أخيراً وفقت إلى عمل بعد بحث مستميت دام أكثر من أربع سنوات، وبعد أن آمنت بانعدام الأمل في إيجاد وظيفة بدت لها السنوات الأربع أشبه بكابوس، كتلة مرصوصة ككرة كتيمة، لكن إذا قربت منها وجهها وحملقت إليها، بدت أيامها اللانهائية معكوسة في مرايا لا نهائية داخل الكرة، صورة واحدة تطغى في كل المرايا، صورتها ببنطال الجينز، والبلوزة الفضافضة وحمالة المفاتيح بشكل أرنب أحول العينين، وقد علق فيها مفتاح وحيد لشقة صغيرة مؤلفة من غرفتين وصالة صغيرة، تجمعها مع إخوتها السبعة ووالديها، كانت الثمرة الأولى لتزاوج شابة أمية في الخامسة عشرة من شاب يعمل موظفاً في البلدية في الثالثة والعشرين، والذي يتقن خياطة البناطلين الرجالية، يعمل خياطاً في أوقات فراغه، يقصده جيرانه ومعارفه، ليساهم بدخله الإضافي في تخفيف شعور الجوع لدى أطفاله.
حصلت إيناس على الشهادة الثانوية بمجموع جيد، لكن فروع الجامعة التي ترغب فيها لفظتها، وجدت نفسها تتجه دون وعي منها إلى المعهد الطبي، قضت فيه سنتين، تخرجت بعدها إلى الشارع، بل إن الشوارع كلها استقبلتها بحفاوة فاتحة أمامها اتجاهات السير كلها!
هذا ما كانت تقوله لنفسها ساخرة، وهي تبحث عن عمل، مقدمة الأوراق المطلوبة لعدة جهات، السنوات الأربع يمكن اختصارها بصورة وحيدة، صورتها تسير في الشوراع تحمل مصنفاً يضم صوراً من الشهادة الثانوية، وإخراج قيد ولا حكم عليه، وصورة عن شهادة المعهد الطبي، وصوراً شخصية لها، وفي جيب بنطالها دست عشر ليرات أجرة المواصلات، أحياناً كانت ترمق المارة بنظرات مستطلعة محاولة استكشاف بواطن أفكارهم، متسائلة: هل يبدو على مظهري أنني لا أحمل في جيبي سوى عشر ليرات!
كانت هيفاء القامة، أميل للنحول، تنتزع نظرات الإعجاب بقوامها المتناسق الرشيق، وشعرها الكستنائي الطويل المحيط بوجهها الجميل، وقد أضفى عليه الحزن المديد بهاءً وصفاءً.
كل الجهات التي قدمت لها أوراقها للعمل، كانت تطلب منها الانتظار والمراجعة كل مدة، ما كانت تستطيع خنق خيط الأمل، اكتشفت أن العذاب الحقيقي للإنسان هو في هذا الخيط الواهي، الذي يجرها وراءه من سرابٍ إلى سراب، الأمل هو العذاب، توصلت لهذه النتيجة وآمنت بها. خبرة السنوات الأربع من البحث عن وظيفة جعلتها تدرك أموراً كثيرة، كل الوظائف ممكنة بالدفع، تذكرت صدماتها الأولى التي كان لها صدى كارثي في نفسها الغضّة التي لم تتعود بعد على صفعات الحياة، كيف كانت تفاجأ بقبول موظفين أقل كفاءة منها بكثير، كانت ترجع إلى البيت تبكي قهراً، أياماً، عاجزة عن ابتلاع الطعام، فاقدة كيلوات من وزنها من القهر والشعور بالغبن، حتى صرخ أخوها ذات يوم قائلاً: كفى، مللنا هذا الموال، كل مرة ترفضين من وظيفة، تقيمن وليمة للحزن، اختنقت روحنا من خيباتك، أوف، عيشة لا تطاق.
ورغم أن كلمات أخيها جرحت قلبها كشفرات حادة، إلا أنها بعد فترة وجدت أنه محق، ما عادت تقيم ولائم الحزن، بل تمكنت من الاهتداء لأذكى حيلة في امتصاص الآلام والخيبات: العادة. تعودت حتى أنها صارت تمازح نفسها بسخرية مرّة، وهي تراجع بشأن توظيفها قائلة: سأرفض بالتأكيد، وستقبل فلانة لأنها قريبة فلان الفلاني، أو عشيقته أو قادرة على الدفع... أو ماذا تعدد من أسباب أما الكفاءة فهي العامل الوحيد خارج قوسي القبول.
تم قبولها في الوظيفة كعاملة في مصنع ألبسة قطنية ولادية ببساطة غير متوقعة، عن طريق أحد أصدقاء والدها الذي كان شريكاً في المصنع، تم قبولها دون حاجة لأي من شهاداتها، لسبب وحيد كونها تلم بمبادئ الخياطة التي تعلمتها من والدها، سلموها آلة الحبكة، بعد أن دربتها المشرفة، وهي امرأة عبوس في الأربعين على طريقة العمل، ظلت أياماً مصابة بالذهول، وسط قاعة المعمل التي تضم خمساً وعشرين آلة، والعاملات على الآلات، ظل شعور غريب يوسوس في ذهنها، بأنها ليست هي، لكأن طفولتها وسنوات شبابها ودراستها، والسنتين اللتين قضتهما في المعهد الطبي، تفر منها، أو هي تلفظ كل هذا الركام، ما هي الآن سوى عاملة تملك معرفة لا بأس بها بالخياطة، تقضي ثماني ساعات وراء الآلة، متحملة نوب السعال والعطاس التي يحرضها في صدرها غبار القطن، كانت نوب ألم حادة ومفاجئة تخترق قلبها كالبروق، وهي تسائلها بحزن: أهذا مكانك بعد بحث سنوات عن العمل؟! فتغص ولا تملك جواباً سوى كلمة مطاطية تضم كل التناقضات: ظروف!
أجل، ما الإنسان سوى محصلة ظروفه، من منا يختار حياته؟! ناس تولد وفي فمها ملعقة من ذهب، وناس تولد للشقاء، هكذا كانت تفكر، وجدت عزاءها في العاملات معها، أغلبهن يماثلنها في الظروف، بل إنها فوجئت أن اثنتين من الموظفات معها، حاصلات على شهادة جامعية.
كانت متعتها الوحيدة وسط هدير الآلات الذي أصابها بصداع يومي اعتادت عليه بعد أسابيع، هي استراحة الغداء، حيث تتطوع إحدى العاملات بشراء سندويش للجميع، كنّ يبتلعن اللقمات الجافة بصعوبة، وفي أحيان نادرة كن يسمحن لأنفسهن بأقصى رفاهية ممكنة، هي شرب المياه الغازية مع السندويش، استراحة الغداء كانت أشبه بالعلاج النفسي للعاملات البائسات، كل منهن تفضفض بالحديث، الأحاديث غير مترابطة، ولا تخضع لمنطق الحوار، بالإصغاء والانتباه، مجرد كلام متناثر في الهواء، منطلق من كل الحناجر، كغبار القطن تماماً... لكن بعد انتهاء ساعة البوح الفوضوية، تتنهد الفتيات بارتياح، ويعاودن العمل على الآلات الصماء، تاركات لأحاسيسهن التخّدر بصوت الرتابة الأبدي...
كانت المشرفة على العمل، سيدة في خريف العمر، متسلطة، تزعق بالعاملات طوال الوقت، وتتعمد انتهاك كرامتهن، ولا تكف عن تذكيرهن كل لحظة بأن مصير وظيفتهن في يدها، وبأنها تقدر بإيماءة منها لأرباب العمل، أن تقطع رغيف الخبز عن أفواههن.
كانت إيناس تتجاهلها، وتحاول محو سموم كلماتها من نفسها بسرعة، تتفانى في عملها كي لا تترك لها مجالاً للشجار، رغم أن خاطراً كان يلح عليها بأن تتوقف عن العمل لحظاتِ وتسألها: ترى ألا تستحق كلمة شكر واحدة؟
كانت المشرفة تستمتع بوقع حضورها الكابوسي على العاملات، منعتهن عن الكلام أثناء العمل، حتى الهمس السريع كان ممنوعاً، وإذا صدف أن سمعت همساً أو ضحكة، فإن وابل شتمائمها القذرة يلعلع في المكان مغطياً على صوت خمس وعشرين آلة، ألطف جملة تتفوه بها: اخرسي يا حيوانة، ثم تهدد بالطرد وقطع الأرزاق كالعادة.
كان الراتب على هزاله يدخل الفرح إلى قلب إيناس، يشعرها بالاستقلال، ثم لم تعد بحاجة إلى أن تحوم كل صباح حول والدها لينقدها أجرة المواصلات... لا يمكنها أن تنسى أول راتب قبضته، سارعت بلا وعي منها لتبدل جلدة ساعتها التي كلفت مئة ليرة! بدت لها تلك اللقطة على عفوية بساطتها، صورة لحياتها كاملة، ثم سارعت لتشتري ثياباً داخلية، لأنها كانت تلبس خرقاً مهترئة، مراراً كانت تجفل من فكرة طارئة تقتحم خيالها في الشارع تسائلها: ماذا لو أغمي عليك؟ ونقلوك إلى المشفى؟ كانت ترتجف خجلاً وهي تتخيل الطاقم الطبي يسخر من ثيابها الداخلية، وجواربها الممزقة التي تخفي جروحها في حذاء قديم يحاول جاهداً مقاومة الفناء... مكنها الراتب البخيل أن تساهم في مصروف البيت، ما أسعدها وهي تشتري الخضار والفاكهة، والألبسة المستعملة لأخواتها، انتظمت حياتها في العمل، وكونت صداقات، صارت تزور وتزار، وتتهامس بأسرار الشباب مع صديقاتها في المعمل، بعد عام من العمل ضجّ المعمل بخبر زواج المشرفة المتوحشة، كما كن يسمينها، صُعقت الفتيات من المفاجأة، وهن يتساءلن: من هذا المسكين الذي وقع ضحيتها؟! دعتهن المتوحشة إلى عرسها بعد أن طلبت إليهن بصفاقة أنها لا تقبل هدايا سوى الذهب!
صرخت النظرات الخرساء في عيون العاملات بالاحتجاج: أنحن قادرات أن نشتري الذهب! لكن بعضهن أذعن للأمر، خفن أن تطير الوظيفة إن لم يدفعن الأتاوة بشكل هدية للمتوحشة المسؤولة عن لقمة العيش، إيناس رفضت الفكرة، بل اشمأزت منها، قائلة بتحدٍ واحتقار: أولاً أنا لا أملك ثمن قطعة ذهب، ثم أنني لست مقتنعة أبداً بالهدية التي تفرض فرضاً. لم يمضِ شهر على زواج المشرفة، حتى ضج المعمل بخبر طلاقها، تهامست العاملات تعليقات ساخرة ومضحكة، لكنهن حرصن على لبس قناع الوجوم والتعاطف مع المشرفة ولم تجد العروس الخائبة ساحة لتفريغ شحنات غضبها ونقمتها من الزواج، سوى العاملات المسكينات، ازدادت شتائمها دناءة، وتسببت في طرد عاملتين لأسباب مفتعلة صرن يرتجفن من خيالها وصوتها، لكن إيناس ظلت تتحمل بمكابرة عالية كل ما يحصل حولها، لكنها اكتشفت أنها أصيبت بعدوى الصراخ والقساوة، صارت تعامل إخوتها بقلة ذوق، وعدم احترام، تتفوه بالشتائم البذيئة التي تتلفظ بها المشرفة، تنبهت إلى أن إخوتها صاروا يتجنبونها، ويفرون منها ماأن تحضر إلى البيت، حتى الأغراض التي تحضرها لهم عافتها أنفسهم، بكت بحرقة، وهي تعي فشلها في مقاومة سموم المشرفة، لكنها عادت تبحث عن اللطف الأصيل المجفل في أعماقها، لتغمر به إخوتها كعادتها.
