الطفل قليل الصبر
تبدو الدقيقة في نظر الطفل الصغير وكأنها دهر , فالطفل الذي لم يتم السنتين من العمر بعد , يكون مفهومه لمرور الوقت محدودا جدا , ولا
يعرف شيئا عن الماضي ولا عن الحاضر , إنه يعيش لحاضره فقط , أي لـ" هذه اللحظة " .
" هذه اللحظة " تعني بالنسبة إلى الطفل لحظة رغبته في الحصول على قطعة بسكويت , أو كوب من الحليب أو العصير , عند طلبها من الأم , أو لحظة الطلب منها قراءة قصة له , أو لحظة رغبته في اللعب بلعبته المفضلة .
فهو لم يتعلم بعد أن في استطاعته الحصول على ما يريد لو انتظر وصبر قليلا . فمن وجهة نظره أنه لن يحصل على شيء إلا بعد الإلحاح في طلبه .
أن الطفل النموذجي لا يصبح مطيعا عند الطلب منه " الانتظار دقيقة واحدة " إلا بعد نهاية السنة الثانية من عمره تقريبا .
وعندما يصبح الطفل في سن الثالثة , يصبح في إمكانه , في الغالب , الانتظار لفترة معقولة من الوقت عندما يطلب منه ,
وقد يتمكن أيضا من إيجاد وسيلة تسلية وتساعده على مرور الوقت من دون أن يشعر . وحتى ذلك الحين , على الأم أن تتوقع سماع كلمة " الآن , الآن , الآن " وبغضب , مرات عدة في اليوم الواحد .
إن الطفل ضيق الصدر يعاني أمورا كثيرة , ولكن أكثرها على الإطلاق الانهيار . فإذا لم يعلم الطفل , أو إذا لم يعط الفرصة لتسلية نفسه بنفسه ليتلهى عن الوقت , سيواجه صعوبة في التعاطف مع الآخرين وفي القدرة على مواجهة تحديات الحياة في المستقبل والتغلب عليها .
فإذا كان طفل في عمر السنتين لا يستطيع الصبر لدقائق معدودة , فهذا يعتبر أمرا غير طبيعي ولا عادي . إلا أن قلة الصبر إلى حد الانهيار
عند الطفل الأكبر سنا تدل على وجود مشكلة خطيرة تستحق الاهتمام والمعالجة .
يعتقد التربويون أن هذه المهارة " الحضارية " الخطرة , مهارة الصبر , فقدت في هذا العالم متسارع الخطى والقائم على الـ" ريموت
كونترول " , حيث التكنولوجيا هي المسيطرة على الحياة , وحيث يتعلم الأطفال الصغار تشغيل التلفزيون واختيار البرامج الذي يحب
بالضغط على أزرار الـ" ريموت فقط " وتشغيل الـ " دي . في . دي " والكمبيوتر قبل تعلمهم ألف باء اللغة , وحيث يتعلم الأطفال الأكبر سنا تمضية الوقت في الدردشة عبر الانترنت .
كما يعتقدون أن عدم الصبر , أو الافتقار إليه , يؤثر سلبا في مراحل حرجة وخطيرة في حياة الطفل . ففي نظرهم , أن تعليم الطفل على
الصبر أمر أساسي وضروري , ليس من أجل تحقيق النجاح في المدرسة فقط , ولكن من أجل تطوير العلاقات الشخصية الملائمة والمهارات
الاجتماعية أيضا .
إن عدم القدرة للسيطرة على الدوافع والنزوات , يمكن أن يؤدي إلى العدائية والعنف عند بعض الأطفال . عندما يتعلم الطفل أن تحقيق
الأهداف وتنفيذ الخطط يتطلبان جهدا ووقتا طويلا , قد يتمكن من التكيف بسهولة أكثر عندما لا تلبى احتياجاته فورا .
فالطفل الصبور يستطيع التكيف مع الظروف بسهولة أكثر مستقبلا , لأن الصبر يؤمن حياة أكثر نجاحا للطفل .
يكون الطفل غير صبور منذ لحظة ولادته . وتلبية احتياجاته تعني له البقاء حيا والمساعدة على إقامة روابط مع الأشخاص الذين يعتنون به . ولكن , عندما يكبر الطفل يتعلم دروسا قيمة في القدرة على الاحتمال وفي التعاطف والتفهم عندما لا يحصل على ما يريد في اللحظة التي
يريد .
