1/سأعرض الليلة بين يديكم مشهد اجتماعي مرتبط بخطأ في التصور، اكتشفت خطأ التصور من خلال مناقشة بعض المراهقين والشباب،ولاحظت بينهم "مبرر" مشترك
2/في أكثر من مرة أجد مراهقا يخاطب والده أو والدته بأسلوب "فظ"، إما جوابا على سؤال والدته: (أين كنت؟) أو ردا على توجيه والده: (هدئ السرعة) مثلا
3/ومن صور سوء الأدب مع الوالدين: عدم الرد على اتصالات الوالدة بالجوال، وتركها تتلمظ، وخصوصا إذا كان الشاب شديد الحفاوة باتصالات زملائه
4/وأكثر صور سوء الأدب مرارة:حين ترى الشاب"يرفع صوته"على أحد والديه،هذه التي لا يحتملها دين ولا مروءة،أقسم بالله أنني أغلي إذا رأيت هذا المشهد
5/وتلاحظ أنه تزداد فظاظة كثير من المراهقين أو الشباب في حالات الاستيقاظ من النوم، أو حالات تعكر المزاج، أو حالات الانشغال بموعد مع أصدقائه
6/وأما مشاهد البر فأكثرها جمالا وبهاء وجاذبية تسحر النفوس: أن ترى الشاب مطرقا أمام والدته وهي تعاتبه، وهو يردد (سمّي..سمّي..) لا ينبس بغيرها
7/فإذا انتهت والدته من عتابها قام وقبّل رأسها ومضى حتى تهدأ نفسيتها، هذا المشهد يخلب الأرواح جلالاً ورب الوالدين
8/حتى أنني لا أحب أن يقول الابن كلمة، وأمه تعاتبه؛ غير كلمة (سمّي) .. حتى لا يخدش جمال المشهد .. إنه (إطراق البررة أمام والديهم)
9/حسناً .. أظن أنني استغرقت في رواية بعض المشاهد، دعنا نعود للموضوع الأساسي، وهو تحليل التصور الخاطئ الذي تسبب في بعض مشاهد العقوق الشبابية؟
10/الحقيقة أنني سبق أن ناقشت عدد من المراهقين والشباب وسألتهم: لماذا يخاطب والديه بفظاظة؟ لماذا يرفع صوته؟ لماذا لا يطرق ويخضع ويصمت ويتأدب؟
11/كان أكثر الأجوبة تكرراً هو أن الشاب يقول: أن والده أو والدته هو الذي (ينرفزني) أو يقول: تلطفت لوالدتي لكنها تستمر في التذمر والمعاتبة،الخ
12/حسنا..هذا الاعتذار والتبرير الذي يقوله بعض الشباب يكشف تصور مسبق، ويكشف فعلا أن هذا التصور المسبق من أسباب خلل السلوك، فما هو هذا التصور؟
13/أظن أن التصور المغلوط المسؤول عن صور العقوق الشبابي: الخلط في نظام العلاقات، وافتراض أن الوالدين يجب أن يتعاملوا مع الابن كما يعاملهم الابن
14/باختصار شديد: كثير من الشباب يتعامل مع والده أو والدته كما يتعامل مع صديقه: تحترمني أحترمك، ترفع صوتك علي أرفع صوتي عليك، وهكذا
15/العلاقة بين(الصديق والصديق) هي علاقة(أنداد) وأما العلاقة بين(الوالدين والابن) فهي علاقة(أدنى لأعلى)، كما في البخاري (ليس الواصل بالمكافئ)
16/هذا يعني أن الابن حين تقول له:لماذا ترفع صوتك على والدتك؟ فيقول لك هي اللي تنرفزني، فهذا يعني أنه افترض أن أمه يجب أن تعامله معاملة الند!
17/مفاهيم(التربية الحديثة)المستوردة من المجتمع الغربي فيها أفكار مبدعة ومبرهنة علميا، لكن أيضا: فيها أخطاء فادحة ومنها(تحريض الابن ضد والديه)
18/مفاهيم(التربية الحديثة)نشأت في بيئة غربية متخلفة عن هدي القرآن في تعظيم حق الوالدين،ولم تستطع أن تتطور وتتقدم إلى المعدن الأخلاقي القرآني
19/قارن كيف تشحن التربية الغربية الحديثة الابن بأن من حقه مناقشة ورفض أوامر والديه، وقارن ذلك بقول الله (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة)..شتان!
20/هذه الآية تقفز لذهني مرارا وتكرار،ولا أسأم من التمعن في صياغتها التي تفيد غاية الأدب حتى يصل لمرحلة "الذل" (واخفض لهما جناح الذل).. أرأيت؟!
21/تأمل كون الله أرسل الرسل وأنزل عليهم الكتب السماوية لبيان التوحيد بسبب تعظيم الله وحبه له، ثم انظر كيف يقرن الله حق الوالدين بالتوحيد!
22/التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل الكتب يقرنه الله بحق الوالدين:(وقضى ربك أن لا تعبدو إلا إياه وبالوالدين إحسانا)(أن اشكر لي ولوالديك)
23/تأمل الشعائر وكيف أن أعظمها الصلاة، وأنه لا كفر وقتل على ترك عبادة إلا الصلاة، ومع ذلك يجعل النبي حق الوالدين بعد الصلاة كما في البخاري
24/تمعن منزلة الوالدين:في البخاري:(سألت النبي:أي العمل أحب إلى الله؟قال:"الصلاة على وقتها"قلت: ثم أي؟ قال"بر الوالدين") الوالدان بعد الصلاة!
25/ (الوالدان) فرصة استثمارية للمستقبل: تأمل (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما؛ فلم يدخل الجنة)مسلم
26/بل تذكر معي كراهية الله للشرك والمشركين، ثم تأمل كيف تعامل القرآن مع الوالد الداعية للشرك، الشرك الذي يبغضه الله وأرسل الرسل لمحاربته
27/(وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)..يا ألله الأب"داعية شرك" ومع ذلك يأمر بمصاحبته بالمعروف!
28/يأمر الله بالتطلف للوالدين حتى لو كانو أعداء لله ذاته بدعوتهم للشرك! فكيف بالله عليك سيكون حق الوالد المسلم المصلي ومنزلة بره عند الله؟!
29/يارب أكرمنا وشرفنا وارفعنا ببر والدينا،يارب إن في نفوسنا شوقا وشغفا لبر والدينا، اللهم اشف نفوسنا ببرهم،اللهم أثلج أكبادنا بالإحسان إليهم
30/ما سبق كان بعض الخواطر حول أمر عظيم أدهشني تعظيم القرآن له وهو (التذلل للوالدين)، وتصبحون على خير