السلام عليكم
بداية النهاية !
د. مقبل صالح أحمد الذكير
أستاذ الاقتصاد، جامعة الملك عبد العزيز
mdukair@yahoo.com
كشف " سايمور هيرش " الحائز على جائزة بولتزر الصحافية والذي سبق أن كشف عن فضيحة سجن أبو غريب في تقرير أعده لمجلة " نيويوركر " الأميركية في الأسبوع الماضي، أن الهجوم الإسرائيلي على لبنان كان مبيتا ومخططا له مسبقا من قبل إسرائيل وصقور الإدارة الأمريكية من المحافظين الجدد. كما أوردت صحيفة " الغارديان " البريطانية أن صقور الحكومة الأمريكية شاركوا في التخطيط المسبق للهجوم الإسرائيلي على لبنان قبل قيام حزب الله بخطف الجنديين الإسرائيليين .
وأكد " آلآن هارت" الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن، من جانبه في محاضرة ألقاها في الأسبوع الماضي، أن إسرائيل كانت تخطط للهجوم على لبنان لسببين : الأول أن جنرالات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ظلوا طيلة السنوات الست الماضية يفكرون بطريقة لاستعادة هيبة الجيش الإسرائيلي المجروحة منذ أجبرته المقاومة اللبنانية على الانسحاب من جنوب لبنان بعد الغزو الشاروني للبنان عام 1982 ! والسبب الثاني هو الرغبة في إجراء تطهير عرقي لجنوب لبنان إلى ما وراء نهر الليطاني لتنفيذ مخطط قديم وضعه " بن غوريون " أول رئيس وزراء إسرائيلي ، الذي يرمي إلى صنع حدود لإسرائيل من موانع طبيعية ( نهر الليطاني من الشمال، ونهر الأردن من الشرق ) .
إن المراقب لتاريخ إسرائيل يلاحظ أنها دولة لا تستطيع البقاء إلا من خلال الحروب والتوسع، الذي يضمن لها استمرار تدفق المهاجرين والمساعدات المالية السنوية من أثرياء اليهود في العالم، وهما العنصران اللازمان لبقائها وفقا لنظرية الراحل د. هشام شرابي أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون. ويؤكد هذه النظرية الأستاذ هارت الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن، بقوله أن موشى دايان وزير الحرب الإسرائيلي في الستينات قد ذكر له : " أنه حتى لو لم يعطينا الرئيس جمال عبد الناصر مبررا لشن حرب عام 67 ، فإننا كنا سنخلق مبررا لشن حرب في غضون 12 إلى 18 شهرا " ! وقد روى لي ذات مرة أحد كبار تجار المجوهرات المحليين، كيف اسّر له بمضض مليونير وتاجر مجوهرات يهودي يحمل الجنسية السويسرية عن الضغوط السنوية الكبيرة التي يواجهها من المنظمات اليهودية لزيادة مساعداته المالية للدولة العبرية .
لكن على الرغم من زيادة الطغيان الإسرائيلي في السنوات الأخيرة ، فإن هناك رأيا أخذ يتسع بين المراقبين الدوليين في أن ما نشاهده اليوم في منطقة الشرق الأوسط، إنما يعكس بداية النهاية " للدولة الصهيونية الإسرائيلية ". فالأستاذ " هارت " يرى أن إسرائيل كتبت أول حروف نهايتها من خلال حربها الأخيرة علي لبنان. فقد أدت هذه الحرب إلى سقوط قوة الردع الإسرائيلي ، واكتشاف قوة جذوة المقاومة الشعبية، بعد الصمود الملفت للمقاومة اللبنانية في مواجهة رابع أقوى جيش في العالم. بينما يرى " زبيغنيو بريزنسكى " مستشار الرئيس الأمريكي السابق كارتر للأمن القومي، أن استمرار سياسية المحافظين الجدد المدمرة، سوف يؤول في نهاية الأمر إلى إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، وعندها ستكون هذه اللحظة هي بداية النهاية لدولة إسرائيل ! وهذا يتوافق عموما مع وجهة نظر أستاذ التاريخ الانجليزي الشهير " أرلوند تونبى " صاحب نظرية التحدي والاستجابة، الذي كان يرى أن قيام دولة يهودية في محيط عربي وإسلامي يمثل تحديا كبيرا لابد أن يولد استجابة لمواجهته يوما ما .
