مقاله للكاتب جعفر عباس بعنوان دعونا ننبح >>>>
كرهي لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، يفوق كرهي لجورج بوش الثاني حاكم عموم الكون، ذلك أن موقف بوش "أصيل"، بينما بلير مجرد "تابع"، ويزيد طينَه بلة أنه "يشيل وش القباحة"، وهذا تعبير سوداني لوصف الشخص الذي يتحمل مسؤولية الأفعال والأقوال غير المقبولة والمستساغة،.. وكان بوش قد قام مؤخرا بجولة إفريقية اعتذر خلالها عن قيام أجداده باسترقاق الأفارقة، وأعلن أن عهد الرق والعبودية انتهى، وفي كاريكاتور في التايمز اللندنية كان بوش يسير وهو يلعن تجار الرقيق ويسير وراءه بلير يحمل سلالا مليئة بالطعام مثل عبد ذليل!! التايمز صحيفة بريطانية، وبلير رئيس حكومة بريطانيا، ولو حاولت صحيفة عربية ترجمة ذلك الكاريكاتور ونشره لمنعتها الرقابة، بزعم أن الرسم يسيء إلى بلد "صديق"،..
أذكر أنني وأثناء عملي في إحدى الصحف كنت مكلفا بصياغة تقرير عن أول زيارة لبابا الفاتيكان لأيرلندا الشمالية، وكان البروتستانت قد قاموا بحملة قوية ترفض تلك الزيارة وغطوا الشوارع والجدران بلافتات تندد بالبابا باعتبار أن الزيارة تقوي موقف الكاثوليك "الانفصاليين"، واخترت مع التقرير صورة لافتة كتب عليها "اذهب إلى الجحيم يا بابا"، وبعد نشر التقرير هاج مدير التحرير: كيف تنشر صورة تسيء إلى شخصية لها وزنها، وتجرح مشاعر شريحة من القراء؟ قلت له إن السؤال ينبغي أن يوجه إلى الحكومة البريطانية التي لم تصادر تلك اللافتة ولم تدمر الجدار الذي كانت اللافتة مثبتة عليه!! ولكنه صاح في وجهي: تريد أن تجعل رأسك برأس البريطانيين؟ ألا تعرف أن ما يجوز لهم لا يجوز لنا بالضرورة؟
فهمت أن الرجل مزنوق من "فوق"، أي من جهة عليا!! وقلت له سبق السيف العذل، وبإمكانك أن تنشر غدا مقالا تهاجم فيه البروتستانت وتتهمهم بقلة الأدب... وانتهى الأمر على خير: خصم راتب يومين!! وحنانيك بعض الشر أهون من بعض، لأن التفنيش كان واردا!! ورغم كرهي لبلير إلا أنني أحترم أنه يعترف بحق أبناء وبنات شعبه في نقده، وبأنه ملزم بالرد عليهم دون اتهامهم بالخيانة الزوجية الوطنية، وهي تهمة تعني النوم في فراش دولة أجنبية، أي الجاسوسية والعمالة!! حقيقة الأمر أن الأجدر بالاحترام هو القانون الذي يعطي المواطن حق أن يفش غله في الحكومة، وبالمناسبة فإن الديمقراطية في كل تطبيقاتها الراهنة تسمح للمواطن بأن يتكلم على كيفه، وتسمح للحكومة أن تتصرف على كيفها، يعني المسألة بالنسبة للمحكومين "فشة خلق"، كما تقول حجة الإعلام ليليان أندراوس،.. ولهذا فليس مفهوما أن تصاب حكومة ما بالهلع لأن المواطنين ينتقدونها أو يهاجمونها، بدلا من العمل بمنطق الكلب ينبح والجمل ماشي.. يعني اعتبروا المواطن مجرد كلب وتذكروا أن من طبيعة الكلب النباح.. ويقال إن كلبا عراقيا تمكن من الهرب قبل سنوات إلى إيطاليا والتقى بكلبة خواجاتية سألته عن نوع الطعام الذي كان يقدم له في عراق صدام حسين، فقال الكلب إنه كان يتناول بعض اللحم العجالي في الصباح، وبعض السمك في الغداء، ونصف سطل لبن في العشاء، هنا صاحت الكلبة الطليانية الغندورة: يا حيوان، لن تجد هنا سوى الفضلات في مقالب القمامة وعليك أن تدخل في معركة مع الكلاب الأخرى للفوز ببعض الفضلات فما الذي حملك على ترك كل ذلك النعيم في بلادك؟ قال الكلب: خشيت أن أنسى النباح!!
جعفر عباس
الوطن السعودية