوع من التعظيم لا يليق إلا بالله عن ابن عمر مرفوعا: " ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " رواه البخاري انظر الفتح 11/530. وعن ابن عمر مرفوعا: " من حلف بغير الله فقد أشرك " رواه الإمام أحمد 2/125 انظر صحيح الجامع 6204. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف بالأمانة فليس منا " رواه أبو داود 3253 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 94.
فلا يجوز الحلف بالكعبة ولا بالأمانة ولا بالشرف ولا بالعون ولا ببركة فلان ولا بحياة فلان ولا بجاه النبي ولا بجاه الولي ولا بالآباء والأمهات ولا برأس الأولاد كل ذلك حرام ومن وقع في شيء من هذا فكفارته أن يقول لا إله إلا الله كما جاء في الحديث الصحيح: " من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله.. " رواه البخاري فتح 11/536
وعلى منوال هذا الباب أيضا عدد من الألفاظ الشركية والمحرمة التي يتفوه بها بعض المسلمين ومن أمثلتها: أعوذ بالله وبك ـ أنا متوكل على الله وعليك ـ هذا من الله ومنك ـ مالي إلا الله وأنت ـ الله لي في السماء وأنت لي في الأرض ـ لولا الله وفلان ـ أنا بريئ من الإسلام ـ يا خيبة الدهر (وكذا كل عبارة فيها سب الدهر مثل هذا زمان سوء وهذه ساعة نحس والزمن غدار ونحو ذلك وذلك لأن سب الدهر يرجع على الله الذي خلق الدهر) ـ شاءت الطبيعة ـ كل الأسماء المعبدة لغير الله كعبد المسيح وعبد النبي وعبد الرسول وعبد الحسين
ومن المصطلحات والعبارات الحادثة المخالفة للتوحيد كذلك: اشتراكية الإسلام ـ ديموقراطية الإسلام ـ إرادة الشعب من إرادة الله ـ الدين لله والوطن للجميع ـ باسم العروبة ـ باسم الثورة.
ومن المحرمات إطلاق لفظة ملك الملوك وما في حكمها كقاضي القضاة على أحد من البشر ـ إطلاق لفظة سيد وما في معناها على المنافق والكافر (سواء كان باللغة العربية أو بغيرها) ـ استخدام حرف لو الذي يدل على التسخط والتندم والتحسر ويفتح عمل الشيطان ـ قول اللهم اغفر لي إن شئت ـ [وللتوسع انظر معجم المناهي اللفظية: بكر أبو زيد]
الجلوس مع المنافقين أو الفساق استئناسا بهم أو إيناسا لهم:
يعمد كثير من الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم إلى مجالسة بعض أهل الفسق والفجور بل ربما جالسوا بعض الذين يطعنون في شريعة الله ويستهزئون بدينه وأوليائه ولاشك أن هذا عمل محرم يقدح في العقيدة قال الله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام/68
فلا يجوز الجلوس معهم في هذه الحالة وإن اشتدت قرابتهم أو لطف معشرهم وعذبت ألسنتهم إلا لمن أراد دعوتهم أو رد باطلهم أو الإنكار عليهم أما الرضا أو السكوت فلا، قال الله تعالى: (فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) التوبة/96
ترك الطمأنينة في الصلاة:
من أكبر جرائم السرقة السرقة من الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قالوا يا رسول الله: وكيف يسرق من صلاته قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها " رواه الإمام أحمد 5/310 وهو في صحيح الجامع 997. وإن ترك الطمأنينة وعدم استقرار الظهر في الركوع والسجود وعدم إقامته بعد الرفع من الركوع واستوائه في الجلسة بين السجدتين كل ذلك مشهور ومشاهد في جماهير المصلين ولا يكاد يخلو مسجد من نماذج من الذين لا يطمئنون في صلاتهم. والطمأنينة ركن والصلاة لا تصح بدونها والأمر خطير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود" رواه أبو داود 1/533 وهو في صحيح الجامع 7224. ولا شك أن هذا منكر يستحق صاحبه الزجر والوعيد، عن أبي عبد الله الأشعري قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثم جلس في طائفة منهم فدخل رجل فقام يصلي فجعل يركع وينقر في سجوده فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أترون هذا ؟ من مات على هذا مات على غير ملة محمد ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، إنما مثل الذي يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا التمرة والتمرتين فماذا تغنيان عنه " رواه ابن خزيمة في صحيحه 1/332 وانظر صفة صلاة النبي للألباني 131، وعن زيد بن وهب قال رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع والسجود قال: ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا صلى الله عليه وسلم رواه البخاري انظر الفتح 2/274. وينبغي على من ترك الطمأنينة في الصلاة إذا علم بالحكم أن يعيد فرض الوقت الذي هو فيه ويتوب إلى الله عما مضى ولا تلزمه إعادة الصلوات السابقة كما دل عليه حديث ارجع فصل فإنك لم تصل.
العبث وكثرة الحركة في الصلاة:
وهذه آفة لا يكاد يسلم منها أعداد من المصلين لأنهم لا يمتثلون أمر الله (وقوموا لله قانتين) البقرة/238، ولا يعقلون قول الله (قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون) المؤمنون/1-2، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن تسوية التراب في السجود قال " لا تمسح وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوية الحصى " رواه أبو داود 1/581 وهو في صحيح الجامع 7452، وقد ذكر أهل العلم أن الحركة الكثيرة المتوالية بغير حاجة تبطل الصلاة فكيف بالعابثين في صلواتهم يقفون أمام الله وأحدهم ينظر في ساعته أو يعدل ثوبه أو يلقم إصبعه أنفه ويرمى ببصره يمينا وشمالا وإلى السماء ولا يخشى أن يخطف بصره وأن يختلس الشيطان من صلاته.
سبق المأموم إمامه في الصلاة عمدا:
الإنسان من طبعه العجلة (وكان الإنسان عجولا) الإسراء/11، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (التأني من الله والعجلة من الشيطان) رواه البيهقي في السنن الكبرى 10/104 وهو في السلسلة 1795. وكثيرا ما يلاحظ المرء وهو في الجماعة عددا من المصلين عن يمينه أو شماله بل ربما يلاحظ ذلك على نفسه أحيانا مسابقة الإمام بالركوع أو السجود وفي تكبيرات الانتقال عموما وحتى في السلام من الصلاة وهذا العمل الذي لا يبدو ذا أهمية عند الكثيرين قد جاء فيه الوعيد الشديد عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار " رواه مسلم 1/320-321 .
وإذا كان المصلي مطالبا بالإتيان إلى الصلاة بالسكينة والوقار فكيف بالصلاة ذاتها وقد تختلط عند بعض الناس مسابقة الإمام بالتخلف عنه فليعلم أن الفقهاء رحمهم الله قد ذكروا ضابطا حسنا في هذا وهو أنه ينبغي على المأموم الشروع في الحركة حين تنقطع تكبيرة الإمام فإذا انتهى من (راء) الله أكبر يشرع المأموم في الحركة لا يتقدم عن ذلك ولا يتأخر وبذلك ينضبط الأمر وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم في غاية الحرص على عدم استباق النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أحدهم وهو البراء بن عازب رضي الله عنه إنهم كانوا يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رفع رأسه من الركوع لم أر أحدا يحني ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض ثم يخر من وراءه سجدا) رواه مسلم رقم 474 ط. عبد الباقي.
ولما كبر النبي صلى الله عليه وسلم وصار في حركته نوع من البطء نبه المصلين خلفه فقال (يا أيها الناس إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع والسجود..) رواه البيهقي 2/93 وحسنه في إرواء الغليل 2/ 290، وعلى الإمام أن يعمل بالسنة في التكبير إذا صلى وهو ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع.. ثم يكبر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس) رواه البخاري رقم 756 ط. البغا، فإذا جعل الإمام تكبيره مرافقا ومقترنا بحركته وحرص المأموم على الالتزام بالكيفية السابق ذكرها صلح أمر الجماعة في صلاتهم.
إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو ما له رائحة كريهة:
قال الله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد...) الأعراف/31
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو قال: فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته " رواه البخاري انظر الفتح 2/339، وفي رواية لمسلم " من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم " رواه مسلم رواه 1/395. وخطب عمر بن الخطاب الناس يوم الجمعة فقال في خطبته: " ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلها فليمتهما طبخا " رواه مسلم 1/396.
ويدخل في هذا الباب الذين يدخلون المساجد بعد أعمالهم مباشرة والروائح الكريهة تنبعث من آباطهم وجواربهم.
وأسوأ من هذا المدخنون الذين يتعاطون التدخين المحرم ثم يدخلون المساجد يؤذون عباد الله من الملائكة والمصلين.
الزنا:
لما كان من مقاصد الشريعة حفظ العرض وحفظ النسل جاء فيها تحريم الزنا قال الله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) الإسراء/32، بل وسدت الشريعة جميع الذرائع والطرق الموصلة إليه بالأمر بالحجاب وغض البصر وتحريم الخلوة بالأجنبية وغير ذلك.
والزاني المحصن يعاقب بأشنع عقوبة وأشدها وهي رجمه بالحجارة حتى يموت ليذوق وبال أمره وليتألم كل جزء من جسده كما استمتع به في الحرام والزاني الذي لم يسبق له الوطء في نكاح صحيح يجلد بأكثر عدد في الجلد ورد في الحدود الشرعية وهو مائة جلدة مع ما يحصل له من الفضيحة بشهادة طائفة من المؤمنين لعذابه والخزي بإبعاده عن بلده وتغريبه عن مكان الجريمة عاما كاملا.
