[align=center]
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد ::
عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)..
:
:
هو عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (توفي 788) الملقب بصقر قريش. كان أحد الأمراء الأمويين المرشحين للخلافة,جده الخليفة هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين . هرب من العباسيين عند قيام دولتهم, وفر إلى الأندلس حيث دخلها,وسمي بذلك عبد الرحمن الداخل ،وأكمل فترة الخلافة الأموية هناك, حكم من 756-788.
نشأته
عبد الرحمن بن معاوية هو حفيدَ هشام بن عبد الملك الذي حكم من سنة 105 هـ= 723 إلى سنة 125 هـ= 743. نشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأموي، وكان الفاتح الكبير مسلمة بن عبد الملك عم أبيه يرى فيه أهلا للولاية والحكم وموضعًا للنجابة والذكاء، وسمع عبد الرحمن ذلك منه مشافهة، مما أثّر في نفسه أثرًا إيجابياً
صفاته
قد كان عبد الرحمن كريماً و متواضعًا، ويخالط العامة ويصلى بالناس ، ويحضر الجنائز ويعود المرضى، ويزور الناس ويخاطبهم، وكان منقوشاً على خاتمه عبد الرحمن بقضاء الله راض و بالله يثق عبد الرحمن به يعتصم، وكان شاعرًا بليغًا عالمًا بأحكام الشريعة, وكان من شعره:
أيها الراكب الميمـم أرضـي أقر من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بـأرض وفؤآدي ومالـكـيه بـأرض
قدر البين بيننا فافترقنا فعسى باجتماعنا الله يقضـي.
القضاء على ملك الأمويين
عندما اقام العباسيون دولتهم على انقاض الدولة الاموية ، كان هدفهم تعقب الامويين والقضاء على افراد البيت الاموي, فقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء بل وأحفادهم، وكل من توقعوا أن يكون أهلا للإمارة خشية محاوله احدهم استرداد مجدهم لآسيما في الشام ، لهذا بذلوا الجهود المضنيه لتحقيق هذا الهدف.
ونجح العباسيون في الفتك بالامويين باستثناء عبدالرحمن بن معاويه بن هشام الذي اختبأ في قريه منعزله قريبة من الفرات، وكان معه ابنه الطفل سليمان وكان عمره وقتها أربع سنوات. وعندما اكتشفت الشرطة مكانهم هرب عبدالرحمن مع اخيه الوليد بن معاوية عبر بعض البساتين فلما تعقبتها الشرطة ، حاولا عبور النهر ففشل الاخ فقتله العباسيون، وكان عمرة ثلاث عشرة سنة ، بينما نجح عبدالرحمن إلى الوصول إلى الضفة الاخرى بسلام حيث لحق به مولاه بدر طبقا لخطة سابقة.
الفرار
وصل عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان وعمره تسع عشرة سنة فقط
[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]وهناك وجد ثورة كبيرة للخوارج في الشمال الأفريقي كلّه وعلى رأسها عبد الرحمن بن حبيب، وكان قد استقلّ بالشمال الإفريقي عن الدولة العباسية، ولأنه كانت هناك كراهية شديدة بين الخوارج والأمويين فقد كان عبد الرحمن بن حبيب يسعى هو الآخر للقضاء على عبد الرحمن بن معاوية حين علم بأمره، فحين قدم عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان اجتمع عليه الخوارج وكادوا أن يقتلوه، فهرب من جديد إلى برقه (في ليبيا)، وظل مختبئًا فيها عند بعض أخواله هناك طيلة أربع سنوات كاملة، حتى سنة 136 هـ= 754 وكان قد بلغ من العمر ثلاث وعشرين سنة
.
[/COLOR]
كانت الأندلس أصلح البلدان لاستقباله وذلك لأنها :
اولا:أبعد الأماكن عن العباسيين والخوارج
ثانيًا: لأن الوضع في الأندلس ملتهبا حيث انقسمت الأندلس إلى فرق عديدة متناحرة، وثورات لا نهائية، كلٌّ يريد التملك والتقسيم وفق عنصره وقبيلته..
دخوله الأندلس
بدأ عبد الرحمن بن معاوية يعدّ العدة لدخول الأندلس، فعمل على الآتي:
أولًا: أرسل مولاه بدر إلى الأندلس لدراسة الموقف، ومعرفة القوى المؤثرة في الحكم فيها.
ثانيًا: راسل كل محبي الدولة الأموية في أرض الأندلس بعد أن علِمَهم من مولاه .
ثالثًا:راسل عبد الرحمن بن معاوية البربر في الأندلس ، وطلب معونتهم ومساعدتهم، وكانوا في ذلك الوقت على خلاف شديدٍِ جدًا مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري؛ لأنه فرّق بينهم وبين العرب، فهم يريدون أن يتخلّصوا من حكم يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي عاملهم بهذه العنصرية.
رابعًا: راسل كل الأمويين في كل الأماكن التي هربوا إليها يعرض عليهم فكرته، وأنه يعزم على دخول الأندلس ويطلب معونتهم ومددهم.
وفي ربيع الثاني سنة (138هـ ، 755) عبر عبدالرحمن المضيق وانضم إلى انصاره وزحف إلى اشبيلية واستولى عليها وبايعه اهلها ، ثم نجح في دخول قرطبة العاصمة ، بعد ان هزم جيش يوسف بن عبد الرحمن الفهري في موقعة المسارة في العاشر من ذي الحجة سنة 138هـ.