ذات صباح همست إحدى صديقاتها بصوت كالفحيح تسالها: إيناس، هل تحملين دواءً مسكناً؟ ما كادت إيناس تهم بالرد حتى انقض صوت المشرفة على رأسها، كبقضة من حديد تمسكها من نقرتها، زأرت: اخرسي يا حيوانة، كم مرة قلت الكلام ممنوع. وجدت ايناس نفسها ترد بصوتٍ واثق تفوح منه كرامة متالقة: أنا لست حيوانة، أنا إنسانة، زأرت المشرفة، أتردين علي يا سافلة.
أجابت إيناس: أنا لست سافلة، احترمي نفسك لو سمحت.
جنت المشرفة من نبرة الكرامة في صوت إيناس، صرخت بهستريا: اخرسي، اخرسي يا حقيرة... تحلقت نظرات الفتيات حول إيناس، تضرعت إليها العيون أن تكف عن الكلام... سكتت، أجبرها رغيف الخبز أن تخرس، ارتعبت من فكرة عودتها للتشرد في الشوارع بحثاً عن وظيفة..
لكن المشرفة التي انهزمت إلى حد كبير بموقف إيناس، استشرت، وتحولت إيناس لساحة انتقام ترضي سادية المشرفة، تساعدها على تفريغ شحنات غضبها ويأسها، افتعلت شجاراً بعد أيام مع إيناس، وقفت قبالتها قائلة بتهكم: ما هكذا يتم تركيب الكمّ يا غبية.
ابتلعت إيناس الإهانة، كانت تبحر في ذاتها تتفرج على الخراب الذي يحدثه كلام المشرفة...
لكزتها ربة العمل من كتفها بحنق قائلة: حين أكلمك يا تافهة، ردي علي.
اشتعل جسد إيناس بالغضب، أحست أنها على وشك الانفجار، لكنها استطاعت أن تجيب ببرودة: طوال عملي في هذا المشغل، أركب الكم هكذا، وما كنت تعترضين!
قالت المشرفة باستفزاز: يبدو أن عملك قد تراجع، ما عدت مهتمة كالسابق، يبدو أنك مطمئنة أن الوظيفة دائمة، والله أنا أقدر أن أعيدك بلحظة إلى الشارع.
انفجرت ايناس قائلة: أنا لم أقدم من الشارع، هل فهمت، أنا ابنة أسرة شريفة صحيح نحن فقراء، لكن كرامتنا فوق أي اعتبار...
اختنق صوت إيناس ببكاء عاصف، كان جسدها يختلج وهي تبكي بصوتٍ عالٍ متوجع، أخذ جسدها يرتعش كأنه أسير حمى، تركتها المشرفة وهي تصرخ متوعدة: أتبكين بدموع التماسيح يا فاجرة، يا مدعية الكرامة، سنرى أين كرامتك يا ساقطة؟
قررت إيناس أن تفاتح أحد الشركاء في المصنع -صديق والدها- بالمعاملة اللاإنسانية التي تعاملهن بها المشرفة، حذرتها صديقاتها من لا جدوى الشكوى، وأكدن لها أن المشرفة ستزداد شراسة وحقداً، وستعتبر سلوك إيناس تحدياً لها، وبأن أرباب العمل متمسكين بالمشرفة أكثر من أية عاملة لديهم، لكن إيناس أصرت مؤكدة للمسكينات الخانعات بأن كرامتها فوق أي اعتبار.
قابلها صديق والدها ببرود مهذب، استمع إليها تحكي له عن المعاملة اللاإنسانية، والشتائم البذيئة التي تتلفظ بها المشرفة نوهت أخيراً بأنها تتقن العمل، ولا تتكاسل لحظة في تأدية واجبها.
