بعض الفوائد من وصايا لقمان لابنه:
- الفائدة الأولى:
...،ومن الحكمة أن تسير على منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوة الناس وتريبتهم على دين الله؛ تبدأ بالأهم فالأهم .
فلا شك أن العقيدة والتوحيد وتطهيرالعقول والمجتمعات من الشرك هذا هو الأساس الأصيل الذي لا يجوز أن يُبدأ بشيءقبله،والذي يتجاوز هذا المنهج ويخترع مناهج تخالف هذا المنهج فقد ضل سواء السبيل.
- الفائدة الثانية:
عن عبداللَّهِ رضي الله عنه قال: لَمَّا نَزَلَتْ هذه الْآيَةُ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ولم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ شَقَّ ذلك على أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: أَيُّنَا لم يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟! ، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( ليس كما تَظُنُّونَ إنما هو كما قال لُقْمَانُ لإِبْنِهِ: يا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( فبين لهم أن المراد بالشرك إذا أطلق إنما هو الشرك الأكبر والكفر العظيم الذي يستحق صاحبه غضب الله الشديد وتعذيبه الخالد المؤبد؛ ذنب لا يغفر ولهذا قال لقمان:﴿إن الشرك لظلم عظيم ﴾.
- الفائدة الثالثة:
قال الله تبارك وتعالى بعد ذلك : ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْسَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ .
إذا أمراك بمعصية الله؛ كبيرة كانت أم صغيرة، وعلى رأس المعاصي الشرك بالله، فلا تطعهما، فليس لهما أي حق أن يأمراك بمعصية الله شركا كان أو غيره ( لا طاعة لمخلوق في معصيةالله ) فإن أعاناك على طاعة الله ووجهاك وربياك التربية الصحيحة فهذا لهما ، وإن انحرفا وجاهداك واجتهدا على أن تدخل في الشرك بالله عز وجل وتقع فيه ،فلا طاعة لهما،ولكن لا يسقط برهما ولو جاهداك وآذياك لتكفر بالله عز وجل فعليك أن لا تنسى حقهما، ﴿ وصاحبْهُمَا في الدنيا مَعرُوفًا ﴾ يعني؛ تحسن إليهما وتبرهما وتنفق عليهما ولو كانا كافرين، وتبرهما في غير معصية الله؛ تخدمهما والمطالب التي يطلبانها منك عليك أن تقوم بها، وهذا من المعروف؛ كل ما يطلبانه مما ليس بمعصية فعليك أن تقوم به .
فحق الوالدين لا يسقط، ولو وقعا في بدعة، ولووقعا في الشرك، فإنه لا بد أن تصحابهما في الدنيا معروفا.
- الفائدة الرابعة:
يجب على المسلم أن لا يغفل عن هذين الوصفين؛ العلم المحيطوالقدرة الشاملة ويستحضر بقية أسماء الله وصفات كماله؛فإنه كلما استحضر كمال الله بصفاته وأسمائه كلما ازداد له هيبة وحياء وتعظيماوإجلالا وخوفا ورغبة ورهبة؛كلما استحضر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا كلما وُجدت هذه المعاني والآثار الطيبة في نفسه،وهذاتوفيق من الله؛ من أراد الله توفيقه منحه هذه الذاكرة الطيبة والمشاعر النبيلة ﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ (الكهف 28) فنعوذ بالله من الغفلة والنسيان؛ والغفلة عن ذكر الله والغفلة عن استحضار عظمته وجلاله سبحانه وتعالى وقدرته وعلمه واطلاعه وعدله سبحانه وتعالى وإحسانه وكرمه .
بعد هذا التنبيه العظيم لابنه والوعظ الأكيد بأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا ومعناه احذر أن تعصي الله تبارك وتعالى، احذر أن تعصي الله؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- شهيد مطلع وقدير على كل شيء، يحصي عليك كل شيء .
-الفائدة الخامسة:
احرص على أن تخشع في صلاتك؛أن تنسى الدنيا؛ تنسى المال والعيال وتنسى كل شيء ولا يبقى في ذاكرتك إلا استحضار عظمة الله سبحانه وتعالى وتدبر ما تتلوه من الآيات التي تزيدك إيمانا .
