هل تذكرون عندما كنا نعد دقات قلوبنا القلقة بانتظار رنة الهاتف؟
هل تذكرون تلك الرسائل التي كنا نخطها بدموع عيوننا؟
هل تذكرون سهر الليالي وتنهيدة القلب والآهات؟
هل تذكرون الأيام والشهور التي قضيناها بانتظار ساعي البريد؟
هل تذكرون القلق والأسئلة التي كانت تشل تفكيرنا: أين هو / هي؟ مع من؟ متى يعود؟ هل تذكرون ذاك الوجع الذي كنا نحس به في الداخل، والذي لم نكن نستطيع تفسيره ولا تحمله عندما نشتاق؟
هل من المعقول أن كل تلك المشاعر لم يعد لها وجود الآن..؟!
صناديق البريد تجلس على كتف الطريق تبكي أيام عزها الغابر، وساعي البريد الذي كان محبوب الجماهير وهو يحمل الظرف المعطر من حبيب إلى حبيبته، أصبح عاطلا عن العمل. في يومنا هذا، ومع تعدد وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة المتاحة للجميع، من طفل الروضة مروراً بالمراهقين، وصولا إلى الأجداد والجدات، لم يعد هناك مجال للشوق، فبكبسة زر يمكنك أن تبعث برسالة هاتفية ويصلك الرد في ثوان، وبكبسة أخرى يمكنك ان تتصل بـ «جوك العاطفي» أينما كان، ولو كان في نزهة عند حدود سور الصين العظيم، وبكبسة ثالثة يمكنك أن تبحث عنه وتجده وتسمره أمامك، فتراه ويراك عبر شاشة الكمبيوتر، حتى لو كان فوق قمة الهملايا.
لم نعد ملتاعين بالشوق، ولا عاد جمره يشوي القلوب الضعيفة، ولا عاد يشغلنا ذاك السؤال «أين هو؟».. فكل شيء أصبح متاحاً، بالصوت والصورة، فلمسة خفيفة كفيلة بأن يصبح من نريده تحت أنظارنا وأسماعنا، تنقله لنا أجهزة التكنولوجيا الحديثة، من دون تعب، وأحيانا كثيرة من دون مصاريف. هواتف نقالة، وأجهزة كمبيوتر شخصية، ورسائل ألكترونية وأخرى هاتفية، وكاميرات محادثة، و«بي بي ام» وشات ومسنجر.. والذي منه.
تباً للتكنولوجيا..فلقد اشتقنا للشوق..!
ماذا لو؟
ماذا لو اعترفنا (ولو لأنفسنا فقط) بحقيقة مشاعرنا؟
ماذا لو اعترفنا بأن الابتعاد عن الآخر ونكران عواطفنا ما هما إلا خوف من أن نفقده؟
ماذا لو اعترفنا بأن الإساءة الى الآخر ما هي إلا غيرة منه؟
ماذا لو اعترفنا بأن حزننا وكآبتنا ما هما إلا شوق لا علاج له؟
ماذا لو اعترفنا بأن اتهامنا بعضنا لبعض بالتكبر والغرور ما هو إلا إحساس بنقص فينا؟
ماذا لو اعترفنا بأن الغضب والزعل ما هما إلا وسيلة أخرى لقول كلمة «احبك»؟
ماذا لو كنا صادقين مع أنفسنا ومتصالحين مع ذواتنا.. واعترفنا بحقيقة عواطفنا من دون أن نخفيها أو نغطيها أو حتى نجمّلها أو نجاملها؟
افتقدت ان اشتاق... لكل من اشتاق الي