سلسلة الأحاديث الصحيحة ــ المجلد الأول
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 298
" يكفيك الماء ولا يضرك أثره " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 530 :
أخرجه أبو داود ( 1 / 141 - 142 - بشرح العون ) وأحمد ( 2 / 380 ) قالا : حدثنا قتيبة بن سعيد أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة عن # أبي هريرة # : " أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم , فقالت : يا رسول الله ! إنه ليس لي إلا ثوب واحد , وأنا أحيض فيه , فكيف أصنع ? قال : إذا طهرت فاغسليه , ثم صلي فيه , فقالت : فإن لم يخرج الدم ? قال " . فذكره .
ورواه البيهقي في " السنن " ( 2 / 408 ) من طريق عثمان بن صالح حدثنا ابن لهيعة : حدثني يزيد ابن أبي حبيب به .
وتابعهما عبد الله بن وهب فقال : أخبرنا ابن لهيعة به .
أخرجه البيهقي وكذا أبو الحسن القصار في " حديثه عن ابن أبي حاتم " ( 2 / 2 ) وابن الحمصي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " ( 33 / 1 ) وابن منده في " المعرفة " ( 2 / 321 / 2 ) .
وقال البيهقي : إسناده ضعيف . " تفرد به ابن لهيعة " .
قلت : وقال ابن الملقن في " خلاصة الإبريز للنبيه , حافظ أدلة التنبيه " ( ق 89 / 2 ) : " وقد ضعفوه , ووثقه بعضهم " .
وقال الحافظ في " فتح الباري " ( 1 / 266 ) : " رواه أبو داود وغيره , وفي إسناده ضعف , وله شاهد مرسل " .
ونقله عنه صاحب " عون المعبود " ( 1 / 141 - 142 ) وأقره !
وقال الحافظ أيضاً في " بلوغ المرام " : " أخرجه الترمذي , وسنده ضعيف " .
قال شارحه الصنعاني ( 1 / 55 ) تبعاً لأصله " بدر التمام " ( 1 / 29 / 1 ) : " وكذلك أخرجه البيهقي , وفيه ابن لهيعة " .
واغتر بقول الحافظ هذا جماعة فعزوه تبعاً له إلى الترمذي , منهم صديق حسن خان في " الروضة الندية " ( 1 / 17 ) , ومن قبله الشوكاني في " نيل الأوطار " فقال ( 1 / 35 ) : " أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود , والبيهقي من طريقين عن خولة بنت يسار , وفيه ابن لهيعة " . وكذا قال الحافظ في " التلخيص " ( 13 ) لكنه لم يذكر الترمذي وأحمد .
أقول : وفي كلمات هؤلاء الأفاضل من الأوهام ما لا يجوز السكوت عليه فأقول :
أولاً : عزوه الترمذي وهم محض , فإنه لم يخرجه البتة , وإنما أشار إليه عقب حديث أسماء الآتي بقوله : " وفي الباب عن أبي هريرة , وأم قيس بنت محصن " . ولذلك لما شرع ابن سيد الناس في تخريج الحديث كعادته في تخريج أحاديث الترمذي المعلقة لم يزد على قوله : " رواه أحمد " , فلم يعزه لأي موضع من " سننه " , بل ولا لأي كتاب من كتبه الأخرى . وكذلك صنع المباركفوري في شرحه عليه . إلا أنه جاء بوهم آخر ! فقال ( 1 / 128 ) .
" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه " !
ثانياً : إطلاق الضعف على ابن لهيعة وإسناد حديثه هذا , ليس بصواب فإن المتقرر من مجموع كلام الأئمة فيه أنه ثقة في نفسه , ولكنه سيىء الحفظ , وقد كان يحدث من كتبه فلما احترقت حدث من حفظه فأخطأ , وقد نص بعضهم على أن حديثه صحيح إذا جاء من طريق أحد العبادلة الثلاثة : عبد الله بن وهب , وعبد الله بن المبارك , وعبد الله بن يزيد المقرىء , فقال الحافظ عبد الغني ابن سعيد الأزدي : إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح , ابن المبارك وابن وهب والمقرىء .
وذكر الساجي وغيره مثله . ونحوه قول نعيم بن حماد : سمعت ابن مهدي يقول : " لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه " .
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا بقوله في " التقريب " : " صدوق , خلط بعد احتراق كتبه , ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما " .
فإذا عرفت هذا تبين لك أن الحديث صحيح لأنه قد رواه عنه أحد العبادلة وهو عبد الله بن وهب عند البيهقي وغيره , كما سبق , فينبغي التفريق بين طريق أبي داود وغيره عن ابن لهيعة , فيقال : إنها ضعيفة , وبين طريق البيهقي , فتصحح لما ذكرنا . وهذا تحقيق دقيق استفدناه من تدقيقات الأئمة في بيان أحوال الرواة تجريحاً وتعديلاً . والتوفيق من الله تعالى .
ثالثاً : قول الشوكاني : " إن الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي من طريقين عن خولة بنت يسار , وفيه ابن لهيعة ". وهم أيضاً , فإنه ليس للحديث عندهم إلا الطريق المتقدم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة أن خولة بنت يسار .
