هناك تعريفات كثيرة للتوجيه والإرشاد، كل من وجهة نظر معينة، وكل يركز على وجهة النظر التي يرتكز عليها، ولكنها جميعا تهدف إلى نفس الشيء، وتؤكد نفس المعنى. وهذه التعريفات تحدد وتصف الأنشطة التي يتضمنها الإطار العام للتوجيه والإرشاد النفسي.
وفيما يلي عدد من هذه التعريفات،
* هو عملية إرشاد الفرد إلى الطرق المختلفة التي يستطيع عن طريقها اكتشاف واستخدام إمكانياته وقدراته، وتعليمه ما يمكنه من أن يعيش في أسعد حال ممكن بالنسبة لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه.
* هو عملية مساعدة الفرد في فهم وتحليل استعداداته وقدراته وإمكانياته وميوله والفرص المتاحة أمامه ومشكلاته وحاجاته، واستخدام معرفته في إجراء الاختيارات واتّخاذ القرارات لتحقيق التوافق بحيث يستطيع أن يعيش سعيدا.
* هو عملية مساعدة الفرد وتشجيعه على الاختيار والتقرير والتخطيط للمستقبل بدقة وحكمة ومسئولية في ضوء معرفة نفسه ومعرفة واقع المجتمع الذي يعيش فيه.
* هو عملية مساعدة الفرد في فهم حاضرة وإعداده لمستقبله بهدف وضعه في مكانه المناسب له وللمجتمع الذي يعيش فيه.
التعرف الشامل للتوجيه والإرشاد النفسي:
التوجيه والإرشاد النفسي عملية واعية مستمرة بناءة ومخططة، تهدف إلى مساعدة وتشجيع الفرد لكي يعرف نفسه ويفهم ذاته ويدرس شخصيته جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا، ويفهم خبراته، ويحدد مشكلاته وحاجاته، ويعرف الفرص المتاحة له، وأن يستخدم وينمّي إمكاناته بذكاء إلى أقصى حدٍّ مستطاع، وأن يحدد اختياراته ويتّخذ قراراته ويحل مشكلاته في ضوء معرفته ورغبته بنفسه، بالإضافة إلى التعليم والتدريب الخاص الذي يحصل عليه عن طريق المرشدين والمربين والوالدين، في مراكز التوجيه والإرشاد وفي المدارس وفي الأسرة، لكي يصل إلى تحديد وتحقيق أهداف واضحة تكفل له تحقيق ذاته وتحقيق الصحة النفسية والسعادة مع نفسه ومع الآخرين في المجتمع والتوفيق شخصيا وتربويا ومهنيا وأسريا .
مناهج واستراتيجيات التوجيه والإرشاد النفسي
1 ـ المنهج الإنمائي Developmental
ويطلق عليه أحيانا الاستراتيجية الإنشائية Strategy of promotion وترجع أهمية المنهج الإنمائي إلى أن خدمات التوجيه والإرشاد تقدم أساسا إلى العاديين لتحقيق زيادة كفاءة الفرد الكفء وإلى تدعيم الفرد المتوافق إلى أقصى حد ممكن.
وستضمن المنهج الإنمائي الإجراءات التي تؤدي إلى النمو السوي السليم لدى الأسوياء والعاديين، خلال رحلة نموّهم طول العمر حتى يتحقق الوصول بهم إلى أعلى مستوى ممكن من النضج والصحة النفسية والسعادة والكفاية والتوافق النفسي. ويتحقق ذلك عن طريق معرفة وفهم وتقبل الذات ونمو مفهوم موجب للذات وتحديد أهداف سليمة للحياة وأسلوب حياة موفق بدراسة الاستعدادات والقدرات والإمكانات، وتوجيهها التوجيه السليم نفسيا وتربويا ومهنيا، ومن خلال رعاية مظاهر نمو الشخصية جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا.
