الإسلام دين الحضارة السامية
الإسلام دين الله وشريعته وهذا الدين العظيم هو دين الإنسانية كافة قديما وحديثا من قبل ومن بعد وهو دين البشرية قاطبة في الأمس واليوم والغد وهو دين المدنية والحضارة السامية إذ أنه دين النور والهداية والعلم والسمو والرفعة والعزة ودين الفطرة والروح وهو دين عصري متقدم متجدد بكل معنى الكلمة ويقوم على نظام حضاري اجتماعي واقتصادي وسياسي يزكّي النفوس ويهذب الضمائر وهو دين الإنسان الحائر الذي يتطلّع اليوم ببصره إلى السماء ينشد الهدى والنور والرحمة والطمأنينة فلا يجدها إلا في الإسلام العظيم وفي مبادئ الشريعة السمحاء ( ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
وإن عظمة الإسلام تنبع من مبادئه وتعاليمه السامية من عدل وإخاء ومساواة وحرية ومحبة واحترام للحق ودفاع عنه وأمر بالإحسان وحث عليه والتزام للفضائل ودعوة إليها ونهي عن الرذائل والمعاصي وتتجلّى كذلك عظمة الإسلام في تشريعاته الإنسانية من صلاة يتساوى فيها الناس عامة وزكاة يظهر فيها عدل الإسلام وسماحته ورحمته بالفقير وكذلك تحريمه للربا والغش والاحتكار والقتل.
بل في المقابل أكرم الإسلام الإنسان تكريما عظيما وجعله محفوظ الحق في النفس والأهل والمال وهو فوق ذلك دين يحترم العقل والعلم ويدعو إلى التهذيب والتثقيف وأول ما نزل من كتابه الحكيم هو قوله تعالى "أقرا باسم ربك الذي خلق" صدق الله العظيم . وتتضح مثاليته كذلك في إلغائه للفوارق بين الأجناس والشعوب وتقريره للمساواة الكاملة بينهم وهدمه للعصبيات الظالمة والعنصرية الباطلة فلا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى " إن أكرمكم عند الله اتقاكم".
وحرّم الإسلام الظلم وجعله محرما بين الناس ودعا إلى احترام الأموال والأعراض والدماء واحترام حق الغير في كل شيء وقد أحسن رسول المسلمين في عرضه صورة الإسلام حينما بُعث إلى إمبراطور الفرس يزدجرد ولمّا قال له من تكونون وماذا تريدون؟
فجاء جواب هذا الرسول واضحا قويا جليّا " إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده, ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ". هذه هي عظمة الإسلام وسموه وإنسانيته ونبل مقصده وشرف غاياته ومن أجل ذلك كان دين الحياة وعقيدة الزمن وشريعة البشرية في كل زمان ومكان وكان أهله أقدر على أن يصنعوا للعالم مستقبله المشرق وهذه حضارته التي هزت الدنيا ودوت بذكرها الآفاق وعاش فيها الناس أحرارا مكرمين ينعمون بكل أنواع السعادة والحرية والسلام.
هذا غيض من فيض ولكن هنالك حقيقة لا بد من إدراكها جيدا وهي أن كل تقدم حضاري وسمو فكري وثقل سياسي وارتفاع معنوي وعز سلطاني إنما مردّه إلى التمسك بدين الله والالتزام بشرعه والبعد عن الفسوق والانحراف والفساد والرذائل.
يقول إبن خلدون إذ تأذن الله بانقراض الملك في أمة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل قال وهذا ما حدث في الأندلس وأدى إلى ضياعها. بل قد أدرك ذلك كاتب من الخصوم يدوّن لذلك العصر فهو يقول : العرب هووا وسقطوا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها أصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات.
ويقول بعض المؤرخين من المسلمين : "بقينا في الأندلس ما بقينا مع الله وضاعت الأندلس منّا لمّا أضعنا دين الله" . ولنا عبرة من تاريخ الإسلام مع الروم فحينما هزم المسلمون هرقل وفزعوه في حروبهم في الشام وخرج منها مهزوما بكى وأمر بعقد مجلس حربي أعلى, وصاح في قوّاده :
- ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشرا مثلكم؟
- وردوا جميعا عليه : بل نحن أكثر منهم أضعافا مضاعفة في كل موطن.
- وهنا سألهم : فما بالكم تنهزمون ؟
- فسكتوا ولكن قائدا كبيرا قال لهم : أيها الملك لقد انتصروا وهزمونا من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتناصفون بينهم . ومن أجل أننا نشرب الخمر ونزني ونرتكب الحرام وننقض العهد ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط وننهى عما يرضي الله ونفسد في الأرض .هكذا روى إبن الأثير وبالحق نطق هذا القائد .
وعليه أيها الأخوة لن ينهض الإسلام إلا برسالته والإيمان بها والعمل في سبيلها والتفاني من أجلها وهي رسالة واضحة لم يعرف العالم رسالة أعدل منها ولا علاج إلا في الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وأن يقدم كل مسلم ومسلمة ما يستطيع لتحيق هذه الغاية .