فاجأت صحيفة الوطن قراءها صبيحة يوم السبت 12 / 2 / 1430هـ بنشر تفاصيل حدث اجتماعي خطير ، يعلن بكل صراحة ، وتحدٍ وإصرارٍ ، أنه يواجه سياسة البلد ويتحدى مؤسساته الشرعية والأمنية .
يكمن هذا الحدث في دعم الصحيفة لامرأة تزعم أنها كسرت الحواجز والقيود المفروضة على المجتمع والمرأة ، حين خرجت متنكرة في ثياب رجل إلى الصحراء مع الرجال الأجانب لتصوير مشهد تمثيلي أو أغنية ، وأردفت بعد ذلك بأنها تحضر إلى مدرجات الاستادات الرياضية ، لتشجيع فريقها ، متنكرة في ثياب الرجال ، مدعية أنها لا تخاف من أي ( جهة ) والمعروف أن ( الجهات ) في المملكة إنما تمثل سياسة الدولة كل في مجال تخصصه .
وعليه .. فليست المشكلة فيمن سمَّت نفسها ( مخرجة إعلامية ) أغضبت ربها ، وتجاوزت نظم بلادها ، وخرجت مع الرجال الأجانب إلى الصحراء ( سامحوني ) تقول الصحيفة : كان معها محارمها ، قلت : عجبا !! صرتم تعترفون الآن بالمحرم وأنتم مَن حاول إسقاطه من قبل !! ( نعود ) وارتدت لباس الرجل ، لتقف وجها لوجه أمام قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لعن الله المرأة تلبس لبسة الرجل ... " وتنكرت به خوفا وخورا ، وجبنت عن ذكر اسمها كاملا ، واسم قبيلتها التي تنتمي إليها ، لكونها تعلم مغبة هذا الفعل الشنيع في صحراء المروءة والشرف .
ليست المشكلة في هذا كله ، فمثلها يفعل ذلك بحكم صغر سنها ، ونقصان عقلها ، وضعف إيمانها ، والحياء مرتبط بالإيمان ، لكن المشكلة العظمى ، والداهية الكبرى أن تتبنى صحيفة تحمل اسم ( الوطن ) هذا الجنوح ، فتنشره على صفحتها الأولى ، وتحرض عليه ، وتتبناه موقفا بطوليا كسرت فيه المخرجة ( المزعومة ) نظام البلد ، بلهجة التحدي الصارخ ، التي تنادي بأن يتولى الأفراد كسر طوق الطاعة لولاة الأمر ، والخروج على نظام البلد ، وتحدي مؤسساته الشرعية والأمنية وغيرها ، والاستخفاف ببنود ميثاق الشرف الإعلامي السعودي .
تأملوا عنوان الصحيفة ( قالت إنها لا تخاف من أي جهة ) فماذا تفهمون منه ؟؟!! أنا أفهم من ذلك أن الصحيفة تقول للناس : عند تمردكم على نظام البلد لا داعي للخوف من أي جهة ، لا من الإمارة ، ولا من الشرطة ، ولا من الهيئة ، ولا من المباحث الجنائية ، ولا الإدارية ، ولا غيرها .
والسؤال الذي يطرح نفسه : مادام أن صحيفة الوطن تبنت العنوان والمقال ، وأكدت أن المخرجة ( المزعومة ) لا تخاف من أحد ، فلماذا تنكرت مخرجتهم ( الشجاعة ) بلباس الرجل ؟ أهو الخوف من القبيلة ؟ أم الخوف من المارة ؟ أم الخوف من الهيئة ؟ أم الخوف من أي جهة حكومية أخرى ؟ أم الخوف من تجاوز عادات البلد وتقاليده التي ترفض مثل هذه المسالك الشاذة ، ولم الضحك على الذقون عندما تدعي المخرجة ( المزعومة ) أن المبرر لذلك هو : طبيعة العمل الفني ؟ وما دامت المسألة تحديا ، فلِمَ الخوف والتنكر ؟ أوليس التنكر من طبيعة المجرمين ؟ وأصحاب الفكر الضال ؟ لقد ذكرتنا حادثة التنكر هذه بالمثل العربي : ( كاد المريب أن يقول خذوني ) فأسقط التنكرُ بالملابس الرجالية قصةَ التحدي المزعومة التي تبنتها صحيفة الوطن .
