بسم الله الرحمن الرحيم
حول العالم
ببساطة لا تفعل شيئا
فهد عامر الأحمدي
كنا ومازلنا نسمع من ينصحنا باستغلال أوقات الفراغ ... كانوا ومازالوا يحذروننا من "الفضاوة" وكيف انها بداية للصياعة والانحراف ...
كانت ومازالت القاعدة التربوية تقوم على شغل الفتى بأي هواية كي لايفكر في ال(…) ولا ال(…) ولا حتى ال(...).
أنا شخصيا اكتشفت أن كل ذلك هراء في هراء، فعلى العكس تماماً قد يكون أفضل ما نفعله في أوقات الفراغ هو أن لا نفعل شيئاً على الإطلاق . فوقت الفراغ نعمة إن سنحت لك فاسترخ فيها بعيداً عن مصادر الإزعاج ..
الفكرة التي توصلت إليها أننا في زحمة الحياة لانستعمل أدمغتنا ولانستغل الحد الأدنى من إمكانياتها .. كل يوم ننفذ أعمالاً مكررة ونتبع قواعد وضعها أشخاص غيرنا؛ لامجال للمبادرات الشخصية ولا وقت للتأمل والتفكير ومراجعة الذات .. أما حين نعود للمنزل (حيث يفترض السكينة والهدوء) فنجد أنفسنا عالقين في صراخ طفولي وصراع صبياني وحين تهدأ الأمور نسبيا نسلم عقولنا طواعية للفضائيات تلعب حتى ننام ..
باختصار .. في هذا الزمن المزدحم أصبح الفراغ نعمة ينطبق عليها حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم
[ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ].
السؤال هو: كيف نخلو بأنفسنا ونفكر بما حولنا؟.. كيف نستقطع وقتا للتأمل والتخطيط ومراجعة الذات؟
الجواب ببساطة : لا تفعل شيئا على الإطلاق (بما في ذلك مشاهدة التلفاز وقراءة الصحف) ..
فحين لاتفعل شيئاً ستجد أن إمكانياتك الذهنية تتعاضد بدون إرادتك لحل أبرز معضلة تشغلك ... أنا شخصيا (حين يمُن عليّ الله بيوم هادئ لا أكتب فيه مقالاً أو يخرج الأطفال بدوني) أطفئ أضواء البيت وأغلق التلفاز واستلقي على أريكة مريحة . فحين يخيم الصمت ويغرق المكان بالظلام اكتشف عالما داخليا شديد الروعة والصفاء .. وما إن تجرب ذلك حتى تلاحظ أن مخك بدأ يعمل لوحده (ولن تستطيع إيقافه وكأنه جني استيقظ من سبات طويل) . وستدرك حينها فقط أنه لم يعمل بهذا النشاط منذ زمن طويل ؛ فأنت إما لاتترك له فرصة للعمل أو أنك أجرته للتلفزيون والبلوت أو حتى استهلكت طاقاته في مناقشات عقيمة وصراعات تافهة .
ولا أدعي أنني أول من اكتشف هذه الحقيقة الكسولة ؛ فقد قالت العرب قديما "الخلوة أخت العبقرية".. وقال الفيلسوف الفرنسي باسكال "08 % من مشاكل البشرية ستختفي لو تعلم الناس الاختلاء بأنفسهم في غرفة مظلمة"..وحين استدل الأديب الساخر برنارد شو : "لماذا تختلي بنفسك دائما؟" فقال : "لأنني أحب الجلوس مع رجل ذكي" .. أما الصينيون فرغم نشاطهم المعهود يملكون فلسفة جميلة تقوم على تقديس الفراغ المثمر والخمول البناء (إن جاز التعبير) . وهم يعتقدون أن الحكمة والمعرفة نتيجة طبيعية للتأمل وعمل لاشئ تاركين للأفكار العظيمة فرصة للتداعي (والهبوط) دون تخطيط مسبق .. وبهذا الخصوص يقول الفيلسوف الصيني لين يوتانغ (5981-0791): " في الصين الابداع والخمول وجهان لعملة واحدة … أكثر الرجال حكمة أكثرهم استغراقا في التأمل بدون حركة ، أو عمل … المعادلة ببساطة هي أن الحكماء ليسوا مشغولين والمشغولون ليسوا حكماء"...
وهو قول يذكرني بالإمام الشافعي الذي وضع ستة شروط لتحصيل العلم :
ذكاء وحرص، واجتهاد، وبُلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
والبُلغة أيها السادة كفاية الرزق دون انشغال بوظيفة أو متابعة أسهم.
كان هذا مقال أ / فهد عامر الأحمدي .
منقوووووول