الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده /
وبعد :
ضوابط شرعية للمزاح :
فإن الانسان اجتماعي بطبعه ومع اتساع المدن ووجود الفراغ لدى بعض الناس وانتشار المجالس في المنتزهات والاستراحات والمنتديات من المواقع الإلكترونية لا سيما في أوقات الإجازة يكثر المزاح فيما بينهم سواء كانوا ذكورا أو إناثا شبابا أو شيبا والمزاح والملاطفة والمؤانسة وتطيب الخواطر وإدخال السرور من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد ذكر البخاري رحمه الله في باب الانبساط إلى الناس
واستدل بحديث عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علينا ولي أخ صغير يكني أبا عمير وكان له نغر يلعب به فمات فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرآه حزينا فقال ما شأنه قالوا مات نغره فقال " يا أبا عمير ما فعل النغير "
قال الشيخ الألباني : صحيح
وفي سنن أبي داوود عن أنس رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله احملني فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنا حاملوك على ولد الناقة " قال وما أصنع بولد الناقة .؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وهل تلد الإبل إلا النوق " .
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " يا ذا الأذنين " يمازحه رواه الترمذي .
واعتبر بعض الفقهاء المزاح من المروءة وحسن الصحبة ولكن للمزاح ضوابط لا بد من مراعاتها :
1- لا يكون المزاح في شيء من الاستهزاء بالدين فإن ذلك من نواقض الإسلام ولا يكون الاستهزاء بالسنن النبوية قال سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله " فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء ولا بإضحاك ولا بسخرية فإن فعل فإنه كافر لأنه يدل على استهانته بالله عز وجل ورسله وكتبه وشرعه ومن فعل هذا فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع لأن هذا من النفاق فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية الله عز وجل وتعظيمه وخوفه ومحبته والله ولي التوفيق " المجموع الثمين 1/63
2- ألا يكون المزاح إلا صدقا قال صلى الله عليه وسلم " ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له " رواه أبو داود .
3- عدم الترويع كأن يمزح بسلاح أو قطعة حديد أو بالسيارة كحال أهل التفحيط هداهم الله وهدى أولياءهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أشار على أخيه بحديدة لعنته الملائكة " حديث حسن صحيح غريب وزاد فيه " وإن كان أخاه لأبيه وأمه " وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " أبو داود
4-الحذر من الاستهزاء والغمز واللمز قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات - قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها " المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والاستهزاء بهم وهذا حرام ويعد من صفات المنافقين "
والبعض يستهزئ بالخلقة أو بالمشية أو المركب أو الجنسية ويخشى على المستهزئ أن يجازيه الله عز وجل بسبب استهزائه قال صلى الله عليه وسلم " لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك " رواه الترمذي -
وحذر منها لأنها طريق للعداوة والبغضاء قال صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " رواه المسلم
5- عدم كثرة المزاح حتى يصبح ديدن له فيعرف به والمزاح فسحة ورخصة لاستمرار الجد والنشاط ولكن يكون بقدر فلا إفراط فيه ولا تفريط قال الإمام النووي رحمه الله " المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ويشغل عن ذكر الله ويؤول غالبا إلى الإيذاء ويورث الأحقاد ويسقط المهابة والوقار وأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يفعله "
6- معرفة مقدار الناس فلا بد من معرفة مقدار الناس حال المزاح فللعالم اعتباره ومكانته ولولي الأمر إجلاله وللوالد تبجيله وللكبير تقديره وللشيخ احترامه ولذا يجب معرفة شخصية المقابل قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه " اقتصد في مزاحك فإن الإفراط فيه يذهب البهاء ويجرئ عليك السفهاء " .
7- ألا يكون المزاح فيه غيبة فالغيبة مرض عضال زين لبعض الناس فهو يحكي غيره بطريقة المزاح والغيبة كما قال صلى الله عليه وسلم " ذكرك أخاك بما يكره " رواه مسلم
8- اختيار الأوقات المناسبة للمزاح كأن تكون في رحلة برية أو في حفل سمر أو حفل زواج أو عند ملاقاة صديق فتنبسط معه بطرفة عجيبة أو مزحة خفيفة إدخال المودة على قلبه أو السرور على نفسه أو عند تأزم المشاكل الأسرية فيغضب أحد الزوجين فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم الدكتور : عبد الملك بن محمد القاسم – مع شيء من التصرف –
محبكم / عطا الله بن عبد الله