بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاتة
مواعظ وعظات من سورة الزمر
في هذة السورة عظات عظيمة حتى وقفت مع المذنبين، ووقفت مع المسيئين المخطئين يوم ثقلت أحمالهم من الذنوب, وعظمت إساءتهم عند الله علام الغيوب, فنادتهم نداء الرحمات، وفتحت أمام أبوابهم المغفرات فناداهم الله فاطر الأرض والسماوات نداءً يهز القلوب، ويعظم رجاءها في الله علام الغيوب, يوم يحس العبد بعظيم إساءته, وجليل ذنبه في حق ربه, فإذا بالأبواب تفتح، وإذا بالنداء يقرع القلوب والأسماع, ألا يخيب الرجاء في الله جل جلاله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:53] يوم زل اللسان, وزل الجنان, وأخطأت الجوارح والأركان, يا من حملتم ذنوبها, يا من عظمت عليكم إساءتها؛ إني لها وكفى بالله لها, يوم يحس العبد بطول غربته, وبعده عن ربه وعظيم إساءته فيناديه الغني الحليم، ويناديه الجليل الرحيم: ألا تيئسوا من رحمة الله أرحم الراحمين. علم الله جل جلاله أن ليس للذنوب أحد سواه, وأن ليس للعيوب أحد عداه, فناداهم وهم في الذنوب غارقون, ودعاهم وهم في الإساءة يتهافتون, ثم بين جل جلاله أن هذا النداء قد وقتت أوقاته، وحددت ساعاته ولحظاته، فقبل الفوات قبل الممات, قبل الفوات قبل الفوات، وقبل الممات قبل الممات: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] يناديهم لكي يتداركوا, لكي يقبلوا ويجذبوا, لكي يقبلوا على الله جل وعلا وينيبوا أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] إنها النفس الظالمة, إنها النفس الآثمة, إنها النفس الظلومة الغاشمة التي ما تركت باباً من الذنوب إلا قرعته, ولا باباً من الإساءة إلا ولجته, أن تقول: يا حسرتى!! وما أعظم الحسرة إذا خسر أصحابها, وعظمت خسارة أربابها, وخرجوا من الدنيا صفر اليدين من رحمة الله! ما أعظمها من خسارة إذا طويت الصحائف باللعنات! ما أعظمها من خسارة يوم يطبع على القلوب! يوم يتأذن غضب الله علام الغيوب؛ من عظيم الإساءة وعظيم الذنوب, ما أعظمها من خسارة يوم لا يستطيع الرجوع، يوم لا تنفع المعذرة ولا تغني الدموع, يوم يتقطع القلب من الألم، ويعتصر من شديد الندم! أن تقول نفس.. ومتى تقول؟ حين تضع آخر أقدامها من أعتاب هذه الدنيا وتستقبل الدار التي هي غريبة عليها, يوم تنقطع المعاذر, وتغص السكرات في الحناجر, ويصير العبد ذليلاً حقيراً إلى الله الواحد القاهر: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى [الزمر:56] يا حسرتى.. يوم طال السهر، يا حسرتى.. يوم ضاعت الأعمار, يا حسرتى.. على الساعات واللحظات, يا حسرتى.. على الليل والنهار, يا حسرتى.. على أصحاب لم ينفعوا, يا حسرتى.. على أحباب لا يشفعون, يا حسرتى.. على عمر مضى وزمان ولّى وانقضى, يا حسرتى.. إذا كشف الديوان بخطيئة اللسان وزلات الجنان, يا حسرتى.. يوم يعرض على الله حافياً عارياً, يا حسرتى.. إذا عرض الشباب وما فيه من خطأ وصواب, ولم يفقد العبد فيه زلة ولا حسنة بين يدي الله رب الأرباب, يا حسرتى.. على ثلاثين عاماً أو أربعين أو خمسين أو ستين حين يلقى العبد بها الله رب العالمين. يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] ذهب الليل فما تمتعت عيني بالبكاء فيه من خشية الله, ذهب الليل وما تمتعت قدمي بالوقوف بين يدي الله, يا حسرتى.. يوم يذهب العمر دون وجود الغنيمة والذخر, يا حسرتى.. يوم مضى ليله وطلعت شمسه ولم تنعم يداه بالسجود بين يدي الله, يا حسرتى.. على صلاة أضعتها, يا حسرتى.. على زكاة منعتها, يا حسرتى.. على أيام أفطرتها, يا حسرتى.. على ذنوب فعلتها, يا حسرتى.. على خطايا تلبست بها, يا حسرتى.. إذا كشف الديوان وعظم الوقوف بين يدي الله الواحد الديان! يا حسرتى.. وهل تغني الحسرات؟! يا حسرتى.. وهل يؤذن بالرجوع عند الممات؟ يا حسرتى.. يوم لم أشكر النعم, يا حسرتى..