صم بكم يدعون إلى الله
يقول أحد الدعاة: لم يكن أبو عبد الله يختلف كثيراً عنأصدقائي لكنه والله يشهد من أحرصهم على الخير، له عدة نشاطات دعوية من أبرزها مايقوم به أثناء عمله، فهو يعمل مترجماً في معهد الصم والبكم .. اتصل بي يوماً وقال: مارأيك أن أحضر إلى مسجدك اثنين من منسوبي الصم لإلقاء كلمة عامة على المصلين .. تعجبت !!
وقلت: صم يلقون كلمة على ناطقين؟!!
قال: نعم .. وليكن مجيئنا يومالأحد .
انتظرت يوم الأحد بفارغ الصبر وجاء الموعد وقفت عند باب المسجدأنتظر، فإذا بأبي عبد الله يقبل بسيارته وقف قريباً من الباب نزل ومعه رجلان أحدهمايمشي بجانبه والثاني قد أمسكه أبو عبد الله يقوده بيده..
نظرت إلى الأول فإذا هوأصم أبكم لا يسمع ولا يتكلم لكنه يرى، والثاني أصم .. أبكم .. أعمى .. لا يسمع ولايتكلم ولا يرى, مددت يدي وصافحت أبا عبد الله كان الذي عن يمينه اسمه أحمد ينظرإلي مبتسماً فمددت يدي إليه مصافحاً فقال لي أبو عبد الله وأشار إلى الأعمى سلمأيضاً على فايز قلت: السلام عليكم يا فايز.
فقال أبو عبد الله :أمسك يده هو لايسمعك ولا يراك جعلت يدي في يده .. فشدني وهز يدي.
دخلا الجميع المسجد .. وبعد الصلاة جلس أبو عبد الله على الكرسي وعن يمينه أحمد وعن يساره فايز كان الناسينظرون مندهشين . لم يتعودوا أن يجلس على كرسي المحاضرات أصم .. التفت أبو عبد اللهإلى أحمد وأشار إليه فبدأ أحمد يشير بيديه .. والناس ينظرون.
فاقترب أبي عبد اللهإلى مكبر الصوت وقال: أحمد يحكي لكم قصة هدايته ويقول لكم: ولدت أصم ونشأت فيجدة وكان أهلي يهملونني ولا يلتفتون إلي، كنت أرى الناس يذهبون إلى المسجد ولا أدريلماذا, أرى أبي أحياناً يفرش سجادته ويركع ويسجد ولا أدري ماذا يفعل، وإذا سألتأهلي عن شيء احتقروني ولم يجيبوني.. ثم سكت أبو عبد الله والتفت إلى أحمد وأشار لهفواصل حديثه وأخذ يشير بيديه ثم تغير وجهه ..وكأنه تأثر ..خفض أبو عبد الله رأسه ثمبكى أحمد .. وأجهش بالبكاء تأثر كثير من الناس .. لا يدرون لماذا يبكي, واصل حديثهوإشارته بتأثر ثم توقف.
فقال أبو عبد الله: أحمد يحكي لكم الآن فترة التحولفي حياته وكيف أنه عرف الله والصلاة بسبب شخص في الشارع عطف عليه وعلمه، وكيف أنه لمابدأ يصلي شعر بقدر قربه من الله وتخيل الأجر العظيم لبلائه وكيف أنه ذاق حلاوةالإيمان , ومضى أبو عبد الله يحكي لنا بقية قصة أحمد وكان أكثر الناس مشدوداًمتأثرا.ً
لكني كنت منشغلاً أنظر إلى أحمد تارة وإلى فايز تارة أخرى وأقول فينفسي: هاهو أحمد يرى ويعرف لغة الإشارة وأبو عبد الله يتفاهم معه بالإشارة ترى كيفسيتفاهم مع فايز وهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم انتهى أحمد من كلمته ومضى يمسحبقايا دموعه .. التفت أبو عبد الله إلى فايز قلت في نفسي: هه؟! ماذا سيفعل؟
ضرب أبو عبد الله بأصبعه على ركبة فايز فانطلق فايز كالسهم وألقى كلمة مؤثرةتدري كيف ألقاها ؟ بالكلام كلا فهو أبكم لا يتكلم , بالإشارة كلا فهو أعمى لميتعلم لغة الإشارة.