حدثنا سليمان بن حرب قال: عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه ، وقال: قال ابن عباس: "مآرب" حاجات قال طاوس: "غير أولي الإربة" الأحمق لا حاجة له في النساء ) . صحيح البخارى
شرح الحديث :
معنى (يباشر) هنا مأخوذة من البشرة وهو ظاهر الجلد ويراد بها هنا : القبلة ، واللمس لشهوة ،وهو من عطف العام على الخاص ،فالخاص القبلة والعام المباشرة .
وأصل المباشرة التقاء البشرتين ، ويستعمل في الجماع سواء أولج أو لم يولج . وليس الجماع مرادا بهذه الترجمة.
(إربه) بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة التحتية ،المراد بها هنا :الذكر خاصة ،والمعنى : أنه كان غالبا لشهوته .
قال النووى :رويت هذه اللفظة بكسر الهمزة وإسكان الراء ،وبفتح الهمزة والراء ،ومعناها بالكسر :الحاجة ،وكذا بالفتح ،ولكنه أيضا يطلق على العضو ،وأريد به الذكر من الأعضاء خاصة .
(أملككم) من ملك يملك ملكا وملكة ،وأملك إسم تفضيل ،قال فى (المحيط) :ملك نفسه عن شهوتها ،أى قدر على حبسها .
وقد اختلف بعض العلماء في القبلة والمباشرة للصائم : فكرهها قوم مطلقا وهو مشهور عند المالكية ، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر : " أنه كان يكره القبلة والمباشرة " ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمها ، واحتجوا بقوله تعالى : فالآن باشروهن الآية . فمنع المباشرة في هذه الآية نهارا ، والجواب عن ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هو المبين عن الله تعالى ، وقد أباح المباشرة نهارا ، فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها.
وممن أفتى بإفطار من قبل وهو صائم عبد الله بن شبرمة أحد فقهاء الكوفة ، ونقله الطحاوي ، وألزم ابن حزم أهل القياس أن يلحقوا الصيام بالحج في المباشرة ومقدمات النكاح للاتفاق على إبطالهما بالجماع ، وأباح القبلة قوم مطلقا ، وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة وبه قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة ، بل بالغ بعض أهل الظاهر فاستحبها ، وفرق آخرون بين الشاب والشيخ ، فكرهها للشاب وأباحها للشيخ ، وفرق آخرون بين من يملك نفسه ومن لا يملك كما أشارت إليه عائشة وكما تقدم ذلك في مباشرة الحائض في كتاب الحيض .
وقال الترمذي : ورأى بعض أهل العلم أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإلا فلا; ليسلم له صومه ، وهو قول سفيان والشافعي ، ويدل على ذلك ما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه " سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيقبل الصائم؟ فقال : سل هذه - لأم سلمة - فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك . فقال : يا رسول الله ، قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . فقال : أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له " فدل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء ؛ لأن عمر حينئذ كان شابا ، ولعله كان أول ما بلغ ، وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص .
وخلاصة القول فى هذا الحديث :
أن الحديث يدل على جوزا تقبيل الرجل لزوجته وهو صائم فى رمضان ويجوز له أيضا المباشرة ولكن مقيد ذلك بأن يعلم من نفسه ومن زوجته أنه لن تتحرك شهوة واحد منهما ،وإذا ظن الإنزال من مجرد القبلة أو الملامسة فتحرم عليه بلا خلاف ، ولكنها لاتكره ممن لا تحرك شهوته وكذا الملامسة وتكرار النظر حكمهما فى حكم القبلة.