وعذاب الزناة والزواني في البرزخ أنهم يكونون في تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار يكونون فيه عراة فإذا أوقدت عليهم النار صاحوا وارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها وهكذا يفعل بهم إلى قيام الساعة.
ويزداد الأمر قبحا إذا كان الرجل مستمرا في الزنا مع تقدمه في السن وقربه من القبر وإمهال الله له فعن أبي هريرة مرفوعا: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر " رواه مسلم 1/102-103. ومن شر المكاسب مهر البغي وهو ما تأخذه مقابل الزنا، والزانية التي تسعى بفرجها محرومة من إجابة الدعوة عندما تفتح أبواب السماء في نصف الليل [الحديث في صحيح الجامع 2971، وليست الحاجة والفقر عذرا شرعيا مطلقا لانتهاك حدود الله وقديما قالوا تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فكيف بفرجها.
وفي عصرنا فتح كل باب إلى الفاحشة وسهل الشيطان الطريق بمكره ومكر أوليائه واتبعه العصاة والفجرة ففشا التبرج والسفور وعم انفلات البصر والنظر المحرم وانتشر الاختلاط وراجت مجلات الخنا وأفلام الفحش وكثر السفر إلى بلاد الفجور وقام سوق تجارة الدعارة وكثر انتهاك الأعراض وازداد عدد أولاد الحرام وحالات قتل الأجنة فنسألك اللهم رحمتك ولطفك وسترك وعصمة من عندك تعصمنا بها من الفواحش ونسألك أن تطهر قلوبنا وتحصن فروجنا وأن تجعل بيننا وبين الحرام برزخا وحجرا محجورا.
اللواط:-
كانت جريمة قوم لوط هي إتيان الذكران من الناس قال الله تعالى: (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر) العنكبوت/29.
ولشناعة هذه الجريمة وقبحها وخطورتها عاقب الله مرتكبيها بأربعة أنواع من العقوبات لم يجمعها على قوم غيرهم وهي أنه طمس أعينهم وجعل عاليها سافلها وأمطرهم بحجارة من سجيل منضود وأرسل عليهم الصيحة
وفي هذه الشريعة صار القتل بالسيف ـ على الراجح ـ هو عقوبة الفاعل والمفعول به إذا كان عن رضا واختيار فعن ابن عباس مرفوعا: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " رواه الإمام أحمد 1/300 وهو في صحيح الجامع 6565.
وما ظهر في زماننا من الطواعين وأنواع الأمراض التي لم تكن في أسلافنا الذين مضوا بسبب الفاحشة كمرض الإيدز القاتل يدل على شئ من حكمة الشارع في تعيين هذه العقوبة البليغة.
امتناع المرأة من فراش زوجها بغير عذر شرعي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح " رواه البخاري انظر الفتح 6/314.
وكثير من النساء إذا صار بينها وبين زوجها خلاف تعاقبه - بظنها - بمنعه حقه في الفراش وقد يترتب على هذا مفاسد عظيمة منها وقوع الزوج في الحرام وقد تنعكس عليها الأمور فيفكر جادا في الزواج عليها
فعلى الزوجة أن تسارع بإجابة زوجها إذا طلبها امتثالا لقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلتجب وإن كانت على ظهر قتب " انظر زوائد البزار 2/181 وهو في صحيح الجامع 547 والقتب ما يوضع على ظهر الجمل للركوب. وعلى الزوج أن يراعي زوجته إذا كانت مريضة أو حاملا أو مكروبة حتى يدوم الوفاق ولا يقع الشقاق.
أكل الربا:
لم يؤذن الله في كتابه بحرب أحد إلا أهل الربا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } البقرة / 278-279، وهذا كاف في بيان شناعة هذه الجريمة عند الله عز وجل.
والناظر على مستوى الأفراد والدول يجد مدى الخراب والدمار الذي خلفه التعامل بالربا من الإفلاس والكساد والركود والعجز عن تسديد الديون وشلل الاقتصاد وارتفاع مستوى البطالة وانهيار الكثير من الشركات والمؤسسات وجعل ناتج الكدح اليومي وعرق العمل يصب في خانة تسديد الربا غير المتناهي للمرابي وإيجاد الطبقية في المجتمع من جعل الأموال الطائلة تتركز في أيدي قلة من الناس ولعل هذا شيء من صور الحرب التي توعد الله بها المتعاملين بالربا.
