بسم الله الرحمن الرحيم
أسلوب النداء في القرآن الكريم
في كتاب الله العزيز الكثير من الظواهر اللغوية والفنية والدلالية ... قد تناول الكتّاب كثيرا منها وبقي أيضا كثير يحتاج لتسليط الأضواء عليه ودراسته ، وفي مقالنا المقتضب هذا نسلط الضوء على فنية النداء في القرآن الكريم ، فمن المعروف أن أسلوب النداء من الأساليب اللغوية الهامة ، التي تناولتها الدراسات النحوية والبلاغية والدلالية بصورة مفصلة ، وحين نلاحظ النداء في القرآن نجد عدة أمور تستوقف النظر وتستدعي التأمل ، ومن هذه الأمور استخدام القرآن الكريم لحرف النداء تارة وعدم استخدامه تارة أخرى وهو محل كلامنا هنا .
ولندرس ظاهرة حرف النداء بصورة موجزة في القرآن الكريم ...
أولاً : نداء الله لعباده :
فمن خلال استقراء الآيات القرآنية التي ورد بها نداء نجد أن النداء من الله لعباده كان بحرف النداء { يا } دون غيره من الحروف ، ولم نجد آية بها نداء من الله للعباد إلا بهذه الأداة ، من قبيل { يا أيها الناس اعبدوا ربكم .. 21 البقرة ، { يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ... } 104 البقرة ، وغيرها من الآيات ، فما السر في استخدام هذا الحرف في نداء الله لعباده ؟
يمكن أن يكون من حكم ذلك ما يلي :
1. إن حرف النداء ( يا ) يستخدم لكل أنواع النداء ، فينادى بها القريب و المتوسط و البعيد ، ولكون درجات القرب ( المعنوي ) من الله تعالى متفاوتة بين البشر والعباد فإن خطاب الله لعباده بهذه الأداة أدق من غيرها ، فهو هنا يخاطب عموم الناس سواء المؤمنين أو غيرهم ، ومنهم المقربون ومنهم غير ذلك ، فكان من المناسب جداً استخدام (يا) للنداء ليعم الناس كافة بمختلف درجة قربهم منه تعالى .
2. انه لعظم الذات الالهية وعلو منزلتها كان من الطبيعي الفصل بحرف النداء بين ما يصدر منه تعالى و من يصدر له ، وسيتضح هذا اكثر فيما بعد .
ثانيا ً : نداء ودعاء العباد لله : من الملاحظ أيضا في آيات القرآن الكريم أن نداء البشر لله لا يكون مصدراً بحرف نداء ، بل يكون حرف النداء منويا ومقدرا ، وذلك من قبيل قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا } 126 البقرة ، { ...قالت رب إني وضعتها أنثى ... } 36 آل عمران ، وغيرها من الآيات ، بل لا حظ نداء نوح لابنه { ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا } 42 هود ، فهنا استخدام لأداة النداء ولكن في ندائه لربه { ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي } 45 هود ، فهنا حذف تقدير لحرف النداء ، ولكن لماذا كان نداء العباد أو البشر لله بدون أداة ؟
لعل من حكم ذلك : 1
إن الله قريب من عباده ، فنداء البشر له لا يحتاج لأداة لقربه الشديد منهم ، وحذف الأداة كان أدق تعبير عن هذا القرب .
2. إن الله سبحانه ولعلمه بعباده وقربه منهم لا حاجة في مخاطبته أو ندائه لأداة النداء ، فأدوات النداء من مهامها تنبيه المخاطب ، وهذا التنبيه لا حاجة له في مخاطبة الله تعالى .
ولم نجد في القرآن الكريم نداء لله بحرف النداء ( يا ) إلا في موضعين كانا على سبيل الحكاية { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } 30 الفرقان، وقوله :{ وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } 88 الزخرف