في نظر التربويين , أن الطفل يطور مهارة الصبر بشكل تلقائي , إلا أن تدخل الأم في عملية التطور كثيرا , يمنعه من تعلم كيفية التعامل مع
الفشل وخيبات الأمل .
كما أنها تنسف العملية عندما تتحول إلى موقع الدفاع , لأنها إما تغضب وتثور في وجه الطفل الذي طالب بشيء ما , أو تتساهل معه إلى أبعد
الحدود .
لذا , على الأم في جميع الأحوال , أن تصبر حتى يطور طفلها صبره . وليسهل عليها الانتظار , يمكنها الاستعانة بالنصائح التالية :
1- على الأم ألا تطالب طفلها بالصبر إلا في الحالات الضرورية :
قد تشعر الأم بالرغبة في ترك طفلها ينتظر قبل الحصول على ما طالب به , على أساس أن هدفها الرئيسي هو تعليمه الصبر .
ولكن ليس من العدل ولا من المعقول ترك الطفل ينتظر دائما . فالجوع والعطش مثلا , هما من الحالات الملحة التي لا يستطيع الطفل تحملها
والصبر عليها , والتي تحتاج إلى حل سريع .
فإذا كان على الطفل الانتظار مدة نصف ساعة حتى تنتهي الأم من إعداد الطعام , وكان الطفل جائعا لدرجة تمنعه من الانتظار , يمكن أن تقدم له الأم وجبة خفيفة يسد بها جوعه من دون أن تحرمه من تناول وجبته الأساسية .
2- تحويل انتباه الطفل :
إذا كان الانتظار منطقيا وضروريا , على الأم أن تحاول تمرير الوقت بسرعة عبر إيجاد وسيلة لتسلية وإلهاء الطفل . إذا كانت مثلا مع
طفلها في السيارة في الطريق إلى المنزل وكان الطفل جائعا ويريد أن يأكل " الآن , في هذه اللحظة " , يمكن أن تلجأ الأم إلى حيلة طرح
أسئلة عليه حول الوقت الذي قضاه في المدرسة : مع من لعب ؟ ماذا أكل ؟ هل نام ؟...إلخ , أو أن تطلب منه أن يغني لها الأغنية الجديدة
التي تعلمها , أو أن تسأله عن ألوان السيارات التي تسير إلى جانبهم في الشارع . بقليل من الصبر من جانب الأم يمكن أن تساعد طفلها
على الصبر على جوعه إلى أن يصلوا إلى المنزل .
3- تحديد الوقت :
إذا كانت الأم مشغولة في المنزل وطالبها طفلها بإلحاح باصطحابه إلى الحديقة العامة , أو إلى منزل رفيقه , أو طلب منها أن تساعده في
بناء برج بالمكعبات , وكانت في حاجة إلى دقائق معدودة لإنهاء عملها , يمكنها تحديد الوقت الذي تحتاج إليه على ساعة منبه تضعها
بالقرب من طفلها وتطلب منه مراقبتها إلى أن يدق جرس المنبه .
أو أن تستعين بساعة رملية تقلبها رأسا على عقب وتطلب من طفلها مراقبة الرمل داخلها وهو ينزل إلى أسفل . إن هذه العملية تعطي الطفل
الإحساس بأنه قادر على السيطرة على أمه وعلى الوقت أيضا .
على الأم أن تكون دقيقة في تحديد الوقت الذي يلزمها لإنهاء عملها , وإلا عليها أن تلتزم بالعهد الذي قطعته على نفسها عند انتهاء الوقت
حتى لو لم تنه عملها , حتى لا تفقد ثقة طفلها فلا يعود لديها مجال لعقد صفقات مماثلة معه في المستقبل .
4- إبعاد الغرض عن عيني الطفل :
إذا لم يكن في مقدور الأم نزع فكرة الحصول على غرض معين من رأس طفلها , عليها إبعاده من أمام عينيه . مثلا , إذا كان الطفل يريد
غرضا ما لا يستطيع الحصول عليه في " لحظتها " , أو ليس من المفترض الحصول عليه في تلك " اللحظة " ( أراد أن يقود دراجته
داخل المنزل على الأرض التي انتهت الأم من تنظيفها قبل دقائق ) عليها أن تخفيه عن عيني طفلها وتحاول إلهاءه بنشاط آخر .