وكل من يشارك في الربا من الأطراف الأساسية والوسطاء والمعينين المساعدين ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فعن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " وقال: " هم سواء " رواه مسلم 3/1219. وبناء عليه لا يجوز العمل في كتابة الربا ولا في تقييده وضبطه ولا في استلامه وتسليمه ولا في إيداعه ولا في حراسته وعلى وجه العموم تحرم المشاركة فيه والإعانة عليه بأي وجه من الوجوه.
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تبيان قبح هذه الكبيرة فيما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: " الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " رواه الحاكم في المستدرك /37 وهو في صحيح الجامع 3533. وبقوله فيما جاء عن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنهما مرفوعا: " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية " رواه الإمام أحمد 5/225 انظر صحيح الجامع 3375. وتحريم الربا عام لم يخص بما كان بين غني وفقير كما يظنه بعض الناس بل هو عام في كل حال وشخص وكم من الأغنياء وكبار التجار قد أفلسوا بسببه والواقع يشهد بذلك وأقل ما فيه محق بركة المال وإن كان كثيرا في العدد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل " رواه الحاكم 2/37 وهو في صحيح الجامع 3542 ومعنى قل أي نقصان المال.
وليس الربا كذلك مخصوصا بما إذا كانت نسبته مرتفعة أو متدنية قليلة أم كثيرة فكله حرام صاحبه يبعث من قبره يوم القيامة يقوم كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس والصرع.
ومع فحش هذه الجريمة إلا أن الله أخبر عن التوبة منها وبين كيفية ذلك فقال تعالى لأهل الربا: (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) وهذا عين العدل.
ويجب أن تنفر نفس المؤمن من هذه الكبيرة وأن تستشعر قبحها وحتى الذين يضعون أموالهم في البنوك الربوية اضطرارا وخوفا عليها من الضياع أو السرقة ينبغي عليهم أن يشعروا بشعور المضطر وأنهم كمن يأكل الميتة أو أشد مع استغفار الله تعالى والسعي لإيجاد البديل ما أمكن ولا يجوز لهم مطالبة البنوك بالربا بل إذا وضع لهم في حساباتهم تخلصوا منه في أي باب جائز تخلصا لا صدقة فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ولا يجوز لهم الاستفادة منه بأي نوع من الاستفادة لا بأكل ولا شرب ولا لبس ولا مركب ولامسكن ولا نفقة واجبة لزوجة أو ولد أو أب أو أم ولا في إخراج الزكاة ولا في تسديد الضرائب ولا يدفع بها ظلما عن نفسه وإنما يتخلص منها خوفا من بطش الله تعالى.
كتم عيوب السلعة وإخفاؤها عند بيعها:
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال " ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ من غش فليس منا " رواه مسلم 1/99، وكثير من الباعة اليوم ممن لا يخاف الله يحاول إخفاء العيب بوضع لاصق عليه أو جعله في أسفل صندوق البضاعة أو استعمال مواد كيميائية ونحوها تظهره بمظهر حسن أو تخفي صوت العيب الذي في المحرك في أول الأمر فإذا عاد المشتري بالسلعة لم تلبث أن تتلف من قريب وبعضهم يغير تاريخ انتهاء صلاحية السلعة أو يمنع المشتري من معاينة السلعة أو فحصها أو تجريبها وكثير ممن يبيعون السيارات والآلات لا يبينون عيوبها وهذا حرام. قال النبي صلى عليه وسلم " المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له " رواه ابن ماجة 2/754 وهو في صحيح الجامع 6705. وبعضهم يظن أنه يخلي مسئوليته إذا قال للمشترين في المزاد العلني.. أبيع كومة حديد.. كومة حديد، فهذا بيعه منزوع البركة كما قال صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ". رواه البخاري أنظر الفتح 4/328.
بيع النجش:
وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليخدع غيره ويجره إلى الزيادة في السعر، قال صلى الله عليه وسلم "لا تناجشوا" رواه البخاري انظر فتح الباري 10/484، وهذا نوع من الخداع ولا شك وقد قال عليه الصلاة والسلام " المكر والخديعة في النار " انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 1057. وكثير من الدلالين في الحراج والمزادات ومعارض بيع السيارات كسبهم خبيث لمحرمات كثيرة يقترفونها منها تواطؤهم في بيع النجش والتغرير بالمشتري القادم وخداعه فيتواطؤن على خفض سعر سلعته أما لو كانت السلعة لهم أو لأحدهم فعلى العكس يندسون بين المشترين ويرفعون الأسعار في المزاد يخدعون عباد الله ويضرونهم.
البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة: -
قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الجمعة/9
وبعض الباعة يستمرون في البيع بعد النداء الثاني في دكاكينهم أو أمام المساجد ويشترك معهم في الإثم الذين يشترون منهم ولو سواكا وهذا البيع باطل على الراجح وبعض أصحاب المطاعم والمخابز والمصانع يجبرون عمالهم على العمل في وقت صلاة الجمعة وهؤلاء وإن زاد ربحهم في الظاهر فإنهم لا يزدادون إلا خسارا في الحقيقة، أما العامل فإنه لابد أن يعمل بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لبشر في معصية الله ". رواه الإمام أحمد 1/129 وقال أحمد شاكر إسناده صحيح رقم 1065.
القمار والميسر:-
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة/90.
وكان أهل الجاهلية يتعاطون الميسر ومن أشهر صوره عندهم أنهم كانوا يشتركون في بعير عشرة أشخاص بالتساوي ثم يَضرب بالقداح وهو نوع من القرعة فسبعة يأخذون بأنصبة متفاوتة معينة في عرفهم وثلاثة لا يأخذون شيئا.
وأما في زماننا فإن للميسر عدة صور منها:
ـ ما يعرف باليانصيب وله صور كثيرة ومن أبسطها شراء أرقام بمال يجري السحب عليها فالفائز الأول يعطى جائزة والثاني وهكذا في جوائز معدودة قد تتفاوت فهذا حرام ولو كانوا يسمونه بزعمهم خيريا.
ـ أن يشتري سلعة بداخلها شيء مجهول أو يعطى رقما عند شرائه للسلعة يجري عليه السحب لتحديد الفائزين بالجوائز.
ـ ومن صور الميسر في عصرنا عقود التأمين التجاري على الحياة والمركبات والبضائع وضد الحريق والتأمين الشامل وضد الغير إلى غير ذلك من الصور المختلفة حتى أن بعض المغنين يقومون بالتأمين على أصواتهم.
هذا وجميع صور المقامرة تدخل في الميسر وقد وجد في زماننا أندية خاصة بالقمار وفيها ما يعرف بالطاولات الخضراء الخاصة لمقارفة هذا الذنب العظيم وكذلك ما يحدث في مراهنات سباق الخيول وغيرها من المباريات هو أيضا نوع من أنواع الميسر ويوجد في بعض محلات الألعاب ومراكز الترفيه أنواع من الألعاب المشتملة على فكرة الميسر كالتي يسمونها "الفليبرز" ومن صور المقامرة أيضا المسابقات التي تكون فيها الجوائز من طرفي المسابقة أو أطرافها كما نص على ذلك جماعة من أهل العلم.
السرقة:
قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } المائدة / 38.
ومن أعظم جرائم السرقة سرقة حجاج وعمار بيت الله العتيق وهذا النوع من اللصوص لا يقيم وزنا لحدود الله في أفضل بقاع الأرض وحول بيت الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة صلاة الكسوف: (لقد جئ بالنار وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه [أمعاءه] في النار، كان يسرق الحاج بمحجنه [عصا معقوفة الطرف] فإن فطن له قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غفل عنه ذهب به..) رواه مسلم رقم 904.
ومن أعظم السرقات السرقة من الأموال العامة وبعض الذين يفعلونها يقولون نسرق كما يسرق غيرنا وما علموا أن تلك سرقة من جميع المسلمين لأن الأموال العامة ملك لجميع المسلمين وفعل الذين لا يخافون الله ليس بحجة تبرر تقليدهم وبعض الناس يسرق من أموال الكفار بحجة أنهم كفار وهذا غير صحيح فإن الكفار الذين يجوز سلب أموالهم هم المحاربون للمسلمين وليس جميع شركات الكفار وأفرادهم يدخلون في ذلك ومن وسائل السرقة مد الأيدي إلى جيوب الآخرين خلسة وبعضهم يدخل بيوت الآخرين زائرا ويسرق وبعضهم يسرق من حقائب ضيوفه وبعضهم يدخل المحلات التجارية ويخفي في جيوبه وثيابه سلعا أو ما تفعله بعض النساء من إخفائها تحت ثيابها وبعض الناس يستسهل سرقة الأشياء القليلة أو الرخيصة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده " رواه البخاري انظر فتح الباري 12/81. ويجب على كل من سرق شيئا أن يعيده إلى صاحبه بعد أن يتوب إلى الله عز وجل سواء أعاده علانية أو سرا شخصيا أو بواسطة فإن عجز عن الوصول إلى صاحب المال أو إلى ورثته من بعده مع الاجتهاد في البحث فإنه يتصدق به وينوي ثوابه لصاحبه.
أخذالرشوةوإعطاؤها:
إعطاء الرشوة للقاضي أو الحاكم بين الناس لإبطال حق أو تمشية باطل جريمة لأنها تؤدي إلى الجور في الحكم وظلم صاحب الحق وتفشي الفساد قال الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة/ 188. وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: " لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم " رواه الإمام أحمد 2/387 وهو في صحيح الجامع 5069. أما ما وقع للتوصل لحق أو دفع ظلم لا يمكن إلا عن طريق الرشوة فلا يدخل في الوعيد.
