الفجر بساعتين فإذا سواد في طرف الغرفة وإذا به أم وليد تصلي .. إذا طاب الرقاد فرشت السجاد وكأنما يتجافى جنبها عن المضاجع لقد كانت تحفظ قول الله عز وجل عن المتقين : " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون " فعزمت أن تكون منهم وكانت العزيمة بالفعال قبل المقال .. فما أفصح لغة الفعل !
ثانيا : قصة مماتها رحمها الله .
·كانت تدعو الله كثيرا في محاضراتها أن يتوفاها الله تعالى وهي تلقي درسا أو أن يتوفاها في بيته الحرام فأجاب الله دعاءها .
· تعيَّن أحد أبنائها في الأسبوع المنصرم في وظيفة جديدة فأبت عليه إلا أن يبدأ بعمرة قبل أن يباشر وظيفته وطلبت أن تصحبه وكان لها ذلك .
· رأت قبل رحلتها بأيام رؤيا فأخبرت ابنتها أنها رأت رؤيا خير وأن رؤياها إن صدقت فستعرفونها بعد أيام قليلة .. ولم تخبر شيئا .
·ألقت قبل وفاتها بخمسة أيام درسا عن الموت وتحدثت فيه عن العزاء وأحكامه والبدع التي أحدثها الناس في العزاء بحضور قريباتها وكأنما شعرت باقتراب أجلها .. فسبحان الله .. بل تذكر ابنتها أن لها مصلى خاصا فيه سجادة لا تكاد تطوى .. وقبل سفرها مع ابنها للعمرة طوت سجادتها على خلاف العادة ولما استغربت ابنتها من طويها ألحت أم وليد بأن ترفع سجادتها .. فسبحان الله .
· ولما همت بالخروج للمطار ودعت أبناءها وزوجها ورفعت يديها للسماء ودعت لزوجها وأكثرت وهي تقول جزاك الله عني خير الجزاء فقد يسرت لي أن أدعو لربي ... ولا حرمك الله أجري حيث لم تحرمني من الدعوة في سبيل الله .. وألحت بالدعاء ربع ساعة وهو يسمعها .·
وصلوا إلى المسجد الحرام في الثلث الأخير من الليل وطافت مع ابنها وابنتها وكانت تلح بالدعاء أن تأتيها منيتها في هذا المكان الطاهر وشرعوا بعد ذلك في السعي وفي منتصف السعي نادى مؤذن المسجد الحرام لصلاة الفجر فقالت لابنها وابنتها سنصبح صائمين ... فاليوم خميس ومن شعبان . فأصبح الثلاثة صائمين
·ولما صعدت للصفا في بداية الشوط الخامس وبين الأذان والإقامة في أشرف زمان وأطهر مكان وهي صائمة وقد استقبلت القبلة رفعت يديها داعية في بداية الشوط وابنتها تقف بجانبها ... تقول لم يرعني إلا أن خرت والدتي ساجدة لله تعالى .. تقول انتظرتها لتقوم من سجدتها فقد خلتها وافقت آية سجدة في دعائها فسجدت .. ولما طالت سجدتها نبهتها فلم تنتبه حاولت أن أقيمها فكأنما سعلت مرتين بلطف فسقطت على الأرض ... جاء الطبيب فكشف عليها سريعا .. وقال لقد فارقت الحياة .. فيا لله ما أحسنها من خاتمة .. بين يدي فريضة من فرائض الله وفي خير أرض الله .. وهي صائمة وتؤدي مناسك العمرة .. فاللهم اجعلها ممن يدعى من أبواب الجنة الثمانية .
وبعد يا إخوتي ..
تلك أم وليد .. صدقت مع الله فصدق الله معها .. وإنه لا يوفق لحسن الخاتمة إلا من أحسن في دنياه العمل وبطاعة الله اشتغل ..
أما من عبد الشهوات وهجر الطاعات فسيموت بارا بمعبوده .. وشتان بين الفريقين ... ولا سواء موتى أولاء في الجنة وموتى أولئك في النار إلا من رحم الغفار .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
" فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى "