أمة "اقرأ" لا تقرأ ..!
كلمةٌ هي أول ما قرع الأسماع من كتاب الله المقدّس، وهي أول عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي، وهي الواصلة التي وصلت الأرض بخبر السماء، هي مِفتاح العلوم، وغذاء الفهوم، وباب الفقه في الدين، ووسيلة من وسائل التدبر والتفكر، وآية تدل على التحضر.
هي الكلمة التي عزّت بها الأمة حين أخذتها بقوة، ثم ضعفت وتخلفت حين تشاغلت عنها وجعلتها من فضول حياتها.
ماذا عساها أن تكون هذه الكلمة؟! وماذا عساه أن يكون قدْرُها في نظرنا؟! وماذا عساها أن تكون هذه الكلمة إن لم تكن هي تلك الكلمة التي رجف لها فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة؛ إذ جاءته بما لم يعهده من قبل، فاستفتح بها حياة جديدة، فكانت فاتحةَ بعثته، وأولَ ما قرع سمعه من وحي ربه: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ» [العلق:1،2،3].
إن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقراءة، هو أمر لأمته بها؛ لأنه قدوتها وإمامها، ولكن القراءة التي أُمر بها أخصّ من القراءة التي أُمرت بها أمتُه؛ فقراءته كانت في تلاوة لما يُلقى إليه من كتاب ربه؛ وقد أغناه الله بما أوحى إليه من الكتاب والحكمة عن تتبع مكتوبِ الحكمة، فكان هو المعلّم الأول للكتاب والحكمة، ففتح الله به قلوبًا غلفًا وأعينًا عميًا وآذانًا صمًّا.
نعم! كان عليه الصلاة والسلام أميًا لا يقرأ ولا يكتب؛ ولكن لم يكن ذلك لفضلٍ في الأمية، وإنما لحكمته تقتضيها رسالته: «وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ»[العنكبوت:48]، فلو كان قارئًا كاتبًا إذًا لشك المرتابون المبطلون أن يكون قد تلقّف ما في القرآن من القصص والنبوآت بالقراءة في كتب أهل الكتاب، أو بكتابةِ ما يملونه عليه من علومهم ، فجعل الله أميّتُه آيةً على صدق رسالته التي حوت من القصص والغيبيات ما يشهد له بالصدق أهلُ الكتاب بما خبروه في التوراة والإنجيل وكُتبِ علمائهم...
ولم تكن أميته عليه الصلاة والسلام لتحجبه عن معين العلم والحكمة؛ فقد حاز أشرف العلوم وأبلغ الحِكَم
م ن ق و ل