5- أن تكون الأم نفسها صبورة :
إذا كان وقت حمام الطفل قد حان , أو إذا كان على الأم إلباس طفلها ثيابه للذهاب إلى السوبر ماركت مثلا , وصاح الطفل قائلا : " ليس الآن , فأنا مشغول باللعب " , على الأم أن تنتظر دقيقة أو دقيقتين إلى أن ينتهي طفلها من اللعب بدلا من أن تجره من يده وتأخذه إلى الحمام .
عليها أن تفهمه أنها سمحت له باللعب مدة دقيقة أو دقيقتين إضافيتين ثم عليه , عند سماع صوت جرس المنبه , ترك كل شيء والذهاب
إلى الحمام ليستحم .
إذا لاحظ الطفل أن أمه كانت صبورة فمن المحتمل أن يتعلم هو الآخر الصبر .
6- عدم مكافأة نفاد الصبر :
يعلن الطفل عن نفاد صبره عادة بالتصرف الخاطئ : الغضب الشديد , الانهيار , عدم الاحتمال , التلفظ بكلام سيئ .. إلخ .
إن الاستسلام لمثل هذه التصرفات يعلّم الطفل أن في إمكانه تحقيق مكاسب من نفاذ الصبر . لذا , على الأم أن تشرح لطفلها بهدوء ولكن
بحزم أيضا , أنه لا يستطيع الحصول دائما على ما يريد في اللحظة التي يريده بها .
7- مكافأة الصبر :
إذا أظهر الطفل صبرا من خلال تصرفاته : انتظر أمه للانتهاء من عملها لتلبي بعدها طلبه , أو إذا انتظرها حتى تعد الطعام من دون أن
يتذمر أو يشكو , عليها أن تشكره وأن تصفه بالطفل الصبور .
إن الإشارة إلى التصرفات الجيدة وتأكيدها ودعمها , يمكن أن يساعد الطفل على الإحساس بأنه يشبه الأشخاص البالغين الذين يتحملون
المصاعب .
8- على الأم ألا تكون متسرعة :
على الأقل ألا تغتر ببريق التكنولوجيا . فالأم التي تفرط في تحميل برنامج طفلها بالأنشطة , ثم تسارع إلى شراء أحدث ألعاب الكمبيوتر له , تبدو وكأنها تسهم في دفعه بوتيرة محمومة في اتجاه عالم التكنولوجيا الذي يحد غالبا من قدراته على التحمل والصبر . إن الأطفال الصغار في حاجة إلى أن يمروا بكل مراحلهم العمرية ليكتشفوا ويتعلموا بأنفسهم .
9- على الأم أن تكون مثالا للصبر :
إذا كانت الأم تريد أن يكون طفلها صبورا , عليها أن تظهر له صبرها بتصرفات . وهذا لا يعني أن تكون صبورة في كل الأوقات . فعندما
يلحظ الطفل أن من الطبيعي أن يفقد الإنسان صبره في بعض الأوقات , قد يتمكن من تعلم طرق فعالة تساعده على التعامل مع الشعور
بالإحباط الذي يصيبه أحيانا نتيجة عدم تلبية مطالبه , وذلك بالتعبير عن شعوره بدلا من السكوت عنه وتركه يتمكن منه , أو بإلهاء نفسه
بأنشطة خلاقة تساعده على التفكير والإبداع .
10-الاستمتاع بالصبر معا :
من الضروري أن تشارك الأم طفلها في ممارسة الأنشطة الحيوية والخلاقة وتركه يعيش حياته بوتيرة طبيعية . مثلا , إن مراقبتهما لغروب
الشمس معا يمنح طفلها الفرصة في ملاحظة التغيرات الصغيرة التي تطرأ على قرص الشمس ثانية بثانية .
واستمتاع الطفل بكل تغير يحصل في حياته , يساعده على إدراك أهمية الانتظار والمراقبة والتعلم . كما أن ممارسته لهوايات مثل بناء أبراج
كبيرة من المكعبات الخشبية أو تركيب صورة كبيرة من قطع صغيرة يتطلب إنهاؤها أكثر من يوم , تعتبر ضرورية وأساسية في تعليم الطفل
الصبر .
خلاصة الأمر , أن الأطفال الذين يتعلمون الصبر يستطيعون التغلب على مصاعب الحياة ومشاكلها مستقبلا بطرق فعالة وصحية , وعندما
يصبح الطفل قادرا على الصبر تتعزز ثقته بنفسه ويكتشف أهمية السيطرة على الذات .