أخوانى و أخواتى فى الله الكرام اليكم قصة رائعة فعلا كلها عبر و مواعظ لا يستهان بها . و ستلاحظون أنتم من أبطال قصتنا هذه .
هم أبطال بمعنى الكلمة لأنهم تحولوا من أسفل سافلين الى أعلى المنازل تحولوا من مشركين معاندين للأسلام و المسلمين أشد العداوة الى مسلمين صالحين مجاهدين
فى سبيل الله عز و جل .
و أسمحوا لى فأنا لا ارى أن موضوع اليوم يحتاج الى مقدمات فالموضوع يعبر عن نفسه أوضح تعبير .
موضوع اليوم يبداء بعد فتح مكة المكرمة و بعد ان عفا الرسول (صلى الله عليه و سلم ) عما سلف من قريش تجاهه. لكنه (صلى الله عليه و سلم) أستثنى منهم نفرا سماهم و أمر بقتلهم و ان وجدوا تحت أستار الكعبة
و كان فى طليعتهم عكرمة بن ابى جهل لذا تسلل متخفيا من مكة متوجها الى اليمن اذا لم يكن له ملاذ الا هناك بعد الفتح .
عند ذلك مضت أم حكيم زوج عكرمة و هند بنت عتبة الى منزل الرسول (صلى الله عليه و سلم) و معهمها عشر نسوة لمبايعة الرسول (صلى الله عليه و سلم) فدخلن عليه و عنده اثنتان من زوجاته و أبنته فاطمه الزهراء و نساء من نساء بنى عبد المطلب
فتكلمت هند بنت عتبه و هى منتقبة و قالت : يا رسول الله الحمد لله الذى أظهر الدين الذى اختاره لنفسه و أنى لأسألك ان تمسنى رحمك بخير (تمسنى رحمك بخير أى تحسن معاملتى لما بينى و بينك من قرابة و رحم ) فأنى أمرأة مؤمنه مصدقة . ثم كشفت وجهها و قالت : هند بنت عتبه يا رسول الله
فقال (صلى الله عليه و سلم) : مرحبا بك .
فقالت هند : و الله يا رسول الله ما كان على وجه الأرض بيت أحب الى أن يذل من بيتك و لقد أصبحت و ما على وجه الأرض بيت أحب ال ان يعز من بيتك .
فقال (صلى الله عليه و سلم) : و زيادة أيضا .
ثم قامت أم حكيم زوج عكرمة بن أبى جهل فأسلمت و قالت : يا رسول الله قد هرب منك عكرمة الى اليمن خوفا من أن تقتله فأمنه أمنك الله .
فقال (صلى الله عليه و سلم): هو آمن .
فأنطلقت من ساعتها فى طلبه و معها غلام لها رومى
فلما أوغلا فى الطريق راودها الغلام عن نفسها , فجعلت تمنيه و تماطله حتى قدمت على حى من العرب فاستعانتهم عليه فأوثقوه و تركوه عندهم و مضت هى الى سبيلها
حتى أدركت عكرمة عند ساحل البحر فى منطقة تهامة و هو يفاوض بحارا مسلما على نقله عبر البحر
و البحار يقول له : أخلص حتى أنقلك .
فقال عكرمة : و كيف أخلص ؟؟
قال البحار : تقول أشهد ان لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله .
فقال عكرمة : ما هربت الا من هذا .
و فيما هما كذلك اذ أقبلت أم حكيم على عكرمة و قالت : يا بن عم جئتك من عند أوصل الناس و أبر الناس و خير الناس من عند محمد بن عبد الله (صلى الله عليه و سلم) و قد استأمنت لك منه فأمنك فلا تهلك نفسك .
فقال عكرمة : أنت كلمته ؟؟؟؟
قالت : نعم أنا كلمته فأمنك . و ما زالت به تؤمنه و تطمئنه حتى عاد معها .
ثم حدثته بما كان من غلامها الرومى فمر به فى حى العرب و قتله , و فيما هما فى منزل نزلا به فى الطريق اذا أراد عكرمة أن يخلوا بزوجته فأبت ذلك أشد الأباء و قالت : انى مسلمة و أنت مشرك .
فتملكه العجب و قال : ان امرا يحول دونك و دون الخلوة بى لأمر كبير .
فلما دنا عكرمة من مكة قال الرسول (صلى الله عليه و سلم) : سيأتيكم عكرمة بن أبى جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه فان سب الميت يؤذى الحى و لا يبلغ الميت .
و ما هو الا قليل حتى وصل عكرمة و زوجه الى حيث يجلس الرسول (صلى الله عليه و سلم) فوقف عكرمة بين يديه و قال : يا محمد ان أم حكيم أخبرتنى أنك أمنتنى ؟؟؟
فقال الصادق المصدوق (صلى الله عليه و سلم) : صدقت (أى أم حكيم ) فأنت آمن .
فقال عكرمة الام تدعوا يا محمد ؟؟؟
قال الرسول (صلى الله عليه و سلم) : أدعوك أن تشهد أن لا اله الا الله و أنى عبد الله و رسوله و أن تقيم الصلاة و أن تؤتى الزكاة ......) حتى عد أركان الاسلام كلها .
فقال عكرمة و الله ما دعوت الا الى الحق و ما أمرت الا بخير و قد كنت فينا و الله قبل ان تدعوا الى ما دعوت اليه و أنت اصدقنا حديثا و أبرنا برا .
ثم بسط يده و قال : انى اشهد ان لا اله الا الله و أشهد أن عبده وة رسوله ثم قال :علمنى خير شيئ أقوله .
فقال (صلى الله عليه و سلم) : تقول أشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا عبده و رسوله .
فقالها عكرمة ثم قال : ثم ماذا ؟؟؟
قال (صلى الله عليه و سلم) :اليوم لا تسألنى شيئا أعطيه أحدا الا اعطيتك اياه .
فقال عكرمة : انى اسألك ان تستغفر لى فى كل عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه أو مقام لقيتك فيه أو كلام قلته فى وجهك أو غيبتك .
فقال (صلى الله عليه و سلم) : اللهم أغفر له كل عداوة عاداينيها و كل مسير سار فيه يريد اطفاء نورك و أغفر له ما نال من عرضى فى وجهى أو و أنا غائب عنه .
فتهلل وجه عكرمة استبشارا و قال : أما و الله يا رسول الله لا أدع نفقة أنفقتها فى صد عن سبيل الله الا أنفقت ضعفها فى سبيل الله و لا قتالا قاتلته صدا عن سبيل الله الا قاتلت ضعفه فى سبيل الله .
و منذ ذلك اليوم أنضم عكرمة الى موكب الدعوة فارس باسل فى ساحات القتال عباد قوام قارئ لكتاب الله فى المساجد
فقد كان يضع المصحف على وجهه و يقول : كتاب ربى .... كلام ربى ......و هو يبكى من خشية الله عز و جل .
بر عكرمة بما قطعه للرسول (صلى الله عليه و سلم) فما خاض المسلمون معركة بعد اسلامه الا و خاضها معهم و لا خرجوا فى بعث الا كان طليعتهم .
حتى اذا جاءت معركة اليرموك و لما أشتد الكرب على المسلمين فى أحد المواقف نزل عكرمة عن جواده و كسر غمد سيفه و أوغل فى صفوف الروم
فبادره خالد بن الوليد و قال له : لا تفعل يا عكرمة فان قتلك سيكون شديدا على المسلمين .
فقال عكرمة : اليك عنى يا خالد ... فلقد كان لك مع الرسول (صلى الله عليه و سلم) سابقة , أما أنا و أبى فقد كنا من أشد الناس على رسول الله (صلى الله عليه و سلم) فدعنى أكفر عما سلف منى
ثم قال :لقد قاتلت رسول الله (صلى الله عليه و سلم) فى مواطن كثيرة و أفر من الروم اليوم ؟؟؟؟؟؟ ان هذا لن يكون أبدا .
ثم نادى فى المسلمين و قال : من يبايع على الموت ؟؟؟
فبايعه عمه الحارث بن هشام و ضرار بن الأزور فى أربعمائة من المسلمين فقاتلوا دون فسطاط خالد بن الوليد أشد القتال و ذادوا عنه أكرم الذود .
و لما انجلت معركة اليموك عن ذلك النصر المؤزر للمسلمين كان يتمدد على أرض اليرموك ثلاثة مجاهدين أثخنتهم الجراح هم : الحارث بن هشام و عياش بن أبى ربيعة (أبن عم خالد بن الوليد ) و عكرمة بن أبى جهل ,
فدعا الحارث بماء ليشرب و عندما قدموا له الماء نظر اليه عكرمة فقال الحارث : أدفعوا اليه الماء فلما قربوا الماء من عكرمة نظر اليه عياش فقال : عكرمة ادفعوا اليه الماء . فلما دنوا من عياش وجدوه قد فارق الحياة فلما عادوا الى عكرمة و الحارث وجدوهما قد لحقوا به ايضا .
رضى الله عنهم أجمعين و سقاهم من حوض الكوثر شربة لا يظمأون بعدها و حباهم خضراء الفردوس يرتعون فيها الى الأبد .
الى هذا الحد أنتهى النص المنقول بتصرف من كتاب صور من حياة الصحابة للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا صفحات من 117 الى 126
بقى ان نتعرف على أحدى شخصيات القصة و أحد المشاهد الرائعة لأمرأة مسلمة :
* من تكون هند بنت عتبة ؟؟
و لماذا أنتقبت أمام الرسول (صلى الله عليه و سلم) بعد الفتح ؟؟؟؟؟
ان هند بنت عتبة هى التى مثلت بعم الرسول (صلى الله عليه و سلم) و سيد الشهداء و الأسد المغوار سيدنا حمزة بن عبد المطلب يوم أحد و هى زوج أبو سفيان و أم سيدنا معاوية رضى الله عنه .
و قد انتقابها خجلا من الرسول (صلى الله عليه و سلم) بعد ما فعلت وقت ان كانت على الشرك من عداوة للأسلام و المسلمين .
* أما المشهد الرائع و المضيئ حقا لأمرأة مسلمة فهو موقف أم حكيم زوج عكرمة التى فى جاهليتها خرجت مع نسوة من قريش يوم أحد وراء صفوف صناديد الجهل و الشرك
يضربن الدفوف تحريضا على قتال المسلمين و تثبيتا لفرسان الجهل و الشرك فى مواجهه راية لا اله الا الله محمد رسول الله .
هذه المرأة بعد ان أسلمت ماذا كان موقفها مع زوجها و مع غلامها الرومى ؟؟؟؟؟
الى هذا الحد أرى قلمى يقف عاجزا عن التعبير عن روعة موقف كل من جاء ذكره فى هذه القصه الرائعه التى لو فعلا قرأناها و فهمناها بتروى ربما تغيرت كثير من مواقفنا و أحوالنا
و أعتذر اشد الأعتذار لأطالتى عليكم و لكن سامحونى فحبى لكم جعلنى أحب لكم ما احبه لنفسى فعلا و من حلاوة القصة لم استطع اختصارها اكثر من هذا .
أنتظر نصائحكم بارك الله لكم و فيكم و فى أهليكم و فى أرزاقكم .
دمتم بكل خير