2 ـ المنهج الوقائي Preventive :
يحتل المنهج الوقائي مكانا في التوجيه والإرشاد النفسي. ويطلق عليه أحيانا منهج " التحصين النفسي " ضد المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية. ويقول المثل " الوقاية خير من العلاج ". ونحن نعرف أن الوقاية تغني عن العلاج، وأن غرام وقاية خير من طن علاج، وأن الطن من الوقاية يكلف المجتمع أقل مما يكلفه غرام واحد من العلاج.
ويهتم المنهج الوقائي بالأسوياء والأصحاء قبل اهتمامه بالمرضى ليقيهم ضد حدوث المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية.
وللمنهج الوقائي مستويات ثلاثة هي:
الوقاية الأولية: وتتضمن منع حدوث المشكلة أو الاضطراب أو المرض بإزالة الأسباب حتى لا يقع المحظور.
الوقاية الثانوية: وتتضمن محاولة الكشف المبكر وتشخيص الاضطراب في مرحلته الأولى بقدر الإمكان للسيطرة عليه ومنع تطوره وتفاقمه.
الوقاية من الدرجة الثالثة: وتتضمن محاولة تقليل أثر إعاقة الاضطراب أو منع إزمان المرض.
وتتركز الخطوط العريضة للوقاية من الاضطرابات النفسية فيما يلي:
* الإجراءات الوقائية الحيوية: وتتضمن الاهتمام بالصحة العامة، والنواحي التناسلية.
* الإجراءات الوقائية النفسية: وتتضمن رعاية النمو النفسي السوي، ونمو المهارات الأساسية، والتوافق الزواجي، والتوافق الأسري، والتوافق المهني، والمساندة أثناء الفترات الحرجة، والتنشئة الاجتماعية السليمة.
* الإجراءات الوقائية الاجتماعية.: وتتضمن إجراء الدراسات والبحوث العلمية وعمليات التقويم والمتابعة والتخطيط العلمي للإجراءات الوقائية.
3 ـ المنهج العلاجي:
هناك بعض المشكلات والاضطرابات قد يكون من الصعب التنبؤ بها فتحدث فعلا. وكل فرد يَخبر في وقت ما مواقف أزمات Crisis – situation وفترات حرجة ومشكلات حقيقية يحتاج فيها إلى مساعدة ومساندة لتخفيض مستوى القلق ورفع مستوى الأمل.
ويتضمن دور المنهج العلاجي كذلك علاج المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية حتى العودة إلى حالة التوافق والصحة النفسية.
ويهتم المنهج العلاجي بنظريات الاضطراب والمرض النفسي وأسبابه وتشخيصه وطرق علاجه وتوفير المرشدين والمعالجين والمراكز والعيادات والمستشفيات النفسية.
ويلاحظ أن المنهج العلاجي يحتاج إلى تخصص أدق في الإرشاد العلاجي إذا قورن بالمنهجين الإنمائي والوقائي.وهو أكثر المناهج الثلاثة تكلفة في الوقت والجهد والمال. كذلك فإن نسبة نجاح الاستراتيجية لا تكون 100% وقد يفلت الزمام من يد المرشد أو المعالج إذا بدأ العلاج بعد فوات الأوان.
أهداف التوجيه والإرشاد
أ ـ تحقيق الذات Self – actualization :
لا شك أن الهدف الرئيسي للتوجيه والإرشاد هو العمل مع الفرد لتحقيق الذات والعمل مع الفرد يقصد به العمل معه حسب حالته سواء كان عاديا أو متفوقا أو ضعيف العقل أو متأخرا دراسيا أو متفوّقا أو جانحا، ومساعدته في تحقيق ذاته إلى درجة يستطيع فيها أن ينظر إلى نفسه فيرضى عما ينظر إليه.