لقد كانت صحيفة الوطن والمخرجة ( المزعومة ) وتلامذتها الممثلين والمصورين يؤمنون في قرارة أنفسهم أن ما فعلوه إنما هو خروج على سياسة البلد ونظامها الإعلامي ، إضافة إلى أنهم كانوا حريصين على عدم انكشاف الأمر قبل التقاط الصور ؟ سعيا إلى نشرها في الصفحة الأولى لإثبات التحدي ونشره على الناس ، في سابقة لم يحدث لها مثيل ــ فيما أعلم ــ في تاريخ إعلامنا من قبل !!
ثم ، من الجهة التي قامت بهذا العمل ؟ وهل وزارة الثقافة والإعلام كانت تعلم بحدث كهذا ؟ ومن هم أهل هذا الفكر ؟ ولماذا صيغ الخبر بلهجة التحدي ، بعد أن تمت ممارسته في الواقع جهارا نهارا ؟ !!! .
ترى .. من وقف وراء هذا العمل الغريب ؟ ولو ( طبَّت ) عليهم الشرطة أو الهيئة أو ( المجاهدين ) فماذا سيكون مصيرهم ؟ أم أنهم يحملون تصريحا ؟ ومن أعطى مخرجة نسائية متنكرة في ثياب رجل بين عدد من الرجال في صحراء الطائف تصريحا بهذا الصنيع المنكر ؟ ( سامحوني مرة ثانية ) الذي أعرفه أن هناك صحارٍ شاسعة في شمال جدة وجنوبها ، فلماذا تركت الصحيفة والمخرجة ( المزعومة ) وطاقم التصوير والتمثيل جدة وانتقلوا إلى صحراء الطائف ؟ أخشى أنها ( حاجة في نفس ثعلوب قضاها ) ( نعود ) وهل هذا هو الفن الذي يريده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في مجتمع متدين محافظ ؟ .
إن قلبي يحدثني بأمرين أحلاهما مر : إما أن الأمر مفتعل مختلق ( لا تمثيلية ولا أغنية ولا يحزنون ) وإنما هو عمل فردي غير مسئول للفت الأنظار ، وتجريب كسر الحواجز والقيود ، وإما أن الأمر كما وقع ، لترويج هذه الجرأة ، وجس النبض بها ، وإلا فقولوا لي بربكم : هل لدينا مخرجات يسمح لهن بمثل هذا الصنيع ؟! وهل يجوز لهن شرعا وعرفا وفطرة ونظاما ممارسة مثل هذا السلوك ؟ .
ونحن ــ بهذه المناسبة ــ نطالب صحيفة الوطن التي تبنت هذا الفكرة المتجاوزة ، أن تحدد لنا القيود التي فرضها نظام البلد على الرجل والمرأة من خلال أنظمته العامة ، ولوائحه الخاصة بكل منشأة ، لنقوم بعملية عقلية تحليلية ، نحدد من خلالها ما يجوز كسره ، وما لا يجوز ؟ لنحاكم إليه ما فعلته الصحيفة ذاتها وما فعلته المخرجة ( المزعومة )؟ من أجل أن نقف على مكان هذا الفعل في وثيقة الإعلام السعودي ؟ وبالتالي نخرج بنتيجة نهائية تؤكد لنا هل الصحيفة كانت شريكة في هذا الخرق حين حضرت مشاهد التمثيل وصورتها ونشرتها بلغة استفزازية صرفة ، أم لا ؟
لقد صرح المسؤول الأول عن الإعلام في بلادنا، صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ــ حفظه الله ــ بأن الإعلام قد تجاوز حده في نشر ما يسيء لعقيدة المجتمع وأخلاقه وعاداته وتقاليده ، وعليه ، فنحن نطالب سموه الكريم ــ وهو المعروف بنزاهته وصراحته ومنطقية طرحه ــ بمحاسبة الصحيفة التي تولت كبر هذا الخروج السافر ، ومحاسبة رئيس تحريرها ، ومراسلها ، والمخرجة ( المزعومة ) والممثلين ، بالطريقة التي يراها مناسبة ، حتى لا نتفاجأ في المستقبل القريب بعدد من المطالبات فيها تجاوزات مماثلة خارجة عن نظام البلد ، لعل من أخفها :
المطالبة بفك القيود المفروضة على تجارة المخدرات والقمار واللعب البيولوجي بالأجساد ، وافتتاح دور للانحرافات الأخلاقية ( في ظل عاداتنا وتقاليدنا السعودية ) .
المطالبة بفك القيود عن المرأة التي منعت من إمامة المصلين ، في المسجد الحرام والمسجد النبوي ، مع عذوبة صوتها ، وأثره العظيم في إحداث الخشوع ، واستجلاب المقصرين إلى المساجد ( في ظل عاداتنا وتقاليدنا السعودية ) .
المطالبة بفك القيود عن ( صغار المستثمرين ) المساكين ، والسماح لهم باستقطاب العمالة السائبة ، والإفادة من تخصصاتهم المختلفة ، فهم أرخص ثمنا ، وأكثر عطاءً ، وأشد تحملا ( في ظل عاداتنا وتقاليدنا السعودية ) .
المطالبة بفك القيود عن الشباب الجريئين ليلبسوا فساتين النساء ويقتحموا مدارس البنات ، وصالات أفراح النساء ( في ظل عاداتنا وتقاليدنا السعودية ) .
إن كانت ( صحيفة الوطن ) ترى أن فعل المخرجة إنما هو تحطيم للقيود المفروضة على المجتمع والمرأة ، فغيرها يرى أن ما ذكر أعلاه قيود على المجتمع والمرأة يمكن تحطيمها ، ولو حصل شيء من ذلك ــ لا سمح الله ــ فهل ستتبنى صحيفة الوطن حضور مشهد التجاوز وتصويره ، وإعلانه في صفحتها الأولى ، وبذات اللهجة التي استخدمتها في الترويج لعمل المخرجة ( المزعومة ) وإذا كانت جميع القيود يحكمها نظام سعودي واحد ، فلِمَ الترويج لكسر بعضه والتحريض عليه ؟؟!!
ومن يضمن لنا غدا ألا يخرج علينا شاب أو فتاة أو مجموعة من الشبان والفتيات ــ من أهل الغلو أو الانحلال ــ بعمل من الأعمال المتجاوزة لنظام البلد وسياسته ، محتجين بأن امرأة قد فلعت ذلك وتبنَّتها ( صحيفة الوطن ) وعدت ذلك بطولة من نوع جديد ، دون أن يحاسبهم على هذا الصنيع أحد .
لقد شهدت صحيفة الوطن أنها كانت جزءا من هذا الخروج على البلد وسياسته حين اعترفت بأنها حضرت تصوير المشاهد ــ يعني الشغلة مرتبة مسبقا ــ ثم نشرت الخبر على صفحتها الأولى بهذه اللهجة التحريضية المتحدية ، ثم أتبعت ذلك بخبر جديد يشير إلى بطولة جديدة لهذا ( المخلوق ) المتمثلة في حضور الاستاد الرياضي لمشاهدة المباريات متنكرة في ثياب الرجال ، في الوقت الذي كان ينتظر منها أن تكتب عن خطورة هذه ( المسالك المنهجية ) في تحدي البلد ومؤسساته ، باعتبار ذلك واجب شرعي ووطني يمليه عليها شرف المهنة ، حتى تثبت لنا ( صحيفة الوطن ) أنها اسم على مسمى ..
وبالمناسبة .. فإننا نطالب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظة جدة بالتدخل العاجل للقبض على هذه المرأة ، وإحالتها للجهات المعنية ، للتحقيق معها ، وتنفيذ العقوبة التعزيرية التي تستحقها ، بعد اعترافها صراحة باقتحام المدرجات الرياضية مع الشباب ، عبر هذا التنكر الفاضح ، والمفاخرة به على صفحات الجرايد .. إلا إن كانت الصحيفة قد أدلت بغير الحقيقة عن المرأة ، كما فعلت مع الشيخ محمد الفراج بالأمس ، فتراجعي عما قيل أعلاه وارد متعين ، وتبقى محاسبة الصحيفة على الإدلاء بغير الحقيقة فرضا متعينا .
وأخيرا .. فليس المقام مقام استنكار وإدانة وشجب وتنديد فحسب ، إنما نحن في انتظار من يجيبنا ــ من صناع القرار بالحلول العملية ــ عن سؤالنا المحير : من ينصف الوطن ــ يا محبي الوطن ــ من صحيفة الوطن ؟.
محبكم / ابوعمر الهمداني _ نقل_