صرفها المدير بعد أن قال لها: سأتصرف، إنما لا تنسي أن المشرفة في عمر والدتك، وواجبك احترامها.
ردت إيناس مؤكدة: لكن من واجبها أيضاً احترامنا.
دارى صاحب المعمل ابتسامة سخرية من جواب إيناس، ابتسامة تعني حصراً: هل يوجد إنسان يتمسك حقاً بكرامته في هذا الزمن؟ إذا أراد أن يعيش؟!
فجرت شكوى إيناس تحدياً شرساً لدى المشرفة، بعد دقائق من عودة إيناس إلى مكانها في المشغل، اقتربت منها المشرفة، حاملة السلة التي تحتوي قصاصات القماش والنفايات ودلقت محتواها على رأس إيناس، قائلة: يا حيوانة، أتجرئين على شكواي، يا صاحبة الكرامة!
غمرت النفايات وقصاصات القماش شعر إيناس الكستنائي الطويل، وكتفيها، وعلق الغبار الأبيض على رموشها وانفها، نفضت النفايات عنها، وهبت واقفة، أخذت ترمق المشرفة بنظرات من نار، كزت على أسنانها وسألتها: لماذا تكرهينني؟
ضحكت المشرفة بخلاعة متعمدة لاستفزازها: أأنا أكره حشرة مثلك.
كورت إيناس يديها، كادت أظافرها تنغرس في باطن كفها، سألتها بصوت متشقق من الحنق: لماذا تعاملننا بهذه الطريقة البشعة؟ لماذا الشتائم والإهانات؟. ألا ترين أننا بني آدمين، ولسنا حيوانات، والله أنا لن أسمح لك بإهانتي، أنت لا تعرفينني، أنا أبيع الدنيا في سبيل كرامتي.
زأرت المشرفة: كذابة، أنت قبلت الأقدام في سبيل الوظيفة، فعن أي كرامة تتحدثين يا صاحبة الكرامة.
قالت جملتها الأخيرة باستفزاز لم يترك لدى إيناس مجالاً للتراجع، ولامتصاص المهاترات ردت بتحدٍ: أنت مخطئة، أكرر لك أن كرامتي فوق أي اعتبار، ولن أسمح لإنسان بإهانتي... حتى لو...
قاطعتها المشرفة وهي مصممة أن تسدد لها ضربات قاضية. قالت بصوت جهوري: كلي خرا.
انفجرت إيناس: بل واحدة مثلك..
هوت صفعة على فمها قبل أن تكمل جملتها، أحست أن أسنانها تنخلع من لثتها، عوت إيناس بألم: يا حقيرة، يا معقدة، يا مرتشية، تطلبين الذهب رشوة من العاملات مقابل بقائهن في العمل، أنت منحطة ومجرمة...
كان صوت إيناس يلعلع، وعيون العاملات يراقبن صديقتهن بحبٍ لا محدود، حب يأخذ أوجه لحظة الوداع، كن يعرفن أن تلك اللقطة الأخيرة التي ستحتفظ بها ذاكرتهن عن إيناس، إيناس التي لم تختر ظروفها وحياتها.
طردت إيناس من العمل دون أن تقبض قرشاً واحداً تعويضاً عن عملها سنة ونصفاً في المعمل، عام ونصف العام، تقرحت أصابعها من العمل على آلة الحبكة، ومن المقصات المعدنية الباردة الضخمة، وتقرحت معدتها من السندويش الفقير، واهترأت رئتاها من غبار القطن.
خرجت من المعمل إلى الشارع الذي كان يفتح لها كل اتجاهاته لتضيع بها بلا حدود بلا مقاومة، أحست بشيء مزّرق مرضوض ومتورم، يعرج ويئن متوجعاً خلفها، يلحقها، كأنه مربوط بكاحلها بخيط وهمي، شيء كثيف تحسه كظلها تساءلت: ترى ما هذا الشيء... أتاها الأنين من وراء ظهرها: آه، ألم تعرفيني، أنا الكرامة!!