ويقول كارل روجرز إن الفرد لديه دافع أساسي يوجه سلوكه وهو دافع تحقيق الذات. ونتيجة لوجود هذا الدافع فإن الفرد لديه استعداد دائم لتنمية فهم ذاته ومعرفة وتحليل نفسه وفهم استعداداته وإمكاناته أي تقييم نفسه وتقويمها وتوجيه ذاته. ويتضمن ذلك " تنمية بصيرة العميل ". ويركّز الإرشاد النفسي غير المباشر أو الممركز حول العميل أو الممركز حول الذات على تحقيق الذات إلى أقصى درجة ممكنة وليس بطريقة " الكل أو لا شيء ".
كذلك يهدف الإرشاد النفسي إلى نمو مفهوم موجب للذات. والذات هي كينونة الفرد وحجر الزاوية في شخصيته، ومفهوم الذات الموجب positive self – concept يعبّر تطابق مفهوم الذات الواقعي ( أي المفهوم المدرك للذات الواقعية كما يعبّر عنه الشخص ) مع مفهوم الذات المثالي ( أي المفهوم المدرك للذات المثالية كما يعبر عنه الشخص ). ومفهوم الذات الموجب عكس مفهوم الذات السالب الذي يعبر عنه عدم تطابق مفهوم الذات الواقعي ومفهوم الذات المثالي.
وهناك هدف بعيد المدى للتوجيه والإرشاد وهو " توجيه الذات " self –guidance أي تحقيق قدرة الفرد على توجيه حياته بنفسه بذكاء وبصيرة وكفاية في حدود المعايير الاجتماعية، وتحيد أهداف للحياة وفلسفة واقعية لتحقيق هذه الأهداف.
ويعمم هذا الهدف تحت عنوان " تسهيل النمو العادي " وتحقيق مطالب النمو في ضوء معاييره وقوانينه حتى يتحقق النضج النفسي. ويُقصد بتسهيل النمو هنا النمو السوي الذي يتضمن التحسن والتقدم وليس مجرد التغيير، لأن ليس كل تغيير تحسّنا.
ب ـ تحقيق التوافق Adjustment :
من أهم أهداف التوجيه والإرشاد النفسي تحقيق التوافق، أي تناول السلوك والبيئة الطبيعية والاجتماعية بالتغيير والتعديل حتى يحدث توازن بين الفرد وبيئته،وهذا التوازن يتضمن إشباع حاجات الفرد ومقابلة متطلبات البيئة.
ويجب النظر إلى التوافق النفسي نظرة متكاملة بحيث يتحقق التوافق المتوازن في كافة مجالاته. ومن أهم مجالات تحقيق التوافق ما يلي:
1. تحقيق التوافق الشخصي: أي تحقيق السعادة مع النفس والرضا عنها وإشباع الدوافع والحاجات الداخلية الفطرية والعضوية والفسيولوجية والثانوية المكتسبة، ويعبر عن سلم داخلي حيث يقل الصراع، ويتضمن كذلك التوافق لمطالب النمو في مراحله المتتابعة
2. تحقيق التوافق التربوي: وذلك عن طريق مساعدة الفرد في اختيار أنسب المواد الدراسية والمناهج في ضوء قدراته وميوله وبذل أقصى جهد ممكن بما يحقق النجاح الدراسي.
3. تحقيق التوافق المهني: ويتضمن الاختيار المناسب للمهنة والاستعداد علميا وتدريبيا لها والدخول فيها والإنجاز والكفاءة والشعور بالرضا والنجاح، أي وضع الفرد المناسب في المكان المناسب بالنسبة له وبالنسبة للمجتمع.
4. تحقيق التوافق الاجتماعي: ويتضمن السعادة مع الآخرين والالتزام بأخلاقيات المجتمع ومسايرة المعايير الاجتماعية وقواعد الضبط الاجتماعي وتقبل التغير الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي السليم والعمل لخير الجماعة وتعديل القيم مما يؤدي إلى تحقيق الصحة الاجتماعية، ويدخل ضمن التوافق الاجتماعي التوافق الأسري والتوافق الزواجي.