وقد تفشت الرشوة في عصرنا تفشيا واسعا حتى صارت موردا أعظم من المرتبات عند بعض الموظفين بل صارت بندا في ميزانيات كثير من الشركات بعناوين مغلفة وصارت كثير من المعاملات لا تبدأ ولا تنتهي إلا بها وتضرر من ذلك الفقراء تضررا عظيما وفسدت كثير من الذمم بسببها وصارت سببا لإفساد العمال على أصحاب العمل والخدمة الجيدة لا تقدم إلا لمن يدفع ومن لا يدفع فالخدمة له رديئة أو يؤخر ويهمل وأصحاب الرشاوي الذين جاءوا من بعده قد انتهوا قبله بزمن وبسبب الرشوة دخلت أموال هي من حق أصحاب العمل في جيوب مندوبي المبيعات والمشتريات ولهذا وغيره فلا عجب أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم على الشركاء في هذه الجريمة والأطراف فيها أن يطردهم الله من رحمته فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعنة الله على الراشي والمرتشي " رواه ابن ماجة 2313 وهو في صحيح الجامع 5114.
غصب الأرض:-
إذا انعدم الخوف من الله صارت القوة والحيلة وبالا على صاحبها يستخدمها في الظلم كوضع اليد والاستيلاء على أموال الآخرين ومن ذلك غصب الأراضي وعقوبة ذلك في غاية الشدة فعن عبد الله بن عمر مرفوعا:" من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين " رواه البخاري انظر الفتح 5/103.
وعن يعلى بن مرة رضي الله عنه مرفوعا: " أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره (في الطبراني: يحضره) حتى آخر سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس " رواه الطبراني في الكبير 22/270 وهو في صحيح الجامع 2719.
ويدخل في ذلك تغيير علامات الأراضي وحدودها فيوسع أرضه على حساب جاره وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله من غير منار الأرض " رواه مسلم بشرح النووي 13/141.
قبول الهدية بسبب الشفاعة:-
لجاه والمكانة بين الناس من نعم الله على العبد إذا شكرها ومن شكر هذه النعمة أن يبذلها صاحبها لنفع الم
سلمين وهذا يدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " رواه مسلم 4/1726. ومن نفع بجاهه أخاه المسلم في دفع ظلم عنه أو جلب خير إليه دون ارتكاب محرم أو اعتداء على حق أحد فهو مأجور عند الله عز وجل إذا خلصت نيته كما أخبر عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " اشفعوا تؤجروا " رواه أبو داود 5132 والحديث في الصحيحين فتح الباري 10/450 كتاب الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا.
ولا يجوز أخذ مقابل على هذه الشفاعة والواسطة والدليل ما جاء عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا: " من شفع لأحد شفاعة، فأهدى له هدية (عليها) فقبلها (منه) فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ". رواه الإمام أحمد 5/261 وهو في صحيح الجامع 6292.
ومن الناس يعرض بذل جاهه ووساطته مقابل مبلغ مالي يشترطه لتعيين شخص في وظيفة أو نقل آخر من دائرة أو من منطقة إلى أخرى أو علاج مريض ونحو ذلك والراجح أن هذا المقابل محرم لحديث أبي أمامة المتقدم آنفا بل إن ظاهر الحديث يشمل الأخذ ولو بدون شرط مسبق [من إفادات الشيخ عبد العزيز بن باز مشافهة] وحسب فاعل الخير الأجر من الله يجده يوم القيامة. جاء رجل إلى الحسن بن سهل يستشفع به في حاجة فقضاها فأقبل الرجل يشكره فقال له الحسن بن سهل علام تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة ؟ الآداب الشرعية لابن مفلح 2/176.
ومما يحسن الإشارة إليه هنا الفرق بين استئجار شخص لإنجاز معاملة ومتابعتها وملاحقتها مقابل أجرة فيكون هذا من باب الإجارة الجائزة بالشروط الشرعية وبين أن يبذل جاهه ووساطته فيشفع مقابل مال فهذا من المحظور.
استيفاء العمل من الأجير وعدم إيفائه أجره:-
لقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في سرعة إعطاء الأجير حقه فقال: " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " رواه ابن ماجة 2/817 وهو في صحيح الجامع 1493.
ومن أنواع الظلم الحاصل في مجتمعات المسلمين عدم إعطاء العمال والأجراء والموظفين حقوقهم ولهذا عدة صور منها:
- أن يجحده حقه بالكلية ولا يكون للأجير بينة فهذا وإن ضاع حقه في الدنيا فإنه لا يضيع عند الله يوم القيامة فإن الظالم يأتي وقد أكل مال المظلوم فيعطى المظلوم من حسنات الظالم فإن فنيت أخذ من سيئات المظلوم فطرحت على الظالم ثم طرح في النار.
- أن يبخسه فيه فلا يعطيه إياه كاملا وينقص منه دون حق وقد قال الله تعالى: (ويل للمطففين) المطففين/1، ومن أمثلة ذلك ما يفعله بعض أرباب العمل إذا استقدم عمالا من بلدهم وكان قد عقد معهم عقدا على أجر معين فإذا ارتبطوا به وباشروا العمل عمد إلى عقود العمل فغيرها بأجور أقل فيقيمون على كراهية وقد لا يستطيعون إثبات حقهم فيشكون أمرهم إلى الله، وإن كان رب العمل الظالم مسلما والعامل كافرا كان ذلك البخس من الصد عن سبيل الله فيبوء بإثمه.
- أن يزيد عليه أعمالا إضافية أو يطيل مدة الدوام ولا يعطيه إلا الأجرة الأساسية ويمنعه أجرة العمل الإضافي.
- أن يماطل فيه فلا يدفعه إليه إلا بعد جهد جهيد وملاحقة وشكاوى ومحاكم وقد يكون غرض رب العمل من التأخير إملال العامل حتى يترك حقه ويكف عن المطالبة أو يقصد الاستفادة من أموال العمال بتوظيفها وبعضهم يرابي فيها والعامل المسكين لا يجد قوت يومه ولا ما يرسله نفقة لأهله وأولاده المحتاجين الذين تغرب من أجلهم. فويل لهؤلاء الظلمة من عذاب يوم أليم روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره " رواه البخاري انظر فتح الباري 4/447.
عدم العدل في العطية بين الأولاد:
يعمد بعض الناس إلى تخصيص بعض أولادهم بهبات وأعطيات دون الآخرين وهذا على الراجح عمل محرم إذا لم يكن له مسوغ شرعي كأن تقوم حاجة بأحد الأولاد لم تقم بالآخرين كمرض أو دين عليه أو مكافأة له على حفظه للقرآن مثلا أو أنه لا يجد عملا أو صاحب أسرة كبيرة أو طالب علم متفرغ ونحو ذلك وعلى الوالد أن ينوي إذا أعطى أحدا من أولاده لسبب شرعي أنه لو قام بولد آخر مثل حاجة الذي أعطاه أنه سيعطيه كما أعطى الأول. والدليل العام قوله تعالى (اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله) والدليل الخاص ما جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " إني نحلت ابني هذا غلاما (أي وهبته عبدا كان عندي) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته مثله ؟ فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجعه " رواه البخاري انظر الفتح 5/211، وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال فرجع فرد عطيته الفتح 5/211، وفي رواية " فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور " صحيح مسلم 3/1243. ويعطى الذكر مثل حظ الأنثيين كالميراث وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله [مسائل الإمام أحمد لأبي داود 204 وقد حقق الإمام ابن القيم في حاشيته على أبي داود المسألة تحقيقا بينا]. والناظر في أحوال بعض الأسر يجد من الآباء من لا يخاف الله في تفضيل بعض أولاده بأعطيات فيوغر صدور بعضهم على بعض ويزرع بينهم العداوة والبغضاء. وقد يعطي واحدا لأنه يشبه أعمامه ويحرم الآخر لأنه فيه شبها من أخواله أو يعطي أولاد إحدى زوجتيه مالا يعطي أولاد الأخرى وربما أدخل أولاد إحداهما مدارس خاصة دون أولاد الأخرى وهذا سيرتد عليه فإن المحروم في كثير من الأحيان لا يبر بأبيه مستقبلا وقد قال عليه الصلاة والسلام لمن فاضل بين أولاده في العطية "...أليس يسرك أن يكونوا إليك في البر سواء...". رواه الإمام أحمد 4/269 وهو في صحيح مسلم رقم 1623
سؤال الناس المال من غير حاجة:
عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم قالوا وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة قال قدر ما يغديه ويعشيه" رواه أبو داود 2/281 وهو في صحيح الجامع 6280، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خدوشا أو كدوشا في وجهه " رواه الإمام أحمد 1/388 انظر صحيح الجامع 6255. وبعض الشحاذين يقفون في المساجد أمام خلق الله يقطعون التسبيح بشكاياتهم وبعضهم يكذبون ويزورون أوراقا ويختلقون قصصا وقد يوزعون أفراد الأسرة على المساجد ثم يجمعونهم وينتقلون من مسجد لآخر وهم في حالة من الغنى لا يعلمها إلا الله فإذا ماتوا ظهرت التركة. وغيرهم من المحتاجين الحقيقيين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ولا يفطن لهم فيتصدق عليهم.
الاستدانة بدين لا يريد وفاءه
حقوق العباد عند الله عظيمة وقد يخرج الشخص من حق الله بالتوبة ولكن حقوق العباد لا مناص من أدائها قبل أن يأتي يوم لا يتقاضى فيه بالدينار ولا بالدرهم ولكن بالحسنات والسيئات والله سبحانه وتعالى يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء /58، ومن الأمور المتفشية في المجتمع التساهل في الاستدانة وبعض الناس لا يستدين للحاجة الماسة وإنما يستدين رغبة في التوسع ومجاراة الآخرين في تجديد المركب والأثاث ونحو ذلك من المتاع الفاني والحطام الزائل وكثيرا ما يدخل هؤلاء في متاهات بيوع التقسيط التي لا يخلو كثير منها من الشبهة أو الحرام.
والتساهل في الاستدانة يقود إلى المماطلة في التسديد أو يؤدي إلى إضاعة أموال الآخرين وإتلافها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم محذرا من عاقبة هذا العمل: " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله " رواه البخاري انظر فتح الباري 5/54. والناس يتساهلون في أمر الدين كثيرا ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، بل إن الشهيد مع ماله من المزايا العظيمة والأجر الجزيل والمرتبة العالية لا يسلم من تبعة الدين ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله ماذا أنزل الله من التشديد في الدين والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه " رواه النسائي انظر المجتبى 7/314 وهو في صحيح الجامع 3594. فهل بعد هذا يرعوي هؤلاء المتساهلون المفرطون ؟!
أكل الحرام:
من لا يخاف الله لا يبالي من أين اكتسب المال وفيم أنفقه بل يكون همه زيادة رصيده ولو كان سحتا وحراما من سرقة أو رشوة أو غصب أو تزوير أو بيع محرم أو مراباة أو أكل مال يتيم أو أجرة على عمل محرم ككهانة وفاحشة وغناء أو اعتداء على بيت مال المسلمين والممتلكات العامة أو أخذ مال الغير بالإحراج أو سؤال بغير حاجة ونحو ذلك ثم هو يأكل منه ويلبس ويركب ويبني بيتا أو يستأجره ويؤثثه ويدخل الحرام بطنه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به... " رواه الطبراني في الكبير 19/136 وهو في صحيح الجامع 4495. وسيسأل يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وهنالك الهلاك والخسار فعلى من بقي لديه مال حرام أن يسارع بالتخلص منه وإن كان حقا لآدمي فليسارع بإرجاعه إليه مع طلب السماح قبل أن يأتي يوم لا يتقاضى فيه بالدينار ولا بالدرهم ولكن بالحسنات والسيئات
شرب الخمر ولو قطرة واحدة:
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة/90، والأمر بالاجتناب هو من أقوى الدلائل على التحريم وقد قرن الخمر بالأنصاب وهي آلهة الكفار وأصنامهم فلم تبق حجة لمن يقول إنه لم يقل هو حرام وإنما قال فاجتنبوه !!
وقد جاء الوعيد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لمن شرب الخمر فعن جابر مرفوعا: "... إن على الله عز وجل عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال " قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال: " عرق أهل النار أو عصارة أهل النار " رواه مسلم 3/1587. وعن ابن عباس مرفوعا: " من مات مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن " رواه الطبراني 12/45 وهو في صحيح الجامع 6525.
وقد تنوعت أنواع الخمور والمسكرات في عصرنا تنوعا بالغا وتعددت أسماؤها عربية وأعجمية فأطلقوا عليها البيرة والجعة والكحول والعرق والفودكا والشمبانيا وغير ذلك وظهر في هذه الأمة الصنف الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله: " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " رواه الإمام أحمد 5/342 وهو في صحيح الجامع 5453. فهم يطلقون عليها مشروبات روحية بدلا من الخمر تمويها وخداعا (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون).
وقد جاءت الشريعة بالضابط العظيم الذي يحسم الأمر ويقطع دابر فتنة التلاعب وهو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام " رواه مسلم 3/1587. فكل ما خالط العقل وأسكره فهو حرام قليله وكثيره [حديث " ما أسكر كثيره فقليله حرام " قد رواه أبو داود رقم 3681 وهو في صحيح أبي داود رقم 3128] ومهما تعددت الأسماء واختلفت فالمسمى واحد والحكم معلوم.
وأخيرا فهذه موعظة من النبي صلى الله عليه وسلم لشراب الخمور، قال عليه الصلاة والسلام: " من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا وإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة قالوا يا رسول الله وما ردغة الخبال قال: عصارة أهل النار. رواه ابن ماجة رقم 3377 وهو في صحيح الجامع 6313.
يتبع....