ويكاد يتفق عدد غير قليل من السياسيين والمفكرين الاستراتجيين في مختلف دول العالم على أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة – تحت قيادة مجموعة ما يسمى بالمحافظين الجدد – أصبحت تنزلق يوما بعد آخر في أخطاء جسيمة، مما يشكل خطرا متعاظما على استقرار العالم. فقد وصف " زبيغنيو بريزنسكى " - مستشار الرئيس الأمريكي كارتر للأمن القومي - هذه السياسة بالحمقاء، وأنها جعلت من الصعب الآن الفصل بين المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية والمشكلة العراقية والمشكلة الإيرانية ! ويؤكد " باتريك سيل " أن الولايات المتحدة وإسرائيل تخسر على كافة الجبهات، ومع ذلك فهناك من يدفع بجنون من داخل الإدارة الأمريكية وخارجها إلي توسيع رقة الحرب لتشمل سوريا وإيران .
وهناك من يذهب بعيدا مثل ليندون لاروش ( وهو مفكر ومرشح أمريكي سابق للرئاسة ) معتقدا وجود خطة لدى أصحاب المصالح المالية العالمية ينفذها لهم المحافظين الجدد بنشر الفوضى في عدد من مناطق العالم كشبه القارة الهندية وشرق آسيا وأمريكا الجنوبية بالإضافة للشرق الأوسط، عن طريق إشعال سلسلة من الصراعات والحروب الفاشلة التي لا غالب فيها ولا مغلوب لتعم العالم بأجمعه وتدفع إلى حرب عالمية دينية تشبه "حرب الثلاثين عاما ".
إن العداء واسع النطاق لسياسة الإدارة الأمريكية الحالية، ليس فقط في العالم العربي والإسلامي ، بل في أنحاء عديدة من العالم دفع مرشح الرئاسة الأمريكية السابق عن الحزب الديمقراطي " باتريك بوكانن " للتحذير من الاستخفاف بقوة العقيدة الإسلامية التي صمدت لمدة قرنين من المواجهة مع الغرب وتغلبت على مسيرة التغريب والمد الشيوعي والقومي، وتبدى الآن مقاومة كبيرة تجاه القوة العالمية الأخيرة. وهو يرى صدق نبوءة " هيلير بيلوك " من أنه بينما تحتضر النصرانية في أوروبا، فإن الإسلام ينهض ليزلزل القرن الواحد والعشرين كما زلزل القرون السابقة. وإذا أمسكت فكرة الحاكمية الإسلامية بعقول الجماهير الإسلامية فكيف يمكن لأحسن الجيوش علي الأرض أن يوقفها ؟ ألم يقل " فيكتور هوجو " ذات مرة : " ليس هناك جيشا أقوى من فكرة حان وقتها " ؟
ووصف رئيس الوزراء التركي " اردوغان " الانحطاط الذي بلغته السياسة الأمريكية بأنه يعكس ثقافة عنف، ولا يمكن أن يمت بأي صلة لما يفترض أن تكون عليه سياسة دولة عظمى ذات مسؤوليات دولية نحو ضبط العلاقات الدولية لضمان الاستقرار والسلام العالميين اللازمين لتوجيه الجهود الإنسانية نحو الاستقرار والسلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية .
إن العالم اليوم أمام طريقين، إما إيقاف المظالم والبحث عن خيارات السلام الحقيقي، أو استمرار سياسة الغطرسة من قبل الأقوياء التي ستؤول إلى اضطرابات تؤدى لانتشار حروب لن تكون بين جيوش نظامية، وإنما بين منظمات مقاومة وطنية وجيوش نظامية معتدية .
__._,_.___
منقوووول
مع الحب .... أبوتركي الحربي