بسم الله الرحمن الرحيم
كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، والصلاة والسلام على من أرسله ربه بين يدي الساعة هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن الدنيا حقيرة فانية، وهي عما قريب زائلة، ولو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء، ولذلك فقد حذرنا الله من الانغماس فيها، وجعلها أكبر همنا، وضرب لنا أمثلة في القرآن تبين لنا حقيقتها، حتى لا نغتر بها، ونركن إليها، فقال اللَّه تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[سورة يونس(24)]. وبين أنها لعب ولهو، فقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[سورة الحديد(20)]. وحذرنا من الاغترار بزخارفها، وزينتها، وما أشبه ذلك، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[سورة فاطر(5)]. وهذا مؤمن آل فرعون يعظ قومه بأن لا يغتروا بالدنيا؛ كما يحكي ذلك القرآن: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[سورة غافر(39)]. ولم يخف النبي-صلى الله عليه وسلم-على أمته غير الدنيا؛ فإنه لمَّا قدم أَبو عُبيدة بن الجرَّاح بمال من البحرين، أتى الأنصار إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فوافوه في صَلاةَ الفجر، فلما صَلَّى رسول اللَّه انصرف من المسجد، فتعرَّضوا له، فتبسَّم رسول اللَّه -صَلّى اللهُ عليه وسلم- حين رآهم، ثمَّ قال: (أَظُنُّكُم سَمِعتُم أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيء مِنَ الْبَحْرَيْنِ؟). فقالوا: أَجَل يا رسول اللَّه، فقــال أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسرُّكُمْ، فو اللَّه ما الفقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكنّي أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كما بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) [رواه البخاري ومسلم].
وحثَّ عليه الصلاة والسلام على أخذ الوقاية من الدنيا؛ فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ-رضيَ اللَّه عنه- أَنَّ رسولَ اللَّه قال: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّه -تَعالى- مُسْتَخْلِفكُم فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْملُونَ؛ فاتَّقُوا الدُّنْيَا واتَّقُوا النِّسَاءِ) [رواه مسلم]. وثمن وقيمة هذه الدنيا بما فيها جدي ميت؛ كما بين النبي-صلى الله عليه وسلم-؛ فعن جابرٍ-رضِيَ اللَّه عنهُ-أَنَّ رسولَ اللَّه-صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- مرَّ بالسُّوق والنَّاسُ كتفيه، فمرَّ بِجدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فتناوله، فأخذ بأُذُنه، ثُمَّ قال أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟). فَقالوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لنا بشيْء، وما نصنعُ به؟ ثم قال: (أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟) قالوا: وَاللَّه لو كان حيًّا كان عيباً، إنَّه أَسَكُّ، فكيف وَهو مَيَّتٌ؟ فقال: (فَوَ اللَّه للدُّنْيَا أَهْونُ عَلى اللَّه مِنْ هذا عَلَيْكُمْ) [رواه مسلم]. بل أعظم من ذلك كله أنها لا تساوي جناح بعوضة؛ فعن سَهْل بن سعد السَّاعديِّ-رضي اللَّه عنه-قال: قال رسول اللَّه-صَلّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّم-لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافراً منْها شَرْبَةَ مَاءٍ) [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]. ولذلك فقد أخبر النبي-صلى الله عليه وسلم-أن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ما كان خيراً؛ فعن أبي هُريرة-رضي اللَّه عنه-قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللهُ عليه وسلم-يقول أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلعون مَا فيها، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّه-تعالى-، ومَا وَالاَه وَعالماً وَمُتَعلِّماً) [رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ].
ولحقارة الدنيا ورخصها، وعدم نفعها وبقائها؛ فإنَّ أغنى وأنعم من فيها من أهل النار إذا غمس غمسة واحدة في النار فإنه ينسى كل نعيم تنعمه في الدنيا؛ فعن أَنسٍ-رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللَّه: (يُؤْتِيَ بَأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِن أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خيراً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعيمٌ قَطُّ؟ فيقول: لا واللَّه يارَبِّ. وَيُؤْتِى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةُ قَطُّ؟ فيقولُ: لا، وَاللَّه، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ) [رواه مسلم]. وبين عليه الصلاة السلام أنَّ الإنسان مهما ملك، ومهما جمع من حطام هذه الدنيا؛ فإنه ليس له من ذلك كله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأمضى؛ فعن عبد اللَّه بن الشِّخِّير-رضي اللَّه عنه-أَنَّهُ قال: أَتيت النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-وهو يقرأ: {أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال: (يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي، مَالي، وَهَل لَكَ يَا ابن آدمَ مِنْ مالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلت فَأَفْنيْتَ، أو لبِستَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضيْتَ؟) [رواه مسلم].
ولقد كان نبينا-صلى الله عليه وسلم-أزهد الناس في الدنيا، وأشدهم تحذيراً منها، فقد شبهه بقائه في الدنيا؛ بمسافر استظل تحت شجرة ثم تركها؛ فعن عبدِ اللَّه بن مَسْعُود-رضي اللَّه عنه-قال: نَامَ رسولُ اللَّه-صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-على حَصيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يا رَسُولَ الَّه لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: (مَالي وَلَلدُّنْيَا، مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]. ولقد أخذ بمنكبي ابن عمر-رضي اللَّه عنهما-وأوصاه بوصية عظيمة نافعة، فقال له: (كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ). وكَانَ ابنُ عمر يقول: إِذَا أَمْسيْتَ، فَلا تَنْتظِرِ الصَّباحَ وإِذَا أَصْبحْت، فَلا تنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ منْ صِحَّتِكَ لمرضِكَ، ومِنْ حياتِك لِموتكَ. [رواه البخاري].ـ