دخل عمر بن عبد العزيز المسجد، فرأى بلال بن أبي بردة، منزوياً يصلي، ويحسن الركوع والخشوع , فقال: إن يكن سر هذا الرجل كعلانيته، فهو أفضل أهل العراق. فقال العلاء بن المغيرة، وكان خصيصاً بعمر، أنا آتيك بخبره , فاقترب منه، وقال: اشفع صلاتك، فإن لي حاجة. فلما سلم، قال له: تعرف منزلتي عند أمير المؤمنين , فإن أشرت عليه أن يوليك العراق، فما تجعل لي؟ قال: عمالتي سنة. قال: فاكتب بذلك خطاً، حتى لا نختلف. فقام بلال من وقته وكتب. فحمل العلاء الخطاب، إلى عمر بن عبد العزيز , فلما قرأ الخطاب، كتب إلى واليه في العراق: أما بعد , فإن بلال غرنا بالله، فكدنا نغتر فيه.
سقنا هذه القصة , لنبين للناس أن العمل هو الذي يقرب مكانة المسلم من الله، وليس المشابهة للمسلمين في حركات صلاته أو في هيئته. وتلك حقيقة أكدها الحق سبحانه وتعالى بقوله:" ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ".
والسر في هذه الآية أنها أزالت عن المسلم أقنعة الإيمان الوهمية، وأظهرته في صورته الحقيقية , بما ثبت في قلبه، وجعلت العمل حقيقة الإيمان. وهي صورة تخالف الصورة التقليدية، التي جعلت بعض المسلمين وبخاصة من ينتمون إلى فئة ما، جعلتهم يدعون الكمال بين المحيطين بهم من البشر على ان تلك الفئة هي الفئة الوحيدة البريئة بين مجموعة من المذنبين الفاسدين التعساء. وهذا غير صحيح. فالإسلام دين العمل لا دين الادعاء.ففي القرآن الكريم يتكرر ذكر نفع العمل الصالح مائة واثنتين وعشرين مرة.كقوله تعالى " من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى، وهو مؤمن، فلنحيينه حياة طيبة،" ,وقوله سبحانه " إلا من آمن، وعمل صالحاً، فأولئك لهم جزاء الضعف، بما عملوا " ,وقوله "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى، وهو مؤمن،فأولئك يدخلون الجنة" ,وقوله جل شانه " يوم تجد كل نفس ما عملت، من خير محضراً، وما عملت من سوء، تود لو أن بينها وبينه، أمداً بعيداً " ,وقوله " وتوفى كل نفس ما عملت " ,وقوله تعالى " إنا لا نضيع، أجر من أحسن عملاً ".وغير ذلك كثير في كتابه سبحانه
وقيمة العمل الصالح عند الله كبيرة وثابتة بالنقل والعقل، نقول ذلك للذين يقفون برؤيتهم للإسلام والاهتمام بالسنة، عند حدود الإكثار من الحفظ ناسين أن الخشية هي العمل وليس كثرة الرواية، شاغلين أنفسهم بالشيء الوحيد الذي التزموه من طلبهم للعلم وهو الجرح والتعديل فيجرحون من لا يوافق مسلكهم وان توفرت فيه شروط العدالة وان كان من كبار العلماء ويعدلون من وافق سيرهم وان شهد الخلق بسوئه , وداعين الجميع إلى ضرورة السير ورائهم , مستخدمين في ذلك، مختلف أسلحة التأثير، والتبديع،بل والتخويف.
ويتألف جيش هؤلاء المبتدعة فعلا،من جماعة قلة-ولله الحمد- قد عرفوا بسواد الوجوه وان كان لونها ناصع البياض، من الذين لا عمل لهم-حقيقة- ولا حلم، يكثرون من اقتناء كتب السنة والقراءة فيها، والنقل منها، ولا يكادون يفقهون حديثاً.
وقد تمكنت بعض شعوب الكفر والإلحاد المهيمنة على كثير من البلدان الإسلامية، من استغلال هذه الفئة من المنهزمين، وتوظيفها لديهم في معسكرات صنع الأذهان. حيث تتولى فرق متخصصة، في تطويع نصوص القرآن والسنة، وتأويلها وليها، حسب ما تقتضيه مصالحها , فيفسرون القرآن على هواهم،ويلوون أعناق أدلة السنة لتثبت صدقهم، ويقومون بتبديع الآخرين، ويوهمون أنهم وحدهم على صواب غافلين عن أنهم في الحقيقة يخدمون أعداء الإسلام من حيث يشعروا أو لا يشعروا.
فيجب أن تدرك هذه الفئة المنهزمة أن المسلمين واثقون من سيرهم،لامسون التوفيق والسعادة من ربهم في عملهم،وللإنسان على نفسه بصيرة.
كما ليعلموا أن المسلمين-بما فيهم كثير من المسئولين-يرون أن من مات منهم يعتبر مستراح منه، والناس شهداء الله على خلقه في أرضه،والموتى أما مستريح من عناء تبليغ رسالة ربه أو مستراح منه لوقوفه في وج الحق الواضح وأهله.
ألا فليعود أولئك المتأسلفون إلى ربهم، وليذوبوا في خيرة مجتمعهم، لعل الله أن يتداركهم برحمته، ويرفع عنهم اليم عقابه، الذي ينتظرهم كيف لا وهم الذين يفتنون المؤمنين وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله.
وليثبت المسلم الراغب في التوفيق والسعادة في الدارين وليحذر من الانجراف إليهم طالبا الأمن فلا امن في الأمن من مكر الله عند المتصدي لعباد الله واطلب الموت توهب لك الحياة.
وما نراهم إلا سفراء الدجال ومستقبليه فجنتهم التي يعدون بها بالسير معهم نار، ونارهم التي يحذرون منها من خالفهم من أهل السنة جنة.
اللهم إنا نحمدك على ما نجده من سعادة بدينك،وعلى مافضلتنا به على كثير من خلقك وهم الكفار والمنافقين تفضيلا.
م ن ق و ل
المواضيع المتشابهه
هل سمعتم بسفراء الدجال ؟؟؟
العرض العادي
