العطورُ والطيب عند العرب
قال أبو قلابة كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا خَرجَ مِن بيته إلى المسجد عَرفَ جيرانُ الطريقِ أنّه مَرّ مِن طِيبِ ريحهِ وعن الحسن ابن زيد الهاشمي عَن أبيه قال رأيتُ ابنَ عباس رضي الله تعالى عَنهُما يَطلي جَسدَه فإذا مَرَّ في الطريق قال الناس أمَرَّ ابن عباس أم مَرَّ المسك ؟ (وهذا ما نسميه في عصرنا مُزيل رائحة العرق ) وعنه عَن أبيه قال رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين أحرم والغالية على صدغيه كأنها لزقة.
وقال أبو الضحى رأيت على رأس الزبير من المسك ما لو كان لي لكان رأس مالي. وأهدى عبد الله بن جعفر لمعاوية قارورة من الغالية فسأله كم أنفق عليها فذكر مالا جزيلا فقال هذه غالية فسميت بذلك.
وقيل لما بنى عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه بفاطمة بنت عبد الملك أُسرج في مسارجه تلك الليلة بالغالية. (أي أن ذلك العطر - وهو في أصله زيت- استخدم في الإنارة وهذا من علامات البذخ والغنى).
وقال الشعبي الرائحة الطيبة تزيد في العقل. وقال علي كرم الله تعالى وجهه تشمموا النرجس ولو في العام مرة فإن في قلب الانسان حالة لا يزيلها إلا النرجس. وكان الشعبي يقول إذا ورد الورد صدر البرد. وكانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم يستحبون إذا قاموا من الليل أن يمسوا لحاهم بالطيب وكان من اختلف في طرقات المدينة وجد عرفا طيبا قيل ولذلك سميت طيبة وأقول واله ما طابت طيبة إلا بالقلب الطاهر وما أحسن ما قيل
( إذا لَم أطِبْ في طيبَةَ عِندَ طَيّبٍ ... بِه طيبَةٌ طابت فأين أطيبُ )
وكانت ملوك الفرس تأمر برفع الطيب أيام الورد. وكان المتوكل يلبس أيام الورد الثياب الموردة ويفرش الورد في مجلسه ويطيب جميع آلاته بالورد وقال الحسن بن سهل أُمّهاتُ الرياحين تُقَوّى بأُمّهاتِ الطيب فالنرجسُ يُقَوّى بالورد والوَردُ يُقوى بالمسك والبنفسج يُقوّى بالعنبر والريحانُ يُقوى بالكافور والنِسرينُ يُقوى بالعود. (وهذا ما نسميه في عصرنا علم مزج العطور). وقال جالينوس المسك يقوي القلب والعنبر يقوي الدماغ والكافور يقوي الرئة والعود يقوي المعدة والغالية تحل الزكام والصندل يحل الأورام.
تبخر بعض الأمراء وعنده أعرابي ففرطت من الأمير ريح خفيفة فأراد أن يعلم هل فطن بها الأعرابي أم لا ؟ فقال ما أطيب هذا المثلث ! قال نعم ولكنك ربعتها. وقال الأحنف إن شم رائحة المسك يحيي القلب.
- من كتاب المستطرف في كل فن مستظرف (بتصرف).