- الفائدة السادسة:
المعروف ما يعرفه الشرع ويدعو إليه، والمنكر ما ينكره الشرعويستحقره ويحذر منه وينهى عنه؛فتأمر بكل معروف بدءاً من التوحيد إلى آخر حسنة من الحسنات ،إلى الأمر بإماطة الأذى عن الطريق؛ فإن ( الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فأنت تأمر بهذا المعروف بدءًا من لا إله إلا الله مُرورًا بالصلاة، بالزكاة، بالصوم، بالحج، بِبِرّ الوالدين، بالأخلاق الطيبة إلىأخره إلى آخر شيء وأدنى مراتب الإيمان: إماطة الأذى من الطريق؛ هذه كلها من الإيمان ومن المعروف الذي يجب أن يقوم به المسلمون .
والمنكر: الشرك والبدع والكبائروالصغائر والمعاصي والأخلاق المنحرفة وإلى أخره؛كل ماينكره الشرع والعقل؛ العقل السليم الذي يوافق الشرع ،كل ذلك منكر والتقاليد السيئة واتباع الأعداء والانقياد لهم والتشبه بهم وإلى آخره.
وتخلّصوا من تقليد الغرب ومن تقاليده السيئة -بارك الله فيكم- لا تقلدوا أعداء الله، عندنا معروف وعندنا أخلاق وعندناعادات عالية رفيعة، وهم عندهم عادات ساقطة؛ يأكلون لحم الخنزير ويستبيحون المحرمات وهبوط أخلاقي لا نظير له ودياثة و... و... إلى آخره،فكيف نتشبهبهم وهم أسقط خلق الله وأحطّهم ؟! لا نتشبه بهم أبدا -بارك الله فيكم- .
- الفائدة السابعة:
حارب نفسك من الكبر؛ خُلُق خبيث يدفع إلى الكفر وإلى احتقار الناس وإلى رد الحق. لهذا؛ هذا الحكيم وصى ابنه أن لا يصعِّر خده للناس؛ أن لا يتكبر على الناس؛فلا يكلمك أحد وأنت شامخ مُعرض عنه، تواضع؛أنت إنسان مسكين، ضعيف، خُلِقت من تراب، خُلِقت من منِّيٍ وتتغوط وتزور الحمام مرات كل يوم، كيف تتكبر ؟!
كيف تتكبر على الناس وأنت هذا حالك، من أنت ؟!
ثم لو تصيبك شوكة تبكي منها كيف تتكبر على الناس ؟!
...وأن من احقر الناس المستكبرون - لا أحقَرَ من المتكبر، ولا يتكبر إلا من دناءة وانحطاط خُلُقِي ونفسي.
- الفائدة الثامنة:
جاء وفد عبد القيس إلى النبي صلى الله عليهوسلم ونزلوا قريبًا من البقيع ووضعوا رواحلهم هناك ومشوا فورا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وبقي الأشج؛تأخّر، ولبس أحسن ثيابه ،وجاء يمشي في سكينة، وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، قال له: ( إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله: الْحِلْمُ وَالأَنَـاةُ ) يقابل الحلم والأناة: الطيش والسفاهة ، فحذار حذار مما يُنافي هذين الخُلقَين، فقال: يا رسول الله : أخُلقين تخلّقتُ بهما ؟ أم خلقين جُبلت عليهما ؟, فقال: ( بل خُلقان جُبِلْتَ عليهما) فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله تعالى.
الله يُحب الحلم والأناة، ويبغض العجلة والطيش وما ينافي هذين الخلقين ,فاحرصوا على التخلق بهذين الخلقيين الذين يحبهما الله.
- الفائدة التاسعة:
وقال له: ﴿ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ وأخذ العلماء من هذاأنه لا يجوز رفع الصوت؛ ) فلا ترفع صوتك إلا بقدر الحاجة؛إذا كان عندك واحد أو اثنين وأنت تصيح وترفع صوتك ؛فالصوت يكون على قدر الحاجة.
(بتصرف من دروس الشيخ الدكتور ربيع المدخلي)
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى