الكفاح العربي
يمكن إعتبار المؤتمر الصحفي لجون أشكروفت ( وزير العدل الاميركي) بداية لحملة بوش الإنتخابية. حيث أعلن أشكروفت عن إعتراف الأميركي ( المسلم الكشميري الأصل) المدعو ايمان فارس بأنه مكلف من قبل القاعدة بتفجير الجسور الاميركية. وهذا التصريح يؤكد على فعالية قيادة بوش للأجهزة الأمنية ونجاحه في وقاية الداخل الاميركي من الإرهاب.
لقد تمكن بوش إذاً من منع تكرار حوادث شبيهة ب 11 أيلول وبالتالي من حماية أميركا من الإرهاب ومن إغاثة المواطن الاميركي الملهوف والمذعور.
هذه البطولة تقتضي سكوت الكونغرس عن المطالبة بفتح ملف التحقيق بحوادث 11 أيلول. وتالياً بالتغاضي عن التقصير الأمني الكارثي في حماية اميركا من تلك الكارثة. وبات بإمكان بوش إتهام معارضيه ،والمصرين على فتح هذا الملف، بأنهم مستهترون بالأمن القومي!؟. وهي التهمة التي وجهها الى زعيم الديمقراطيين في الكونغرس إبان الانتخابات النصفية للكونغرس ( 16/ 11 / 2002 ) وتمكن عبرها من تحقيق أغلبية لحزبه في الكونغرس. وهي أغلبية تمهد لإعادة انتخابه في حملته الحالية. بل هي ستمكنه من التصرف بهجومية أكبر خاصة بعد عودته الى سياسة تخويف المواطن الاميركي.
لقد ظن الديمقراطيين أن سقوط العراق السهل يفضح ضآلة الفزاعات التي يستخدمها بوش للتخويف. كما يفضح خيالية التهديدات المفترضة من قبل صقور الإدارة. لكن جعبة هؤلاء لا تخلو من خيالات وشائعات مبتكرة. فها هي القاعدة تعاود تهديدها للداخل الأميركي عبر ايمان فارس ( وهو سائق شاحنة أبلغ القاعدة باستحالة تنفيذه لأية عملية وعقد صفقة مع المخابرات كما أعلن أشكروفت). وذلك قبل أن تتمكن الإدارة من تقديم الأدلة على تورط القاعدة في تلك الحوادث.
وها هي ايران تنوي فجأة إمتلاك السلاح النووي قبل أن تتمكن من السيطرة على مجموعة الطلاب المحركين بخيوط أميركية. وها هو صدام يعاود تهديد القوات الاميركية بمقاتلين جائعين وعاجزين عن علاج أطفالهم. أيضاً كوريا الشمالية تهدد أميركا والشعب الكوري على حافة المجاعة. عداك عن وقوع هذه الدول مجتمعة تحت الحصار الأميركي الذي أضيفت له درجة شرفية جديدة. وهي الدرجة الخاصة بالدول الغنية. حيث تخفيض سعر الدولار يحاصر بضائع هذه الدول ويصيبها بالكساد. في مقابل مخالفات أميركية صريحة لاتفاقيات الغات عبر دعم رسمي للشركات الاميركية.
مع كل ما تقدم تمكن بوش من دفع الأميركيين للإستمرار في طرح السؤال: " لماذا يكرهنا العالم". وهم إذ يطرحون هذا السؤال فإنهم يؤكدوا عدم استيعابهم لحقيقة أن بوش قد تمكن من إستئصال أصدقاء أميركا. فحول الأصدقاء القدامى الى أعداء أو الى أتباع يخضعون للمشيئة الأميركية إتقاء لشرها وأذيتها. فاليابان مهددة إن هي حاولت إنقاذ ارصدتها المودعة في البنوك الاميركية!. والإتحاد الأوروبي يعاقب على مواقفه وشعوبه من حرب العراق!. أما السعودية فتحولت الى دولة موبوءة بالإرهاب!. وأمراء الخليج مهددون بنشر فضائحهم الشخصية لو حاولوا سحب أموالهم من أميركا!.
أما المواطن الأميركي فمطلوب منه الإهتمام بالأمن القومي وعدم الإستهتار به. مما يعني خضوعه للشائعات المخابراتية والاعلامية بدون تفكير أو تدقيق. مع تنازله طوعاً عن حقوقه الدستورية لصالح الأجهزة الأمنية. والأهم أن يبقى هذا المواطن يردد السؤال عن سبب كراهية العالم له. بما يعتبر سابقة مخابراتية في زرع إيحاء الإضطهاد ونشره بصورة هيستيرية بين الجمهور. والأهم ألا يسأل هذا المواطن عن نوبات بوش العدوانية وتصعيده السادي لسياسة الحصار. كما عن نوبات الجنون المنطلقة من مبدأ بوش " الحرب الإستباقية ". وهو تكرار لمبدأ الفرعون الذي كان يعدم الأطفال الذين يشك بإمكانية تهديدهم لعرشه عندما يكبرون.
هكذا قرر بوش خوض حملته عبر نوع خاص به من الديمقراطية. حيث التهديدات لا توفر أحداً لا في الداخل و لا في الخارج. فبوش يهدد الاصدقاء كما يهدد الأعداء. ويعد بسلسلة من الحروب العبثية المكملة لحرب العراق. وهي تهديدات قد تدفع بالديمقراطيين للإنسحاب من الانتخابات خوفاً من نوبات جنون بوش إن هو أحس بصعوبة عودته للبيت الأبيض!. . إنها ديمقراطية الرعب...