الموسيقى الشعرية
تقول العرب في وصف حداء الإبل ..
فغنها وهي لك الفداء ...إن غناء الإبل الحداء
ومن هذا المنطلق الشعر العربي كله غنائى وموسيقاه ظاهرة
في تصوير جودة الألفاظ والجمل ، ومن هذا المنطلق كتب
نقادنا الأوائل هذه الملاحظة بدقة متناهية كما فعل الخليل بن
أحمد الفراهيدى في تنظيم الأوزان الشعرية عبر الدوائر
العروضية الجميلة والتى أصبحت فيما بعد عبئا ثقيلا على كل شاعر لايحمل أذنا موسيقية
تشعره بخلل موسيقاه وإيقاع قوافيه
ولا نقبل أي قصيدة لاتندرج تحت موسيقى الخليل وبحوره ولما
رأى النقاد المحدثون أنّ هذه النظرية الموسيقية المتقنة تقيد من انطلاق الشعراء
أباحوا لهم الخروج على قواعد الخليل وقالوا تتبعنا في شعرالأوائل ، فوجدنا الإقواء والحذذ والإيطاء والسناد في كثير
من شعر امرئ القيس والنابغة الذبياني وغيرهم فلماذا لايجوز لنا ماجاز لهم .
وهذا منزلق خطير في طمس لغتنا العربية الأصيلة وشعرنا العمودي الأصيل .
بل بلغ بهم أن تركوا الأدب الموروث ومالوا إلى الأدب المستورد المبنى على مزاج العاطفة وصخب الألفاظ فأرسلوا الشعر إلى
أسواق النثر وجاء ببضاعة مزجاة مفادها الشعر النثري
ثم مالبثوا أن ذهبوا إلى الأنبار وبابل وجاؤا بشعر هجين يسمى الزجل والنبطى والهجينى وأصبح الشعر العربي الأصيل
لايوجد إلا في أروقة الجامعات والنوادي الأدبية بل أستطيع القول
أنّ موسيقاه ضاعت كما ضاعت معزوفة بت هوفن أوراق الشجر ،
وأصبح لدينا شعر مسلوبا من الروح والعاطفة ومسلوبا من الحس والوجدان .
وما قيمة الشعر إن لم ينتفع به المتلقى ويحرك وجدانه ويضيف إليه مثلا ربما درست في الشجاعة والبذل والتضحية والإيثار
إذا القوم قالو من فتى خلــــت أنني... عنيــــت فلم أكسل ولم أتبلــد
أنا الرجل الضرب الذى تعرفونه ... خــشاش كــرأس الحيّة المتوقد.
ولا ننكر أنّ لكل عصر موسيقاه المناسبة حتى ولو كانت دح
د ح بوه والولد طالع لبوه .
وقد أكثر شعراء النبط من كلمة خطيرة على هذا الوزن وهي اللعن في الألفاظ ويقصدون من ورائها المدح لا الذم لاعنبوه ولعن
بوها .
وهذا المعنى مخالف للفطرة والواقع الذي ينشده كل أديب أو شاعر للفصيح وللنبطى فالهدف هو السمو بموسيقى المفردة ومعناها
وإيقاعها مع حس سمعى ذكى في تلقى موسيقية الألفاظ .
دقّات قلب المرء قائلة له ... إنّ الحياة دقائق وثوانى
فانظر إلى جمال موسيقية أذن الشاعر أحمد شوقى في هذه الحكمة الأصيلة وإلى لقاء ..
في موضوع آخر من حرفة الأدب إن شاء الله