يوم لم أشكر الله على دفع النقم, يا حسرتى.. يوم لم يلهج لساني بذكره, يا حسرتى.. يوم لم يتلذذ لساني بشكره, يا حسرتاه.. يوم فاز الفائزون, وغنم الغانمون, وجئت صفر اليدين مما هم فيه يتنعمون, يا حسرتى.. يوم فاز الصالحون بالدرجات, وسموا إليها بنفوس عاليات أبيات, ووقفت في الأخريات أنظر إليهم بتلك الحسرات, يا حسرتى.. لو كنت مطيعاً على ما فرطت في جنب الله إذ كنت مستطيعاً, يا حسرتى.. يوم يلفظها اللسان ويعتقدها الجنان فيخرج كل حرف منها من كل عضو وأركان. يا حسرتى.. على ما فرطت في جنب الله لعظيم حقه عليّ, وجليل منته لديّ, فكم أنعم وتفضل وكم وهب وأجزل, سبحانه العلي الأكمل. يا حسرتى.. يوم لم أعظمه حق تعظيمه, ولم أمجده حق تمجيده, يا حسرتى.. على التفريط في جنب الله, يوم فتحت لي أبواب الخيرات فقلت: هيهات هيهات!! ما زالت الأعمار والبقيات يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] يقولها المذنبون, ويوقن معناها المسيئون المخطئون. يا حسرتى.. ولو كان العبد مطيعاً, يا حسرتى.. ولو كان العبد خيراً ديناً مستقيماً؛ ولذلك سمى الله ذلك اليوم المشهود واللقاء الموعود بيوم التغابن؛ لأنه ما من نفس إلا وهي في غبن ولو كانت من نفوس الصالحين, في غبن أن لم يفوزوا بالخيرات, ولم يستكثروا من الطاعات, في غبن أن لم يفوزوا بالرحمات ولو كانوا على خيرات وحسنات. يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر:56] فويل لذلك اللسان الذي تمتع بالسخرية من أولياء الرحمن, إنها الكلمة التي يقولها من زل لسانه وخاب جنانه، وأساءت جوارحه وأركانه, يا حسرتى.. يوم ضحكت من المطيعين, واستهزأت بعباد الله الصالحين, يا حسرتى.. يوم نظرت إليهم وهم ذاهبون إلى المساجد فقلت: إلى أين يذهبون؟! يا حسرتى.. يوم رأيتهم مع كل راكع وساجد فقلت: لماذا يتعبون؟! يا حسرتى.. إذ لم أقدر الله حق قدره, فاستهزأت بعباده واستخففت بأمره. يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر:56] وما زالت آيات هذه السورة الكريمة الجليلة العظيمة تهز كيان المؤمنين, وتوقظ عباد الله الغافلين, إنها سورة الزمر، سورة التوحيد والإخلاص, ما من آية من آياتها إلا وتحتاج وقفة معها. سورة تهز القلوب والمشاعر, سورة تحيي القلوب والضمائر, سورة تعيش فيها مع أهل النعيم في نعيمهم فكأنك في الجنان تقطف من ثمراتها, وتنال ما فيها من خيراتها, وتعيش مع أهل الجحيم في دركاتهم, فكأن زفير جهنم لتلك القلوب بين آذانهم. فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى: اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت العظيم ألا تجعلنا من أهل هذه الكلمة, اللهم إنا نعوذ بك أن نكون من أهلها, اللهم إنا نعوذ بك أن تنطق ألسنتنا بها, اللهم حرمها على ألسنتنا، اللهم حرمها على ألسنتنا، وأخرجنا من الدنيا وأنت راض عنا, اللهم إنا نسألك فعل الخيرات, وترك الفواحش والمنكرات, قبل أن يدهمنا الممات, يا حي يا قيوم، يا فاطر الأرض والسماوات. اللهم استر عوراتنا, اللهم آمن روعاتنا, اللهم أمِّن يوم الوعيد خوفنا, اللهم استر عوراتنا فيه, اللهم آمن روعاتنا فيه, اللهم لا تفضحنا يوم العرض عليك, اللهم لا تفضحنا يوم العرض عليك, اللهم لا تفضحنا يوم العرض عليك, اللهم لا تمنع عنا بذنوبنا عظيم عفوك عنا يا ذا الجلال والإكرام. اللهم إنا نسألك حبك وحب كل شيء يقربنا من حبك, نسألك فعل الخيرات، وترك الفواحش والمنكرات, وحسن الختام عند الممات يا فاطر الأرض والسماوات, اللهم حرم وجوهنا على النار, اللهم حرم وجوهنا على النار، اللهم حرم أجسادنا على النار يا ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام, والملك الذي لا يضام, اللهم اجعل أسعد اللحظات وأعزها لحظة الوقوف بين يديك, اللهم اجعل أسعد اللحظات وأعزها وأشرفها لحظة الوقوف بين يديك, اللهم اجعلها أسعد اللحظات, اللهم استر لنا فيها العورات, واغفر لنا فيها السيئات, وارفع لنا الدرجات, اللهم أكرمنا بعدها فوراً بالدخول في الجنات يا ذا الجلال والإكرام, سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. ......