الحـــــــــــــــــــب شعور انســــــــــاني يتأثر بنوازع النفس , ويتولد في الطبيعة
ويتعايش مع العرف الاجتماعي , ويتــــــــــداخل مع المـــــــــــــوروث والتقاليد
أنه الشـــعـــور المقدس في الديانات البدائية وفي الحــضــــارات المتطورة معا
وهو شـــعـــور متأصل وفعال يقرب المســــــافات بين البشر ويختصر الفوارق
في الجنس والشكل واللون ويذيب الحواجز بين الطبقات ويقرب بين الناس .
وقد حلل هربرت سبنسر عـــــــاطفة الحـــــــــــب فردها الى عدة عناصر أهمها
الشعور بالجـــــــمال , الانجــــذاب , الدافع الغـــريزي , الاعـجـاب والاستحسان
التقارب النفسي والألفة والصفاء والمودة .
الحب عند العرب
تؤكد الدراسة المعاصرة ان العرب كانوا أكثر الأمم اهتماماً بظاهرة الحــــب
في شتى انــــواعه :الواقعي والعذري والمثالي ...فقد اسهموا في تقــــــديم
تنظيرات مهمة فيما يتصل بمشــــــــاعر الحـــــــــــب ... وأفردوا للحــــــــب
كتباً خــــــــــاصة ... عالجوا فيها تطـــــــور فكرة الحب واتجاهاته وعلاماته
ودرجاته ..وامــراضه , وخرجوا بنتائج وأراء طـــريفة وفيها ابداع يقترب
بعضها كثيراً من التحليلات النفسية المعـــــــــــــاصرة ويلتقي معها حتى في
الجزئيات في بعض الأحيان فقد عالج الجاحظ مسألة الحب من منظور أدبي
نفـــــسي اجتماعي , فيما عالجه ابن سينا من منظور نفسي طبي وعالـجـه
الفقـــــــــهاء من منظور تشريعي وفقهي ... كما فعل ابن داود وابن حــزم
وابن الجــــــوزي وغيرهم ... ودار حوله الفــــــــلاسفة وحلّق به الصوفية
وابــــــــــــدع فيه الشــــــــعـــــــراء .
الحب في التعبير القرآني
جاء القرآن الكريم بقيم انسانية جديدة تحمل أسمى وأجمل معاني الحـــب
وعرضها بصيغ وأشكال مختلفة .. منها ما أنطوت عليها الفاظه الكريمة
وتعابيره وصياغته المعجزة .. ومنها ما انطوت عليه اشـــاراته ومعنايه
ودلالاته ومنها ما أحتوته قصصه .
وكانت نصوص القرآن فيما يتصل بالعاطفة الانسانية واضحة وصريحة
ذات دلالات اجتماعية وأخلاقية .. وقد أشتمل الكتاب العزيز على ألفــاظ
الحب وما يقترب منها أو يتفرع عنها , ودخلت هذه الألفاظ في صياغة
التعبير القرآني باعجازه الواضح وفصاحته المشرقة , ومعناه المؤثر ..
ومن أهم هذه الألفاظ :
الألفــة :
ورد لفــظ الألفة ومشتقاته في القرآن الكريم بمعنى الجمع بين القلوب
قال تعالى : ( اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم ) وأصـــل الألفة من الله
وبارادته .. قال تعالى : ( لو أنفــقــت مافي الأرض جمـــــــــيعاً لــمـــا
ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) .
المــودة:
من " الود " وقد ذكر في القرآن الكريم :
( ان الذين آمنوا وعمـــــــــلوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً )
ووردت لفظ المودة في موضع آخر من الكتاب الكريم قال تعــــــالى :
( وجعل بينكم مودة ورحمة ) وقد وردت في القرآن الكريم لفــــــظة
( المودة ) بدلاً من ( محبة ) وكلاهما واحد من حيث البناء اللفـــظي
كما انهما من حيث المعنى قريبتان من الود لأن الود في لغة الوجدان
هو الحب ينقصه جناحان .. لكن الذي لا شك فيه ان المـــــــودة أكثر
دواماً وأبقى لخلوها من نزوات الشهوة ومصادمات الغيرة .
وقد أوردت المعاجم العربية تفسيراً لمعنى لفظة ( الود ) والمــلاحظ
انها تعني الى جانب المحبة معنى الاكبار والاعظام وهي من أقــــــدم
مصطلحات الحب في القاموس العربي .
العشـرة:
ومن الألفاظ القرانية التي تعزز الألفة والمودة العشرة والمعـــاشرة
قال الله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف , فان كرهتموهن فعــــسى
أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) .
الغــرام:
وردت هذه اللفظة في القران الكريم بمعنى العذاب قال تعـــــــــالى :
( ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً )
وليس في الأدب العربي القديم ما يشير الى استخدام لفظة "الغرام"
باعتبارها من الفاظ الحب وانما بمعنى العذاب كقول أوس بن غلفاء:
فانك من هجاء بني تميم *** كمزداد الغرام الى الغرام
أمــــــــــا معناها الذي يشــــــــــــــير الى العــشــق فجــــــــــاء متأخراً
( في العصر العباسي على وجـــــــــه التحديد ) وأولع به المتأخرون
قال ابن القيم الجوزية : الغرام بمعنى الحب اللازم .. وأصـــــله من
العذاب والشر واللطف بالمحبة واستعذابهم لها .
الشغــف:
أما الشغف فلفظة وردت في القــــرآن الكريم مرة واحدة في قصة
يوســــــــــف ثم استعـــــــــــــــملها الشعراء دلالة على الحـــــــــــب
والشغاف لغة : حجاب القلب وقيل جلدة رقيقة يقال لها لســـــــان
القلب ... وفيها قال النابغة
وقد حال هم دون ذلك شاغل *** مكان الشغاف تبتغيه الاســــابعُ
النجــوى:
هي المخــــــــــــاطبة بين اثنين , والنجي هـــــــــو الصــــــــــديق
وهي من مظاهر الالفة والمودة
الهيــام:
معناها يشير الى شدة أثر الحب ولكن على نحــــــــــــو غير مباشر
فاللفظة تشير الى الذهاب في كل مذهب وهو شــــــــــــأن المحبين
قال بعضهم ان الهيام هــــو وادٍ في الصحراء يخلو فيه العاشقون
واللفظة قديمة شهرت في شعر عروة ابن حزام صاحب عفراء :
بي اليأس او داء الهيام شربته *** فأياك عني لا يكون بك ما بيـا
الهــوى:
وردت هذه اللفظة بمعنى سلبي في القــــــــــرآن الكريم اذ أقترنت
بالشهوات والمعصية قال تعــــالى : ( ونهى النفس عن الهوى )
واستعمل لفظ الهوى بالذي له علاقة بالحب واستعمل العـــــــرب
اللفظة دليلاً على العشق يقول اللغويون : الهوى محبة الانسان
الشيء وغلبته على قلبه .
من كتاب " الحب عند العرب "
المؤلف د.عادل كامل الآلوسي