فالطريق ينتهي إلى أبي هريرة لا خولة , وعنه عيسى بن طلحة , ليس إلا .
نعم قد رواه ابن لهيعة مرة على وجه آخر في شيخه فقال في رواية موسى بن داود الضبي عنه قال : حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عيسى بن طلحة به .
أخرجه أحمد ( 2 / 344 ) , فهذا إن كان ابن لهيعة قد حفظه من طريق أخرى له عن عيسى بن طلحة , وإلا فهو من أوهامه لأنها ليست من رواية أحد العبادلة عنه بل هي مخالفة لها كما سبق , وسواء كان هذا أو ذاك فلا يصح أن يقال في هذه الطريق أنها طريق أخرى وعن خولة أيضاً !!
ولعل الشوكاني أراد بالطريق الأخرى ما أخرجه البيهقي عقب حديث أبي هريرة , من طريق مهدي بن حفص حدثنا علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن خولة بنت يمان قالت : " قلت : يا رسول الله , إني أحيض , وليس لي إلا ثوب واحد , فيصيبه الدم . قال : اغسليه وصلي فيه . قلت : يا رسول الله , يبقى أثره . قال : لا يضر " .
وقال : " قال إبراهيم الحربي : الوازع بن نافع غيره أوثق منه , ولم يسمع خولة بنت يمان أو يسار إلا في هذين الحديثين " .
وأخرجه ابن منده في " المعرفه " ( 2 / 321 / 2 ) وابن سيد الناس في " شرح الترمذي " ( 1 / 48 / 2 ) من طريق عثمان بن أبي شيبة , أنبأنا علي ابن ثابت الجزري به , إلا أن الأول منهما قال " خولة " ولم ينسبها , وقال الآخر : " خولة بنت حكيم " وهو عنده من طريق الطبراني عن ابن أبي شيبة , وكذلك ذكره الهيثمي في " المجمع " ( 1 / 282 ) من رواية الطبراني في الكبير وقال : " وفيه الوازع بن نافع وهو ضعيف " .
قلت : بل هو متروك شديد الضعف , أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال : " قال أحمد ويحيى : ليس بثقة " . ولذلك تعقب ابن التركماني البيهقي في تركه مثل هذا التجريح واختصاره على كلام إبراهيم الحربي الموهم بظاهره أنه ثقة لكن غيره أوثق منه ! مع أنه ليس بثقة . ولعل قوله في رواية البيهقي " بنت يمان " , وقوله " بنت حكيم " في رواية الطبراني وغيره , إنما هو من الوازع هذا , ومن العجائب قول ابن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة خولة بنت يسار بعد أن ذكر حديثها المتقدم : " روى عنها أبو سلمة , وأخشى أن تكون خولة بنت اليمان , لأن إسناد حديثهما واحد , إنما هو علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة بالحديث الذي ذكرنا في اسم خولة بنت اليمان ( يعني حديث : " لا خير في جماعة النساء ... " ) وبالذي ذكرنا ههنا , إلا أن من دون علي بن ثابت يختلف في الحديثين , وفي ذلك نظر " .
ووجه العجب أن الحديث الذي أشار إليها بقوله " وبالذي ذكرنا هنا " إنما هو هذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه " ولا يضرك أثره " وهو الذي ذكره ابن عبد البر في ترجمة بنت يسار هذه كما أشرت إليه آنفاً , وهو ليس من رواية أبي سلمة هذا عنها ولا عن غيرها , وإنما هو من رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة كما سبق , فهذا طريق آخر للحديث , وفيه وقع اسمها منسوباً إلى يسار , والسند بذلك صحيح , فكيف نخشى أن يكون ذلك خطأ والصواب بنت يمان مع أن راويه علي بن ثابت ضعيف كما أشار إليه ابن عبد البر بل هو متروك كما سبق . وأعجب من ذلك أن الحافظ ابن حجر لما نقل كلام ابن عبد البر إلى قوله " لأن إسناد حديثهما واحد " رد عليه بقوله : " قلت : لا يلزم من كون الإسناد إليهما واحداً مع اختلاف المتن أن تكون واحدة " فسلم بقوله إن الإسناد واحد , مع أنه ليس كذلك , وهو الإمام الحافظ , فجل من لا يسهو ولا ينسى تبارك وتعالى .
رابعاً : قول الحافظ فيما سبق : " وله شاهد مرسل " , وهم أيضاً , فإننا لا نعلم له شاهداً مرسلاً , ولا ذكره الحافظ في " التلخيص " وإنما ذكر له شاهداً موقوفاً عن عائشة قالت : " إذا غسلت المرأة الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران " . أخرجه الدارمي ( 1 / 238 ) وسكت عليه الحافظ ( 13 ) وسنده صحيح على شرط الشيخين .
ورواه أبو داود بنحوه . انظر " صحيح أبي داود " ( ج 3 رقم 383 ) .
والحديث دليل على نجاسة دم الحيض لأمره صلى الله عليه وسلم بغسله , وظاهره أنه يكفي فيه الغسل , ولا يجب فيه استعمال شيء من الحواد والمواد القاطعة لأثر الدم , ويؤيده الحديث الآتي : " إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ( وفي رواية : ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره ) ثم لتصلي فيه " .