توليه الحكم
بعد موقعة المسارة والسيطرة على منطقة قرطبة والجنوب الأندلسي لُقّب عبد الرحمن بن معاوية بعبد الرحمن الداخل؛ لأنه أول من دخل من بني أمية قرطبة حاكمًا.
بويع عبدالرحمن بالامارة في قرطبة ، وأعلن نفسه أميراً على الأندلس فوق منبر مسجد قرطبة الجامع ، ولم يكن عبدالرحمن قد تجاوز السادسة والعشرين من عمره. ولم يشأ عبدالرحمن ان يعلن نفسة خليفة لان فكرة الخلافة عند فقهاء السنة في ذلك الوقت تتقتضي بان خلافة المسلمين واحدة لا تتعدد ، وان الخروج منها عصيان فضلا ان الخليفة هو حامي الحرميين الشريفين ويسيطر على الحجاز ، ولذلك اكتفى عبدالرحمن ان لقب نفسه بابن الخلائف على اعتبار ان اجدادة من الامويين كانوا خلفاء.
ومنذ أن تولّى عبد الرحمن الداخل الأمور في بلاد الأندلس عُرفت هذه الفترة بفترة الإمارة الأموية، وتبدأ من سنة 138هـ= 755 وتنتهي سنة 316 هـ= 928.
صقر قريش
حاولت الخلافة العباسية أن تضم الأندلس إلى دولتها ولكن عبد الرحمن الداخل وقف لهم وحاربهم دون ذلك, حتى لقبه العباسيون أنفسهم بصقر قريش وهو اللقب الذي اشتهر به بعد ذلك، فقد كان أبو جعفر المنصور جالسًا مع أصحابه فسألهم: أتدرون من هو صقر قريش؟ فقالوا له : بالتأكيد هو أنت. فقال لهم: لا.فعدّدوا له أسماء حتى ذكروا له معاوية وعبد الملك بن مروان من بني أمية. فقال أيضا: لا. ثم أجابهم قائلا:" بل هو عبد الرحمن بن معاوية، دخل الأندلس منفردًا بنفسه، مؤيّدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصّر الأمصار وجنّد الأجناد، وأقام ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة عزمه".
حكمه للأندلس
كانت مدة حكمة 33سنة,اهتم فيها بالأمور الداخلية للبلاد اهتمامًا كبيرًا، فعمل على ما يلي:
الجانب العسكري
أهتم عبد الرحمن الداخل بإنشاء جيش قوي ، وبرغم قدوم عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل إلى الأندلس وحيدًا، فقد وصل تعداد الجيش الإسلامي في عهده إلى مائة ألف فارس غير الرجّالة.
[COLOR="rgb(65, 105, 225)"]كما أنشأ دُورًا للأسلحة، فأنشأ مصانع السيوف ومصانع المنجنيق، وكان من أشهر هذه المصانع مصانع طليطلة ومصانع برديل.
أنشأ أيضًا أسطولًا بحريًا قويًا، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من ميناء كان منها ميناء طرطوشة وألمرية وإشبيلية وبرشلونة وغيرها من الموانئ.
كان يقسّم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام: قسم ينفقه بكامله على الجيش، والقسم الثاني لأمور الدولة العامة من مؤنٍ ومعمارٍ ومرتباتٍ ومشاريعَ وغير ذلك، والقسم الثالث كان يدّخره لنوائب الزمان غير المتوقعة.
[/COLOR]
الجانب العلمي
أعطى عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل العلم والجانب الديني المكانة اللائقة بهما، فعمل على نشْر العلم وتوقير العلماء, اهتمّ بالقضاء وبالحسبة, اهتمّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كان من أعظم أعماله في الناحية الدينية بناء مسجد قرطبة الكبير.
الجانب الحضاري
ويبرز ذلك في الجوانب التالية:
- اهتمامه الكبير بالإنشاء والتعمير
تشييد الحصون والقلاع والقناطر
_ربطه أول الأندلس بآخرها.
- إنشائه أول دار لسك النقود الإسلامية في الأندلس.
- إنشائه الرصافة
وهي من أكبر الحدائق في الإسلام، وقد أنشأها على غرار الرصافة التي كانت بالشام، والتي أسسها جده هشام بن عبد الملك,وقد أتى لها بالنباتات العجيبة من كل بلاد العالم
لقد كانت حياة القائد العظيم "عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل" وقفًا على الجهاد، وعلى إقامة الدولة الإسلامية، وتثبيت بنيانها وإرساء دعائمها ورد الطامعين فيها، فكانت الأيام التي عاشها صقر قريش في طمأنينة وراحة لا تزيد على أيام قليلة، وكانت حياته حركة مستمرة في تنظيم الجيوش، وعقد الرايات، وتوجيه القوات، وتحصين الثغور، والقضاء على الفتن والثورات، ووضع أسس البنيان الحضاري...
وفاته
عاش "عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل" تسعة وخمسين سنة، منها تسعة عشر سنة في دمشق والعراق قبل سقوط دولة الأمويين، وست سنوات فرارًا من بني العباس وتخطيطًا لدخول الأندلس، و34 عامًا في الملك ببلاد الأندلس، وتوفي بقرطبة ودفن بها في جمادى الأولى سنة 172 ه،أكتوبر 788م..
المصدر
الصافنات الدعوية بتصرف
[/align]