إن الله عز وجل قد أخبر في كتابه الكريم
أنه أهلك أمماً وقرىكثيرة،
فلم يبق لهم أثراً، بلصاروا أثراً بعد عين،
وعبرة لمناعتبر ..
فما هي الأسباب التيأهلكهم الله تعالى لأجلها؟
فقد ذكرأسباباً كثيرة لهلاك الأمم، منها:
الظلم، والترف، وكفر النعم،
وكثرة المنافقين، وموالاة الكافرين،
وترك الأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر،
وفشو الربا، وخرابالمساجد،
وترك الجهاد، وظهورالفواحش ..
ثم ذكر حديثاً جامعاًلأسباب هلاك الأمم.
هلاك الأممبالذنوب والمعاصي
وكم.. وكم من القرون.. ومن الأمم..
ومن القرى أهلكها الله جل وعلا!
فمنها قائم إلى الآن، ومنها حصيد حصده الله جلوعلا،
فلا تجد منهم باقياً ولا أثرولا نفساً منفوسة،
أين هم؟ ذهبواإلى الله جل وعلا،
وأهلكهم اللهتبارك وتعالى،
ودمرهم ولَمْيُبْقِ منهم أحداً،
وهل هذا ظلم منالله جل وعلا؟!
قال اللهتعالى:
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْوَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
[هود:101]^
ما ظلم اللهجل وعلا أحداً بل هم الذين ظلمواأنفسهم ..
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَاعَلَيْهِمْ
بَرَكَاتٍ مِنَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَلَكِنْكَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
[الأعراف:96]^.
وكم أهلك الله عز وجل من القرى
ومن الأمم بذنوبهم وبمعاصيهم
وبهذه الأسباب
قال تعالى:
وَكَمْأَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ
إنهم كثر وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراًبَصِيراً
[الإسراء:17]^
الله جلوعلا لا تخفى عليه خافية،
ولايحابي أحداً على أحد،
وهو العدلالذي إن أهلك أمة
بسبب فإنه يهلكالأمم جميعاً بهذا السبب،
وهذه هيمقتضى حكمته جل وعلا.......
بيان أسباب هلاك الأمم
فاسمع -يا عبد الله-
إلى هذه الأسباب التي سوف نسردها
في هذه الموضوع سرداً،
وهذه الأسباب إن وجد منها سبب؛
فاعلم أن هذه القرية وهذا البلد
وذلك المجتمع وهذه الأمة تنتظر الهلاك من الله جلوعلا
، إنْ عاجلاً أوآجلاً.......
الظلم
السبب الأول: الظلم:
إن الظلم من أعظم الأسبابالتي يهلك الله عز وجل
بها القرى،قال الله تعالى:
وَكَذَلِكَ أَخْذُرَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى
وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌشَدِيدٌ
[هود:102]^.
وكم يحصلفي بعض الأمم وفي بعض القرى من الظلم ..
ظلم الناس لربهم جل وعلا،
وظلم الناس بعضِهم بعضاً،
تجد كثيراً من العمال والموظفين ومن الأجانب
ومن المغتربين من يمكث عدة أشهر
ولا يحصل من مسئوله ومديره وكفيله على دينارٍواحد
، وكم جاءنا ممن يبكي بينأيدينا
ويشتكي من كفيله الذي حرمهلقمة العيش لأولاده!
يقولبعضهم:
مكثت ستة أشهر ولم يعطنِيديناراً واحداً،
ولو اشتكيت عليهلهدَّدني بالسفر
وبالرجوع والطردإلى بلادي..
وكم هو الظلم الذييحصل في بعض البلاد
لصغار الناسوالموظفين والعمال والمواطنين
الذين لا يستطيعون أن يحصلوا على بعض حقوقهم
فضلاً عنها كلها، إنه الظلم يا عبادالله!
ومن أعظم الظلم ما يكون علىالمؤمنين الموحدين
، وعلى الدعاةإلى الله جل وعلا، وعلى أولياء الرحمن
، وإن وقع الظلم على هؤلاء فاعلم أن هذه القرية
تحارب الله جل وعلا،
وهذه القرية تنتظر بعث الله تبارك وتعالى يأتيها صباحاً
أو مساءً، بياتاً أو همقائلون،
واسمع إلى قوله تعالى:
وَتِلْكَ الْقُرَىأَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا
وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً
[الكهف:59]^.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله:
"إن الدول تزول مع الظلم
ولو كانت مسلمة"،
ولو كان أهلها مسلمون، ولو كانوا مصلين،
ولو كانوا راكعين، ولو كانوا ساجدين،
فإنهم يزولون؛ لأن فيهمالظلم.
عباد الله: إياكم إياكموالظلم!
فإن الله تعالى حرم الظلمعلى نفسه
وجعله بين عبادهمحرماً.
السبب الثاني: الترف وكثرةالنعم:
تجد بعض الناس يلبس منالملابس
، ويسكن من القصور، ويركبمن المراكب،
ويسكن في الأثاثالوثير الذي لا يعقله عاقل
ولايستحسنه إنسان عنده مَسْكَة مِن عقل ..
اسمع كيف يؤدي الترف بكثير من الناس
إلى الفجور والعصيان والفسوق،
حتى إنه لَمَّا يسكن في قصرهالبهيِّ،
ويركب مركبه الفاخر؛ ينسىدين الله جل وعلا،
وينسى أوامرالله ولا يرضى ولا يقبل أن يُؤمَر بمعروف
أو يُنهَى عن منكر.
قالالله جل وعلا:
وَإِذَا أَرَدْنَاأَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
[الإسراء:16]^
أي: إذاأردت أن تعرف أن هذه القرية
أرادالله أن يهلكها فاسمع إلى هذه العلامة:
أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا
[الإسراء:16]^
أمر اللهالمترفين بأداء الزكاة،
بإقامالصلاة، بالستر والعفاف،
أمر اللهالمترفين بالحكم بكتابه،
وبطاعةنبيه عليه الصلاة والسلام
أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا
[الإسراء:16]^
أي: عارضوا أمر الله، وعاندوا شرع الله جل وعلا ..
لا تنظر إلى الفقراء، لا تنظرإلى المساكين،
لا تنظر إلىالضعفاء؛ فهم أتباع الرسل،
وهميتَّبعون أمر الله،
وإذا أردت أنتعرف أمر هذه القرية هل هو إلى زوال
أو إلى بقاء فانظر إلى المترفَين،
وانظر إلى الملأ الأعلى، وانظر إلى الأغنياء ..
هل هم على شرع الله؟ هل يقيمون حدود الله؟
أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَافَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً
[الإسراء:16]^
أتعرف ما هو القول؟
إنهقول العذاب وكلمة العذاب والعياذ بالله
السبب الثالث : كفر النعم:
تجد بعضالناس يُنعم الله عليه فلا يَشكر الله تعالى،
ينعم الله عليه فينسى حق الله عز وجل
عليه في هذه النعمة، قال تعالى:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةًمُطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَارِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِوَالْخَوْفِ
[النحل:112]^
وهمامقترنان، فكثير من الناس
وكثير منالأمم لَمَّا أذاقها الله لباس الجوع
ولم ترجع أذاقها الله لباس الخوف،
وكثير من القرى لَمَّا أذاقها الله لباس الخوف
فذهب الأمن وذهبت الطمأنينة
ولم ترجع أذاقها الله لباس الجوع
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ
لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوايَصْنَعُونَ
[النحل:112]^
إنه بسببكفر النعمة يا عباد الله!
وَإِذْتَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِيلَشَدِيدٌ
[إبراهيم:7]^
يحصلالواحد منهم على الملايين،
بل علىالمليارات ولا يؤدي زكاة أمواله،
ولا يُعطِي النفقة من ماله، ولا يُطعِم المسكين،
ولا يُنعِم على اليتيم،
ولا يُؤدِّي حق الله عز وجل فيأمواله.